المصرى هانى عتيبة أول رئيس من أصول عربية للكلية الطبية الملكية ببريطانيا لـ«الأخبار»: أحيى الدور المصرى فى علاج جرحى غزة و الإنسانية ستنتصر آجلا أو عاجلا

د. هانى عتيبة لديه حضور دائم فى كل المؤتمرات الدولية
د. هانى عتيبة لديه حضور دائم فى كل المؤتمرات الدولية

لم تمر دقائق على إرسال بريد إلكترونى للطبيب المصرى النابغة هانى عتيبة، الذى أصبح أول طبيب من أصول عربية ومصرية يتولى مسئولية الكلية الملكية للأطباء والجراحين فى جلاسكو ببريطانيا، أطلب فيه إجراء حوار معه، بمناسبة توليه المنصب، حتى جاءتنى الموافقة..

شعرت للحظات بقليل من الفخر، حتى أن نفسى حدثتنى بأنه «ربما يكون الرجل قد ألقى نظرة سريعة على محرك البحث جوجل، وأعجبته سلسلة حوارات كنت قد أجريتها مع علماء مصر بالخارج»، ولكن لم تمر لحظات على بداية الحوار حتى أيقنت سبب هذا التجاوب السريع، فالرجل الذى تعلم فى كلية الطب بجامعة الأزهر بمصر، وصنع نجاحه فى بريطانيا، يسعى لكل ما يربطه بوطنه الأم مصر، فهى حاضره دائما على لسانه فى كل اجاباته، حتى أنه شجعنى على أن أتجرأ وأسأله فى نهاية الحوار: «هل تتمنى أن يوارى الثرى جثمانك بعد الوفاة على أرض مصر»، فكانت إجابته السريعة بدون تردد« لقد كتبت وصية بذلك»..

وخلال الحوار الذى امتد لأكثر من ساعة عبر تطبيق « زووم»، تحدث الطبيب النابغة عن رحلته من كلية الطب بجامعة الأزهر.

حتى توليه رئاسة الكلية الملكية للأطباء والجراحين فى بريطانيا، مؤكدا على أن الرحلة كانت مليئة بالصعوبات والتحديات، والتى نجح فى تجاوزها بمزيد من العمل والجهد والثقة بالنفس.. كما تحدث عن كيفية التعايش فى مجتمع تقطنه جنسيات متعددة مثل بريطانيا، وكيف استطاع مواجهة ظاهرة «الإسلاموفوبيا» التى نشأت فى الغرب بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001، وهل يمكن أن يؤثر التباين فى الآراء والمواقف من بعض القضايا مثل «حرب غزة» على علاقته بأقرانه، ولم يخل الحوار من بعض النصائح لشباب الأطباء الراغبين فى صناعة قصة نجاح شبيهة..

وإلى نص الحوار.

لدينا المادة الخام لصناعة أطباء واعدين.. والعامل المادى السبب الرئيسى لهجرتهم

تفوقت فى بريطانيا بالصبر والعمل الجاد والمنافسة الشريفة
فضلت مستشفى جلاسكو على مركز أبحاث ناسا حتى لا أخسر مهارتى الإكلينيكية 
أقيس النجاح بالثراء العلمى وأشعر أني «أغنى رجل فى العالم» 

تركت مصر بجسدى ووصيتى أن أدفن فى أرضها 

الرحلة من كلية الطب جامعة الأزهر إلى تولى مسئولية الكلية الملكية للأطباء والجراحين فى بريطانيا، لم تكن سهلة بالتأكيد.. لكن المؤكد أن لديك سمات شخصية تكونت من خلال النشأة ساهمت فى تجاوز الصعوبات، هل يمكن ان تعطينا لمحة عنها؟

يطلق تنهيدة عميقة استعدادا لإجابة طويلة استهلها بقوله: بالتأكيد، فأنا ابن محافظة القاهرة، تلك المدينة التاريخية التى كنت ألمس فى شوارعها براعة الفنان المصري، الأمر الذى جعلنى أعشق المهارة اليدوية، وهو ما انعكس على اختياراتى المهنية، فجعلنى مثلا أفضل البقاء والاستمرار فى بريطانيا، والعمل فى مجال طب القلب التداخلي، حيث يشبع ذلك لدى حب العمل وإظهار المهارة اليدوية والإكلينيكية فى التدخلات الجراحية، وهو ما لم يكن يتحقق لو قبلت فرصة العمل فى مركز أبحاث وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا»، والتى عرضت على فى إحدى مراحل حياتي.

كما أنى نشأت فى منزل يؤمن بقيمة العدل، فوالدى كان نائبا لرئيس المحكمة الدستورية العليا، وانعكس ذلك على شخصيتي، فكانت سببا آخر فى تفضيل البقاء فى بريطانيا، لما لمسته من مساواة فى معاملة المرضى، لا فرق فى ذلك بين فقير وغني.

وبالقطع، لا أستطيع أن أغفل الدور المهم لشقيقتي، الطبيبة وفية عتيبة، أستاذ القلب، وزوجها إسماعيل سلام، وزير الصحة ‏‏والسكان الأسبق، حيث نصحانى بالالتحاق بجامعة جلاسكو ببريطانيا، بعد التخرج، ودعم ذلك التوجه والدي، الذى كان يؤمن بأهمية الانفتاح على التقدم العلمى فى الغرب.

استطيع أن استشف انتماءك لعائلة ميسورة ماديا، وربما يكون ذلك قد ساعدك على تجاوز الصعوبات...

يؤمئ بالرفض قبل أن يقول متسائلا: هل تقول ذلك لأن والدى كان نائبا لرئيس المحكمة الدستورية العليا؟.. ربما كان الوالد يحب دعمى ماديا، لكنى أصررت على الاعتماد على نفسي، وكنت أوزع دخلى المحدود الذى اتحصل عليه بين المسكن والطعام والانفاق على الدراسة، وكنت أشعر وقتها، رغم ضعف الإمكانيات المادية، أنى أغنى رجل فى العالم، لأنى كنت وما زلت، لا أقيس النجاح بما يضاف إلى دخلى من نقود، ولكن بما يضاف إلى عقلى من علم ومعارف جديدة، حتى أن الاتصال الشهرى الذى كان يجمعنى بأسرتى فى القاهرة، كان يدور حول ما تعلمته من معارف جديدة خلال الشهر، وكان والدى يسعد كثيرا كلما أخبرته بأنى تعلمت شيئا جديدا.

صعوبات وعراقيل

من المؤكد وأنت تتلقى العلوم والمعارف الجديدة، كانت هناك صعوبات وعراقيل، فأنت فى النهاية عربى مسلم، تعيش فى مجتمع متعدد الثقافات، وقد يكون هناك من يرفض هويتك العربية الإسلامية...

تظهر مشاعر الفخر والتحدى جلية على وجهه قبل أن يقول: أنا سعيد بهذا السؤال، لأنه يعطينى الفرصة لأوجه نصيحة لمن يريد أن يخوض نفس التجربة من العمل فى بريطانيا، فأنت ستكون فى سباق مع الآخرين، من بينهم أبناء البلد، ولابد أن يكون لديك ما يميزك حتى تحجز لنفسك مكانا بينهم، والحمد لله، بتوفيق من الله، ثم بالعمل والصبر والمنافسة الشريفة، استطعت ان أضع لنفسى مكانا، وأخوض رحلة طويلة من العمل، تقلدت خلالها مناصب عدة، وصولا إلى انتخابى رئيسا للكلية الملكية للأطباء والجراحين فى بريطانيا.

فى ظل تنامى «الإسلاموفوبيا»، قد يكون هناك من يسوؤه نجاحك وأنت تخوض هذه المنافسة الشريفة...

يصمت لوهلة قبل أن يقول وهو يشير بسبابته: لن أدعى المثالية المطلقة، وأن المجتمع خال من العنصرية، ولكن الحقيقة أن هذه المشاعر المعادية لم يصبح لها ظهور، إلا بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001، ولم أشعر بها فى بدايات وجودى ببريطانيا.

وكيف استطعت مواجهتها؟

تخرج الكلمات من فمه سريعة قائلا: استطعت مواجهتها بالتركيز فى علاقاتى مع الآخرين على القيم المشتركة التى تجمع بين البشر بغض النظر عن الانتماء الثقافى والفكرى والديني، بمعنى أننا أطباء أيا كانت ديانتنا، والقيم والمثل المشتركة التى تجمعنا هى مصلحة المريض، وتقديم خدمة طبية مميزة له، أما ما يخص قناعاتى وديني، فهو أمر شخصى فى القلب والضمير، وما يحكم علاقاتى بالمرضى والمحيطين هو الصدق والنزاهة والأخلاق المهنية، وقد أثمر هذا المنهج الذى اتبعته عن علاقات إنسانية مميزة، تجعلهم يهنئونى فى أعيادى الإسلامية، بل ويحضرون لى الكعك والبسكويت، كما أهنئهم فى أعيادهم وأقوم بتوزيع الشيكولاته على الأطباء والمرضى.

حرب غزة

ولكن فى قضايا مثل الحرب فى غزة، عندما يثار الحديث حولها، من المؤكد أن هناك تباينا فى الآراء، قد ينال من هذه المشاعر الإيجابية...

يؤمئ بالرفض قبل أن يقول متسائلا: ولماذا سنختلف، فهناك أيضا، حتى فى مثل هذه القضايا الشائكة مشتركات تجمعنا، فهل هناك مثلا من يعترض على أن استهداف الأبرياء أيا كانت جنسيتهم أو دينهم عمل غير مقبول؟!

أفهم من ذلك أن النقاش فى قضية مثل حرب غزة، لا يسبب اختلافا بينك وبين أقرانك من الأطباء اليهود...

سأفاجئك بأن الأحداث الأخيرة فى غزة، لم تؤد لإحجام بعض المرضى ذوى الديانة اليهودية عن زيارة عيادتى الخاصة، وهو ما كان البعض يتوقع أنه سيحدث.

يبدو أنك تملك ذكاء اجتماعيا، إلى جانب مهارتك الطبية، وهو ما جعلك أول عربى يفوز بمنصب رئيس الكلية الملكية للأطباء والجراحين فى بريطانيا...

يرفع أكف الضراعة قائلا: الحمد لله، فقد ترشحت للمنصب من جانب مجلس الإدارة، ‏بجانب ‏أثنين من أكبر الأساتذة فى بريطانيا، وشارك فى التصويت نحو 16 ألف ناخب من أعضاء الكلية المنتشرين فى كافة قارات العالم لمدة 5 أسابيع، خلال انتخابات ‏‏اتسمت بالشفافية تحت إشراف منظمة عالمية مستقلة، وأُعلنت النتيجة يوم الجمعة، وتلك المرة الأولى التى يختار الأعضاء رئيسا للكلية غير إنجليزى منذ 425 عاما.

صناعة مصرية

وكيف استقبل المجتمع الإنجليزى هذا الفوز لطبيب من أصول عربية؟

تملأ الابتسامة وجهه قبل أن يقول: الحمد لله، لم يتوقف هاتفى ولا حساباتى الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعى عن استقبال التهنئة من أطباء وشخصيات سياسية وجنسيات وديانات مختلفة، وهذا يجعلنى أشعر بالفخر، وتقديم الشكر لكل من كان سببا فى هذا الإنجاز، فهذا ليس نصرا شخصيا، لكنه نصر أيضا لشركائى فى النجاح من الفريق الطبى الذى يعمل معي، وأساتذتى وأسرتى فى مصر، وأساتذتى فى بريطانيا الذين تبنونى علميا، ويفخرون بأنى حققت هذا النجاح فى بريطانيا.

هذا التبنى العلمى لا يعطيهم الحق بالتأكيد أن يقولون أنك صناعة بريطانية...

 يضحك قبل أن يقول: أنا مزيج من أصالة مصرية مع إثقال وتجويد بريطاني.

وهل هناك فرق بين أن يقولوا أنك صناعة بريطانية أو أنهم تبنوك علميا؟

بنبرة حاسمة يقول: التبنى لا يغير من العرق، فأنا مصرى وأعتز بمصريتى وأشعر بالفخر والسعادة، أن تكون بلدى مرفوعة الرأس فى شخصي.

جميل أن تظل محتفظا بهذه المشاعر تجاه وطنك الأم، رغم أنك من المؤكد أصبحت بريطانيا الجنسية، وربما تكن قد تزوجت بريطانية أيضا...

حصلت على الجنسية البريطانية، لكن زوجتى فرنسية، وقد تقابلنا فى بريطانيا، ولى ابن وحيد اسمه «سامي» يبلغ من العمر 20 عاما، ورغم وجودى فى بريطانيا، منذ نحو أربعين عاما، فإن مصر، كما تقول لى زوجتى دوما، تعيش داخلي، حتى وإن كنت قد تركتها بجسدي.

من المؤكد أن نجلك سيسير على نفس درب أبيه فى العمل الطبي...

يضحك قبل أن يقول: من أين جئت بهذه الثقة فى أن نجلى يفضل المجال الطبي، بالقطع كأى أب، كنت أتمنى أن يصبح طبيبا، لكنه فضل مجال هندسة الطيران.

أشعر أن ضحكتك تخفى وراءها قصة...

يومئ بالموافقة قبل أن يقول: نعم هناك مفارقة غريبة، ففى أثناء زيارة الدكتور مجدى يعقوب لمنزلى بعد تكريمه من الكلية الملكية البريطانية فى عام 2018، دار بينه و نجلى سامى حوار، سأله خلاله الدكتور يعقوب عما إذا كان سيدرس الطب أم لا، فأخبره أنه يفضل دراسة هندسة الطيران أو العمل كطيار، فلم يفاجأ الرجل، بل طلب منى أن أقدم له النصيحة فقط، وأثق فى اختياراته، وعرفت منه لاحقا أن نجله، فضل أيضا العمل فى مجال الطيران، فكانت هذه مصادفة غريبة.

تجربة مجدى يعقوب

على ذكر دكتور مجدى يعقوب، هل يمكن أن تكرر تجربته مستقبلا وتعود إلى مصر وتبنى صرحا طبيا على أرضها؟

بنبرة متحمسة يقول: سأعيد عليك ما قالته زوجتي، فمصر تعيش بداخلي، وأحرص دوما على زيارتها مرة أو أثنتين فى العام، لأشارك خلال تلك الزيارات فى مؤتمرات علمية أو أجرى عمليات جراحية، وبخلاف هذه الزيارات، فأنا على تواصل دائم مع المجتمع العلمى بمصر عبر وسائل التواصل المختلفة التى أتاحتها لنا ثورة الاتصالات، ولا أحد يعلم المستقبل، فمصر فى النهاية هى بيتي، الذى أستطيع ان أعود له فى أى وقت، دون أن يسألنى أحد عن الأسباب.

رغم حبك الشديد والواضح لمصر، إلا أنى أشعر أنك تحمل أيضا حبا كبيرا لبريطانيا.. هل أنا محق فى ذلك؟

يحافظ على نبرته المتحمسة، وهو يقول: ليس من الانصاف، التغاضى عن الفرصة التى أتيحت لى فى بريطانيا، والتعليم والتدريب والخبرة العريضة التى حصلت عليها هناك، وهو ما أثمر فى النهاية عن انتخابى رئيسا للكلية الملكية للأطباء والجراحين فى جلاسكو ، كما أنى أحب نظام الرعاية الصحية القومى فى بريطانيا، لأنه يقوم على المساواة، فعندما يصلنى استدعاء من المستشفى للتعامل مع حالة طبية عاجلة، كل ما أسأله: ما عمرالمريض، ما هى حالة النبض لديه؟ وغيرها من الأسئلة الطبية، ولا يهمنى إن كان المريض فقيرا أو غنيا، عاملا أو مدرسا أو أستاذ جامعة، أوحتى وزيرا، فالكل يحصل على نفس الخدمة الصحية.

أشعر بقدر من المثالية المبالغ فيها، فهل يعقل معاملة الوزير طبيا نفس معاملة المواطن العادي؟

يبتسم قائلا: لا توجد أى مبالغة، واسمح لى ان أقص عليك قصة، ففى أوائل التسعينيات، وأثناء عملى بالمستشفى، دخلت حالة طارئة غرفة العمليات، وعرفت فيما بعد أنه ثالث أهم شخصية سياسية فى البلد، وفوجئت بعد الجراحة بوضعه فى غرفة بها ستة مرضى آخرين، فذهبت إلى المشرفة على توزيع المرضى على الغرف، طالبا منها نقله إلى غرفة منفردة تقديرا لوضعه السياسي، فما كان منها إلا أن قالت لي« وضعه السياسى لا يتدخل فى وضعه الإكلينيكي، فحالته مستقرة، وهناك من هو أحق منه طبيا بالغرفة المنفردة»، والمبهر أن الرجل نفسه، عندما ذهبت له معتذرا عن وضعه فى غرفة مع ستة مرضى آخرين، وجدته سعيدا بهذا الوضع، بل إنه قال لي: « لقد اتيحت لى الفرصة للاستماع إلى المواطنين، الذين اختارونى لهذا المنصب، وهذه فرصة عظيمة، كى أقترب منهم أكثر وأكثر، بشكل طبيعى وبعيدا عن أى بروتوكلات».

وأتمنى أن أرى هذه المساواة فى العلاج، كقيمة سائدة فى كل دول العالم، فالحق فى العلاج، هو حق أصيل من حقوق الإنسان، مثله مثل الحق فى الطعام والشراب.

حبان يتصارعان

أشعر بأن لديك حبين يتصارعان داخلك، أحدهما حب الوطن الأم، والثانى حب البلد التى تبنتك علميا ، وهذا يثير لدى تساؤل ربما يكون غريبا بعض الشيء، وهو: فى أيهما ستفضل أن يرقد جثمانك بعد الوفاة؟

توقعت أن يثير السؤال تحفظه، ولكن طمأنتنى ابتسامة عريضة ارتسمت على وجهه، قبل أن يقول: رغم أن السؤال شخصي، لكنى سأريحك، فنحن فى بريطانيا، يجب أن نكتب وصيتنا، وقد كتبت فى وصيتى أن يوارينى الثرى فى أرض مصر، وأن أدفن فى مدافن الأسرة هناك.

العمر الطويل لك إن شاء الله، فأنت قصة نجاح نتمنى تكرارها، ولكن هل ترى أن التعلم الطبى فى مصر يمكن أن يساعد على ذلك الآن؟

خرجت الإجابة من فمه سريعة قائلا: التعليم الطبى يحتاج دوما لتطوير، فإذا كان التعليم منذ عشرين عاما، هو نفسه الآن، فهذه مشكلة، ولكنى أرى من خلال زياراتى لمصر، والتواصل مع المجتمع الطبي، أنه أصبح الآن واعدا جدا لسببين، أحدهما، أن لدينا المادة الخام لصناعة طبيب ناجح، ويتمثل ذلك فى طلاب أذكياء وعدد كبير من المرضى وأساتذة أكفاء وحكومة تحاول تحسين المنظومة، والسبب الثاني، أن ثورة الاتصالات سهلت كثيرا من مهمة الإطلاع، فبينما كنا ننتظر ستة أسابيع حتى تصل أحدث الأبحاث لعدد محدود من المكتبات الطبية، أصبحت الأبحاث تتاح على الإنترنت بدون أى جهد يمكن أن يبذله الطالب.

رغم أن ثورة الاتصالات سهلت كثيرا من مهمة التعليم الطبي، إلا أنها لم تقض على هجرة الأطباء بغرض التعلم والتدريب.. أليس كذلك؟

التعليم والتدريب أحد أسباب الهجرة، وكان ذلك السبب الرئيسى لهجرتى فى الثمانينيات، ولكن السبب الرئيسى للهجرة حاليا، هو أسباب قد تكون اقتصادية، وبالمناسبة هذه ليست مشكلة مصرية فقط، لكنها توجد فى بريطانيا أيضا، فمعظم الأطباء الذين يهاجرون لأمريكا وأستراليا، يكون السبب سعيا نحو دخل مادى أفضل، والبعض يهاجر لأسباب لها علاقة بالطقس، حيث يرون أن الشمس تكون أكثر إشراقا هناك.. والحل فى الحالة المصرية لوقف نزيف هجرة العقول، هو تحسين وضع الأطباء ماديا، وعندما نفعل ذلك، ونضمن لهم وضعا ماديا مناسبا، يمكننا وضع ضوابط لتقنين هجرتهم.

لايمكن بالطبع إنهاء الحوار دون الحديث عن أبرز الأبحاث العلمية التى تحمل اسمك، وتعتز بها كثيرا؟

من أبرز الأبحاث، بحث عن فتح الشرايين التاجية فى الأزمة القلبية الحادة، والبحث عن مذيبات الجلطات وحقنها داخل الوعاء الدموى أثناء الجلطات الدموية، كان هذا البحث الأخير، هو رسالة ماجستير نظرية أعددتها فى مصر قبل السفر لبريطانيا، ثم أجرينا تجارب عملية على هذه الطريقة.

هل تحب أن تقول شيئا فى ختام الحوار؟

تظهر مسحة من الحزن على وجهه وهو يقول: أتمنى أن ينتصر الحق والعدل والإنسانية على السياسة والحرب ، ليس فى قطاع غزة فقط، ولكن فى كل بقاع العالم المضطربة، وأثق أن ذلك سيحدث إن شاء الله إن آجلا أو عاجلا، لأنه « لا يصح فى النهاية إلا الصحيح »، وأحب ان أحيى من خلالكم الدور الإنسانى الذى تلعبه مصر فى رعاية جرحى غزة، وأثق أنه عندما تكون الظروف مواتية، ستبذل مصر المزيد من الجهد فى الإغاثة.

وهل إذا تمت دعوتك من وزارة الصحة لعلاج مرضى غزة بمستشفيات مصر تقبل الدعوة؟

منهجى هو علاج المرضى فى أى مكان فى العالم دون النظر إلى جنسية أو عرق أو لون أو ديانة، وبالطبع إذا تم توجيه الدعوة، فأنا تحت أمر مصر.