عاجل جداً

تجديد الخطاب «العلمى»

غادة زين العابدين
غادة زين العابدين

بعد أن عاش «فوسيت» بقلب خنزير أكثر من 40 يوما ، توفى منذ أيام قليلة ،ليصبح ثانى مريض فى العالم يعيش بقلب خنزير، بعد وفاة أول مريض فى مارس 2022.

الجانب الذى يبعث الأمل فى هذه التجربة، هو تأكيد الأطباء انهم لن ييأسوا، وسيعاودون المحاولة، بعد دراسة أسباب ما حدث بدقة ، ولن يتوقفوا حتى يصلوا للتعديل الوراثى المثالى لقلب الخنزير بما يضمن استمرار نجاح الجراحة وعدم رفض الجسم للقلب المزروع.

لم يتعرض المركز الطبى بجامعة ميريلاند الأمريكية( صاحب التجربة) ، للهجوم الجماهيرى بعد وفاة المريضين، لم يتهمه أحد بإجراء تجارب على البشر ، لم يحكم عليه الناس بفشل التجربة والتقصير فى حق المريض، بل هناك تشجيع ومساندة شعبية لإعادة التجربة حتى يكتمل نجاحها.

فهذه هى طبيعة البحث العلمى، محاولات وتجارب ، يبدأها علماء ويستكملها علماء آخرون ليضيفوا اليها ويحسنوا نتائجها، فكل باحث يبنى على ما انتهى إليه من سبقه، ويستفيد من تجاربهم، لتجنب الأخطاء التى وقعوا فيها، وتحديد آليات مختلفة للتغلب عليها عند مواجهتها.

ولو تتبعنا تاريخ جراحات زرع القلب، فسنجد أول جراحة أجريت عام 1967، وعاش المريض بعدها 18 يوما فقط، بينما جراحات زرع القلب حاليا تنقذ آلاف الأرواح، وفى عام 2019 احتفل مريض زرع قلب، بعيد ميلاده الـ 90، بعد 35 سنة من عملية زراعة قلب أجراها له الدكتور مجدى يعقوب عام 1984.

نحن فى مصر فى حاجة شديدة لتجديد الخطاب فى مجال البحث العلمى، والإيمان به شعبيا بكل خطواته ومراحله، «مينفعش نقبل التجارب المعملية ونرفض السريرية»، طالما التزمت بشروط وقيود وأخلاقيات البحث العلمى ، وتمت بموافقة المريض وأهله.

فالبحث العلمى ليس معملا وفئران تجارب فقط، بل لابد أن يحمل فى مراحله المتقدمة ، تجارب سريرية على البشر وأكررها مرة أخرى- طالما التزمت بمعايير وأخلاقيات البحث العلمى، ولدينا بالفعل قانون ينظم هذه المعايير، ومؤسسات تشرف وتراقب.

وفى هذه القضية قال لى د. حسن خالد أستاذ القلب بقصر العينى ، أن الصحافة والميديا بكل أشكالها عليها دور كبير فى توعية الناس ، فظهور مضاعفات للتجربة فى بدايتها، أمر طبيعى ، ولا ينبغى أن يترتب عليه توقفها نهائيا ، إلا إذا ثبت عدم جدواها بالفعل ، أو ثبت أن مخاطرها على الإنسان أكثر من فوائدها ،ولكن الأمر الطبيعى أن تتم دراسة المضاعفات وأسبابها، وتتم إعادة المحاولة ، خاصة فى الحالات الميئوس منها، فهذا هو السبيل الوحيد لتطوير البحوث والتجارب سواء فى مجال الدواء او الجراحات أو كل أشكال العلاجات الحديثة كالعلاج الجينى مثلا ، وهذا بالفعل ما يحدث فى كل العالم.

منذ حوالى عام، بادرت جامعة عين شمس بقيادة د. محمود المتينى وقتها، بإجراء أول جراحة زرع رئة ، ومن الناحية الجراحية ، نجحت الجراحة ، وعاشت المريضة بعدها عدة أسابيع، ثم توفيت، بعد لفظ الجسم للرئة ، وهو أمر يحدث فى نسبة 30٪ من الحالات عالميا .ولدى مستشفى عين شمس وغيرها قائمة من المرضى لا أمل لهم إلا زرع رئة بديلة، وأتمنى أن يواصل أطباء عين شمس برنامج زراعة الرئة، حتى تصبح زراعة الرئة فى مصر مثل زراعة الكلى والكبد .

نحن فى حاجة لتطوير رؤيتنا للبحث العلمى عامة ، فلدينا بالفعل مؤسسات بحثية قوية، مثل المركز القومى للبحوث ومستشفى 57357 وجامعة زويل وغيرها، ولديهم باحثون يقدمون أبحاثا مهمة تنشر فى أكبر المجلات العلمية ، بعضهم ترك أمريكا وأوروبا وجاء ليواصل أبحاثه بمصر وسط أهله بعد أن أصبح لدينا مراكز بحثية مجهزة مثل الخارج تماما ، لكننا لايزال ينقصنا الوعى الجماهيرى تجاه البحث العلمى المتكامل بكل خطواته ومراحله بما فيها مراحل التجارب السريرية، فلابد أن تكون لمصر أبحاثها التى ترتبط بطبيعة شعبنا وجيناته، وطبيعة الأمراض المنتشرة لدينا ، وخاصة بعد أن أصبح لدينا مؤسسات مجهزة بأحدث الأجهزة ، وباحثون مؤهلون على أرقى مستوى، وننتظر منهم الكثير.