حاتم نعام يكتب: تاريخ اليهود وملة أبيهم 

حاتم نعام
حاتم نعام

مازالت المجاز الإسرائيلية متواصلة تجاه غزة ومازال  قصف التجمعات السكنية فوق رؤوس ساكنيها متواصل ، أعمال إجرامية غاشمة ومحرقة متواصلة لإبادة الشعب الفلسطيني،  دفعنا ذلك لأن نبحث عن أصل تلك الجماعة اليهودية في التاريخ وما هي التسميات التي تطلق عليهم؟ هل هم عبرانيون أم إسرائيليون ام يهود ؟ وإلى أي حقبة زمنية يمتد تاريخ تلك الجماعة ؟ وما هو تسلسلها الزمني ؟ ما أصلهم وما قصتهم؟ 


في البداية نقف هنا لنحدد معنى كلمة «عبري» والتي  تعد أقدم التسميات التي اطلقت على الجماعات اليهودية فيقال « عبراني» أو «عبرانيون» التي مدلولات عديدة ، وبعض الآراء المطروحة ذهبت أن كلمة «عبري» مشتقة  من «العبور» تحديدا من عبارة عبر النهر، فجاء في التكوين "فهرب هو وكل ما كان له وقام وعبر النهر وجعل وجهه نحو جبل جلعاد" « تكوين 31/21» 

ويرى البعض أنه حين يقول الساميون« عبر النهر» دون ذكر اسم هذا النهر، فإنهم يعنون نهر الفرات، والإشارة هنا إلى عبور يعقوب نهر الفرات هارباً من أصهاره. وعن قصة يعقوب مع خاله وصهره" لابان" وعبور نهر الفرات قصة طويلة فارقه في تاريخ الجماعة اليهودية نتاولها في حلقة خاصة.

ونعود مرة أخرى إلى "عبراني"  حيث يرى البعض أن عبور النهر هو أساس اسم العبرانيين، حين ينتسبون إلى من قام بهذا العبور ، أي يعقوب الذي سمي فيما بعد  «يسرائيل».


ويظهر هذا الاستعمال أيضا في العلاقة بين «عبري» و«عابر» وعابر  هو حفيد سام ابن نوح« سفر التكوين» الذي ينتسب إليه مجموعة كبيرة من الأنساب.


لكن أول شخص يشار إليه بأنه عبري هو ابراهيم كما ورد في « سفر التكوين 14، 13» وفي ذلك  اشارة تدل على الوضع الاجتماعي باعتباره غريبا أو اجنبيا ليست له أيه حقوق، والمقصود هنا هو سيدنا ابراهيم ، وتشير كلمة عبري في التوراة إلى العبرانيين أيضًا باعتبارهم غرباء، والعبري غريب في منزلة الخادم، تخيل يا مؤمن العبري غريب في منزلة الخدم .


ويدل هذا على ان كلمة عبري هنا تشير إلى غير اليهودي في حكم التوراة. ويظهر هذا في الاحكام الخاصة بشراء عبد عبري« سفر الخروج21/2»


وهناك رأي آخر يذهب إلى أن العبرانيين كانوا غرباء في مصر مدة طويلة وبالتالي ارتبط الاسم بهم، ولذلك كانت هناك أشارات إلى يوسف عليه السلام انه غلام عبراني« سفر التكوين 14/12» أو رجل عببراني.


وأحيانا تأتي كلمة عبري مرادفة لكلمة يهودي على ما جاء في سفرإرميا 34/9« ان يطلق كل واحد عبده وكل واحد أمته، العبراني والعبرانية، حرين حتى لا يستعبدهما أي أخوية اليهوديين « أحد»


كما كانت هذه الكلمة مرادفة لكلمة « يسرائيلي» سفر الخروج 9/1-4» هكذا يقول الرب إله العبرانيين،  ويفضل بعض الصهاينة العلمانيين ان يستخدموا كلمة عبري أو عبراني على استخدام كلمة يهودي أو يسرائيلي باعتبار أن المصطلح عبري يؤكد الجانب العرقي على حساب الجانب الديني.اما كلمة يسرائيل هي كلمة عبرية قديمة غامضة المعنى ويمكن تقسيما إلى« يسرا» أي الذي يحارب أو يصارع و«إيل»  وهو الأصل السامي لكلمة" إله"  والكلمة تعني حرفيا "الذي يصارع الآله".


وقد اكتسب يعقوب هذا الاسم بعد أن صارع الإله في حادثة غامضة.  فبقى يعقوب وحده  وصارعه إنسان حتى طلوع الفجر ولما رأى أنه لا يقدر عليه ضرب حق فخده فانخلع حق فخد يعقوب في مصارعته معه وقال أطلقني لأنه قد طلع الفجر فقال لا أطلقك إن لم تباركني فقال ما أسمك ؟ فقال يعقوب ، فقال لا يدعى اسمك فيما بعد يعقوب بل يسرائيل لأنك جاهدت مع الإله والناس وقدرت. وذلك على قولهم في التوراة
أما كلمة يهودي قد ظهرت بعد الكلمتين " عبراني" و " يسرائيل" أو عضو جماعة يسرائيل ، وكانت تشير إلى الشخص الذي يعتنق اليهودية ، و " يهودي " كلمة عبرية مشتقة من " يهودا" وهو اسم أحد أبناء يعقوب والذي سميت به إحدى قبائل العبرانيين ال12.

وهذا الاسم مشتق من الأصل السامي القديم " ودي " التي تفيد الاعتراف والإقرار والجزاء مثل كلمة " دية " عند العرب ، وقد استوحت " ليا " أو " ليئة" زوجة يعقوب اسم ابنها الرابع من هذا المعنى " هذه المرة أحمد الرب لذلك دعت اسمه يهوذا " " تكوين 29/35" 

فكلمة "يهوه" تعني الرب، وكلمة " دي" تعني الشكر ومنها يهودي.

وهذه الكلمة كانت لها دلالة جغرافية تاريخية،  ففي بادئ الأمر  كانت تشير إلى سكان المملكة الجنوبية " يهودا"  ولكن دلالتها اتسعت لتشمل اليهود كافة وأصبحت كلمة يهودي علما على كل من يعتنق اليهودية في أي زمان ومكان بغض النظر عن الانتماءات العرقية اوالجغرافية .

 

بعد أن تناولنا أقدم التسميات التي أطلقت على الجماعات اليهودية وعرضنا الآراء التي ذهبت إلى أن أقدم هذه التسميات كانت كلمة "عبري" وظهرت بعدها كلمة "يسرائيل"، التي كانت تشير إلى الشخص الذي يعتنق اليهودية، وكلمة "يهودي" عبرية مشتقة من "يهوذا"، وهو أحد أبناء يعقوب والذي سميت به إحدى قبائل العبرانية، ولكي نعرف أصل كلمة "يهودي" نعود إلى الوراء قليلا لنلقي نظرة على الأصل الذي اشتقت منه كلمة "يهودي" وعلى جوانبها التاريخية.

 

البداية نقف عند نسب إسحاق بن إبراهيم بن سام بن نوح عليهم جميعًا السلام ، فقد ولد بعد أخيه إسماعيل بــ14  سنة، وكان عمر أبيه إبراهيم 100 سنة، وكان عمر أمه سارة حين بشرت به 90 سنة.. قال الله تعالى " وبشرناه بإسحاق نبيًا من الصالحين" ، وذكر أهل الكتاب أن إسحاق تزوج "رفقا بنت ثبوائيل " وكانت عاقرا فلما دعا الله لها حملت فولدت غلامين توأمين أولهما "العيص" كما تسميه العرب ، والثاني يعقوب، وسمي يعقوب لأنه الولد الثاني خرج وهو يعقب أخيه.


إسحاق كان يحب العيص، أكثر من يعقوب لأنه البِكر، بينما كانت "رفقا" تحب يعقوب لأنه الصغير، ولما تقدم إسحاق في العمر ضعف بصره واشتهى على ابنه "العيص" طعاما، ولمهارة العيص في الصيد، أمره أن يذهب فيصطاد له صيدا ويطبخه له ليبارك عليه ويدعو له،  فذهب يبتغي ذلك ، هنا أمرت رفقا ابنها يعقوب أن يذبح لأبيه من خيار غنمه "جديين" ، ويأتي إليه قبل أخيه ليدعوا له وقامت فألبسته من جلد الجديين لأن العيص كان أشعر الجسد ويعقوب ليس كذلك.


فلما جاء يعقوب والده وقرب إليه الطعام، قال من أنت؟ قال ولدك، فضمه إليه وجسه، وقال : أما الصوت فصوت يعقوب ، وأما الجس والثياب فالعيص، فلما أكل طعامه وفرغ دعا له أن يكون أكبر إخوته قدرا، وكلمته عليهم، وعلى الشعوب بعده، وأن يكثر رزقه وولده،  فلما جاء العيص من الصيد وبما أمره به والده يقربه إليه، فقال له إسحاق: ما هذا يا بني ؟

قال : هذا الطعام الذي اشتهيته، فقال : أما جئتني به قبل الساعة وأكلت منه ودعوت لك،  فقال لا والله ، وعرف أن أخاه قد سبقه إلى ذلك ، وذكروا أنه توعد أخاه بالقتل إذا مات أبوهما، فلما سمعت أمهما ما يتوعد به العيص أخاه، أمرت يعقوب أن يذهب إلى أخيها " لابان" بأرض "حاران" ويقال "حران" وهي تقع جنوب الأناضول ، وأن يكون عنده إلى حين يسكت غضبه أخيه عليه، وأن يتزوج إحدى بنات خاله .

 

وقالت لزوجها إسحاق أن يأمر يعقوب بذلك ويدعوا له ، ففعل يعقوب وخرج آخر ذلك اليوم فأدركه المساء في موضع فنام فيه، ووضع حجرا تحت رأسه ، ورأى في نومه معراجا منصوبا من السماء إلى الأرض والملائكة يصعدون فيه وينزلون ، والرب يخاطبه " سفر التكوين" ويقول له : إني سأبارك عليك وأكثر ذريتك، وأجعل لك هذه الأرض من بعدك ، فلما هب من نومه فرح بما رأى ونذر لله لئن رجع إلى أهله سالما ليبنين في هذا الموضع معبدا لله ، وأن جميع ما يرزقه من شيء يكون لله عشره، ثم عمد إلى ذلك الحجر فجعل عليه دهنا يتعرف به ، وسمى ذلك الموضع "بيت إيل " أي بيت الله ، وهذا سبب تمسك إسرائيل بارض فلسطين ، لأن هذا الحجر هو موضع بيت المقدس اليوم والذي بناه يعقوب بعد ذلك. على حد زعمهم.


ولنعود مرة أخرى إلى رحلة يعقوب الى خاله لابان الذي قدم علينه أرض حران ، وكان له بنتان، الكبرى " ليا" والصغرى" راحيل" فخطب يعقوب الصغرى لحسنها وجمالها ، فأجابه خاله إلى ذلك بشرط أن يرعى على غنمه 7 سنين ، فلما مضت زف إليه الأبنة الكبرى " ليا" وكانت ضعيفة العينين دميمة المنظر فلما أصبح يعقوب إذا هي " ليا" لأن العروس كانت ترتدي البرقع في زفافها الذي يحجب رؤيتها ، فقال لخاله لم غدرت بي؟ فقال ليس من سنتنا أن تزوج الصغرى قبل الكبرى ، فإن احببت رحيل فاعمل 7 سنين أخرى وأزوجكما ، فعمل 7 سنين وأدخلها عليه مع أختها .

 

وكان ذلك جائزا في ملتهم وشائعا ثم نسخ في شريعة التوراة، ووهب لابان لكل واحدة من بناته جارية " ليا" وهبها "زلفا" ، و"راحيل" وهبها " بلها"،  وعوض الله ليا عن ضعف عينيها اولادا وكانت أول من ولدت ليعقوب، روبيل ، ثم شمعون، ثم لاوي، ثم يهوذا، ونقف هنا عند يهوذا ، فقد ذهبت بعض الآراء أن سميت اليهودية كذلك نسبة إلى يهودا ، وقد قلبت العرب الذال دالا، وهذا الاسم مشتق من الأصل السامي القديم " ودي " التي تفيد الاعتراف والإقرار والجزاء مثل كلمة " دية " عند العرب ، وقد استوحت " ليا " أو " ليئة" زوجة يعقوب اسم ابنها الرابع من هذا المعنى " هذه المرة أحمد الرب لذلك دعت اسمه يهوذا " " تكوين 29/35"  فكلمة "يهوه" تعني الرب، وكلمة " دي" تعني الشكر ومنها يهودي.


بينما ذهبت آراء أخرى أن تسمية اليهودية نسبة إلى "الهود" وهو التوبة والرجوع لقول موسى لربه " إنا هدنا إليك" من خلال بعض ما تقدم و خلال متابعة التسلسل الزمني لتلك الجماعة نجد أن ترحالهم الذي لا يعرف السكون والشتات وفقدان الاتجاه، أصبح جزءا من النسيج التكويني للشخصة اليهودية خاصة العنف، كما أن  اعاءاتهم القائمة على أساطير كحق امتلاك أرض كنعان، مستندين على نصوص التوراة المتداول بين أيديهم والذي يستند على العهد والميثاق، حيث قدم الرواة التوراتيون قراءة كأنها عهود مقطوعة مثل: « وفي ذلك بت الرب مع إبرام عهدًا قائلا: لنسلك أعطي هذه الأرض من« مصر إلى النهر الكبير» « التكوين 15/18
كذلك استنادهم على  الوعد الأبدي الذي هو فوق التاريخ بأن «جميع الأرض التي أنت ترى لك أعطيها ولنسلك إلى الأبد». فكلها إدعاءات تستند إلى الأساطير.