احتفاءً بالعيد الوطني يوم الثامن عشر من نوفمبر..

سلطنة عُمان مركز إقليمي ودولي في مشروعات الطاقة المتجددة والنظيفة والهيدروجين الأخضر وتدشين أكبر محطة طاقة شمسية متكاملة لتحلية المياه في ولاية| صور

السلطان هيثم بن طارق
السلطان هيثم بن طارق

- الطاقة الخضراء والنظيفة أحد أهم الأولويات في الرؤية المستقبلية عُمان 2040

- سلطنة عُمان واحدة من أكبر مصدّري الهيدروجين على مستوى العالم عام 2030

تستعد سلطنة عُمان هذه الأيام للاحتفاء بالعيد الوطني المجيد يوم الثامن عشر من نوفمبر، تحت القيادة السياسية الحكيمة السلطان هيثم بن طارق، سلطان عُمان، بكثير من العزيمة والإصرار للمضي نحو المستقبل بخطى أكثر ثباتا وبمشاريع نوعية قادرة على إحداث التغيير في مختلف المجالات بما يعظم مكانة عُمان في منطقة تشهد تنافسية كبيرة في بناء مشاريع المستقبل، وتستند طموحات سلطنة عُمان على أرض صلبة من الإنجازات التي تحققت خلال العقود الماضية وعلى رؤية حكيمة وواضحة لطموحات العُمانيين لوطنهم.

التحول من الأفكار إلى المشاريع

اعتادت سلطنة عُمان أن يكون شهر نوفمبر من كل عام محطة تُراجع فيها المسيرة الظافرة وتتزود بالطاقة للمضي في طريق البناء والتعمير للعبور نحو المستقبل، وتجسيداً لتلك الروح والعزيمة والإصرار، بدأت جهود سلطنة عُمان في التحول من الطاقة الأحفورية إلى الطاقة الخضراء تنتقل من أفكار إلى مشاريع على أرض الواقع تسهم في إحداث تحول حقيقي في موضوع الانبعاثات الكربونية التي تسعى سلطنة عمان للوصول فيها إلى الحياد الصفري عام 2050.

وافتتحت سلطنة عمان في الأسبوع الأول من نوفمبر الجاري، أكبر محطة طاقة شمسية متكاملة لتحلية المياه في ولاية صور. وتبرز أهمية هذا المشروع في أنه يؤكد جدية سلطنة عمان وجهودها للوصول إلى الحياد الصفري والتحول إلى الطاقة الخضراء ليس عبر مشاريع استثمارية لتصدير منتجاتها إلى الخارج فقط ولكن أيضا في إحداث تحول حقيقي في الداخل.

ومنذ سنوات كانت هناك توجهات لاستغلال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في إنتاج الكهرباء على اعتبار الطاقة الشمسية متجددة لا يمكن أن تنفد علاوة على أنها نظيفة. وتتجاوز قدرة المحطة التي تم افتتاحها 32 ألف ميجاواط سنويا وتغطية احتياج محطة التحلية بنسبة 100%. وتسهم محطة التحلية في توفير المياه المصفاة إلى حوالي 600 ألف من سكان محافظتي جنوب وشمال الشرقية.

يسهم المشروع في خفض الانبعاثات بكمية 27.2 ألف طن، ولا شك أن هذه النسبة مهمة في طريق طويل من العمل، كما أن المشروع نفسه مهم جدا في سياق الطريق نفسه. ورغم أن الانبعاثات التي تخرج من المصانع في سلطنة عُمان لا تذكر أمام انبعاثات مناطق أخرى في العالم مثل: أوروبا والصين وكوريا إلا أن جدية سلطنة عمان تنبع في المقام الأول من التزامها الأخلاقي بالوصول إلى الحياد الصفري.

الطاقة الخضراء أحد أهم أولويات رؤية عُمان 2040

ويعد قطاع الطاقة الخضراء والنظيفة أحد أهم الأولويات في الرؤية المستقبلية 2040، وتستثمر سلطنة عُمان في اقتصاد الهيدروجين بقيمة تفوق ٣٠ مليار دولار أمريكي، ساعية في أن تكون واحدة من أكبر المنتجين والمصدرين على مستوى العالم بحلول عام ٢٠٣٠، وذلك ضمن مساعيها لتحقيق الحياد الكربوني بحلول منتصف القرن، بالإضافة إلى خفض اعتماد اقتصادها على عوائد النفط والغاز، التي تمثّل حصة كبيرة من إيراداتها.

وقد خصصت سلطنة عمان مساحة تتجاوز 50 ألف كيلومتر مربع في محافظتي الوسطى وظفار، لمشروعات الهيدروجين الأخضر، على أن تُطرح على عدّة مراحل، بالإضافة إلى 15 ألف كيلومتر في المحافظات الأخرى لمشروعات الطاقة النظيفة.

السلطان هيثم بن طارق

وتهدف عُمان إلى إنتاج ما يزيد عن مليون طن من الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2030، وذلك وصولًا إلى استغلال نحو 30% من الأراضي المخصصة في الوقت الحالي، بحلول عام 2050، لإنتاج نحو 8 ملايين طن، بقيمة استثمارية تبلغ 140 مليار دولار، بهدف أن تصبح في مقدمة أكبر مصدّري الهيدروجين.

خطوات جادة تعزز مكانة عُمان على الصعيدين الإقليمي والدولي

وكانت سلطنة عمان قد اتخذت خلال المدة الماضية خطوات عدّة، للتفاعل مع قضايا المناخ والطاقة، ضمن الركب العالمي، منها إعلان التزامها بتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، إضافة إلى إعلانها ملامح إستراتيجيتها الخاصة بإنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر.

وأكد خبراء ومختصون في مجال الهيدروجين الأخضر أن سلطنة عمان اتخذت خطوات جادة في قطاع الهيدروجين الأخضر، وتمضي بثبات نحو تحقيق أهدافها في تعزيز استدامة اقتصادها والمساهمة في تحقيق التوازن بين تطلعات النمو وحماية البيئة، مشيرين إلى أن عملية تحويل شبكة الغاز الطبيعي إلى شبكة لنقل الهيدروجين النقي ستتطلب تعديلات هيكلية جوهرية، لتحقيق الاستفادة القصوى من هذا المصدر النظيف للطاقة.

وقالوا أن انتقال الاقتصاد نحو مستقبل يعتمد على الهيدروجين الأخضر يمكن أن يحمل فوائد جوهرية، يشمل ذلك تعزيز الاستقلال الطاقي، تنويع الاقتصاد الوطني، وتعزيز استقرار شبكات الكهرباء. بالإضافة إلى ذلك، يلعب الهيدروجين الأخضر دورًا حيويًا في تعزيز مكانة سلطنة عمان على الصعيدين الإقليمي والدولي كمركز عالمي في سوق الهيدروجين الأخضر.

عُمان تفي بالالتزامات والمتطلبات الدولية في التغير المناخي

وتمضي سلطنة عُمان قدما للوفاء بالالتزامات والمتطلبات الدولية لاتفاقية باريس للتغيّر المناخي، حرصًا على حماية البيئة وصون الموارد الطبيعية، للوصول إلى مرحلة الاستدامة للحد من آثار التغير المناخي، باعتبارها من الدول الرائدة التي أولت اهتماما بالغا ومبكرًا لصون البيئة،حيث عملت على تنفيذ مبادرات ومشاريع في خفض الانبعاثات في مجال تأهيل التنوع الحيوي والغطاء النباتي والاقتصاد الأخضر والدائري، والتكيّف مع المتغيرات المناخية.

ومنذ اعتماد سلطنة عُمان الاستراتيجية الوطنية للانتقال المنظّم للحياد الصفري في ٢٠٢٢، وإعلان عام ٢٠٥٠ للحياد الصفري على المستوى الوطني، يعمل الفريق الوطني للحياد الصفري على بناء خطط بالشراكة مع قطاعات الطاقة بشقيه: النفط والغاز والكهرباء، والمدن والمباني، والنقل، والصناعة، لتحديد المشروعات الرئيسة والمبادرات والإجراءات الضرورية لتمكينها من الوصول إلى الالتزام الوطني لخفض الانبعاثات بحلول ٢٠٣٠ وصولا إلى العام المعتمد "٢٠٥٠".

ومن المقرر أن تسلم سلطنة عُمان تقريرها للأداء البيئي، إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة في خلال نوفمبر الحالي، وذلك لإبراز كافة الجهود البيئية في خفض الانبعاثات والتكيّف المناخي أو تنمية التنوع الحيوي بشقيه البري والبحري والغطاء النباتي، إضافة إلى إجراءاتها ومبادراتها في محور الاقتصاد الأخضر والدائري، وكانت عُمان قد سلمت التحديث الثالث لتقرير المساهمة المحددة في خفض الانبعاثات إلى المنظمة الدولية للشؤون المناخية في أكتوبر الماضي، إذ إن هذا التقرير يعكس الالتزام بما ورد في الاستراتيجية الوطنية للانتقال المنظَّم للحياد الصفري، التي تحدد خفض نسبة ٢١ بالمائة من الانبعاثات بحلول عام ٢٠٣٠.

"هايبورت الدقم" آفاق واعدة لاستقطاب الاستثمارات في قطاع الطاقة النظيفة

وتعتبر المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم منطقة واعدة لاستقطاب الاستثمارات في قطاع الطاقة النظيفة والصناعات الخضراء وتشهد حاليا تنفيذ عدد من المشروعات في هذا المجال وهو ما يؤهلها لاستقطاب مشروعات جديدة خاصة عندما يطلع المشاركون في المنتدى على إمكانيات الدقم في مجال طاقة الشمس وطاقة الرياح وتوفر الأراضي التي يمكنها استيعاب مشروعات في هذا القطاع.

وقد أكد مركز أبحاث الطاقة المستدامة بجامعة السلطان قابوس، أن سلطنة عُمان تمتلك الموارد الأساسية لتصبح منتجا ومصدرا رئيسا للهيدروجين الأخضر، الأمر الذي سيسهم في تعزيز الاقتصاد وتقليل البصمة الكربونية وتوفير فرص العمل إضافة إلى إمكانية وصول ملحوظة إلى الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والبحر والموقع الاستراتيجي الذي يتيح لها الولوج بسهولة إلى الأسواق العالمية.

وأوضح المركز، أن سلطنة عُمان تلتزم بتطوير قطاع الهيدروجين الأخضر، وحددت الحكومة هدفا يتمثل في إنتاج مليون طن من الهيدروجين الأخضر سنويًّا بحلول عام 2030، وتعمل أيضا على تطوير إطار تنظيمي لقطاع الهيدروجين الأخضر وجذب الاستثمارات من الشركات الأجنبية والمحلية، حيث تستثمر عدد من الشركات العالمية في مشروعات هذا القطاع من بينها "هايبورت الدقم" وهو اتحاد من الشركات العالمية التي تعمل على تطوير منشأة لإنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا في الدقم ومن المتوقع أن تنتج 200 ألف طن من الهيدروجين الأخضر سنويًّا عند اكتمالها في عام 2025.

وتضمن سياسات سلطنة عُمان للوصول إلى الحياد الصفري الكربوني 2050، الحفاظ على البيئة وتخفيف الانبعاثات الغازية، وتأتي مشاركة سلطنة عُمان خلال الفترة من 30 نوفمبر الجاري إلى 12 ديسمبر المقبل في أعمال القمة العالمية للعمل المناخي والدورة الـ 28 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ وبروتوكول "كيوتو" و"اتفاق باريس" بشأن تغير المناخ، التي تستضيفها مدينة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، في إطار مواصلة تعزيز الجهود لتنفيذ استراتيجية عُمان للتحول للطاقة.

تطوير الهيدروجين الأزرق والحلول الواعدة لتقليل الانبعاثات الكربونية

وفي ذات السياق، وقّعت وزارة الطاقة والمعادن بمسقط على مذكرة تعاون في مجال التقاط الكربون واستخدامه وتخزينه وتطوير الهيدروجين الأزرق في سلطنة عُمان مع كل من شركة تنمية نفط عُمان، و"شل عُمان"، وأوكيو لشبكات الغاز، وأوكسيدنتال؛ لتكوين بيت خبرة يسهم في تطوير الإطار التنظيمي والاستراتيجي في هذا المجال.

ويأتي توقيع هذه المذكرة ضمن المبادرات التي تقودها الحكومة لتوظيف تقنيات التقاط الكربون وإنتاج الهيدروجين الأزرق في تحقيق مستهدفات استراتيجية سلطنة عُمان للتحول في الطاقة، والإعلان عن التزام سلطنة عُمان بتحقيق الحياد الصفري الكربوني بحلول عام 2050.

وتعد تكنولوجيا التقاط الكربون واستخدامه وتخزينه من الحلول الواعدة لتقليل الانبعاثات الكربونية والوصول للحياد الصفري الكربوني خاصةً في قطاعات إنتاج النفط والغاز والصناعات ومحطات توليد الكهرباء المعتمدة على الوقود الأحفوري.

وأشارت الاستراتيجية الوطنية لسلطنة عُمان للانتقال المنظم إلى الحياد الصفري -إحدى مخرجات مختبر إدارة الكربون في أكتوبر عام 2022م- إلى أن التقاط الكربون واستخدامه وتخزينه سيسهم بما يقارب 15 بالمائة من خفض إجمالي الانبعاثات المحلية في سبيل الوصول إلى الحياد الصفري في سلطنة عُمان بحلول عام 2050.

بيت خبرة متخصص من أجل عمل تقييم "تكنو- اقتصادي"

ويمثل هذا التوقيع استكمالًا للجهود المبذولة لإيجاد حلول عملية للحد من الانبعاثات الكربونية وتمكين المبادرات والمشروعات المستقبلية المرتبطة بمجال التقاط الكربون وإنتاج الهيدروجين الأزرق من خلال تكوين بيت خبرة متخصص من أجل عمل تقييم "تكنو- اقتصادي" شامل في سلطنة عُمان، والإسهام في تطوير الإطار التنظيمي والاستراتيجيات اللازمة للنهوض بهذا القطاع، وسيجمع بيت الخبرة فريقًا أساسيًّا يعمل مع وزارة الطاقة والمعادن، إضافة إلى عدد من الشركاء أصحاب الخبرة الواسعة في مجال الطاقة والتقاط الكربون واستخدامه وتخزينه وتطوير الهيدروجين الأزرق، وسيتم تكوين مسارات عمل لتطوير جوانب تقنية وتنظيمية محددة من مراحل سلسلة القيمة المرتبطة بهذا المجال بمشاركة عدد من الجهات من القطاعين العام والخاص والقطاع الأكاديمي والمؤسسات الاستثمارية والبحثية ذات الخبرة.

حجز الكربون واستخدامه وتخزينه في سلطنة عُمان

ومن جانب آخر، وقعت شركة "أوكسيدنتال عُمان" وشركة أوكيو لشبكات الغاز على مذكرة تفاهم؛ بهدف إجراء دراسة مشتركة حول المشروعات المحتملة لحجز الكربون واستخدامه وتخزينه في سلطنة عُمان بالتنسيق مع مشروعات الاستخلاص المعزز للنفط التي تنفّذها أوكسي عُمان في منشآتها الإنتاجية بسلطنة عُمان. ووفقًا لهذه المذكرة، اتفق الجانبان على تبادل المعلومات والخبرات الفنية ذات الصلة بوضع الاستراتيجيات التي تضمن تعميم مشروعات حجز الكربون واستخدامه وعزله في سلطنة عُمان بما يتماشى مع التوجه الاستراتيجي الوطني، بما في ذلك حجز الكربون ونقله إلى المنشآت الإنتاجية لأوكسي عُمان لأغراض الاستخلاص المعزز للنفط، وتقديم الدعم اللازم من أجل وضع السياسات والإجراءات لدى الجهات الحكومية المعنية.

ويعكس هذا التعاون الاستراتيجي التزام الشركتين بالابتكار ودعم المشروعات المستقبلية لحجز الكربون واستخدامه وتخزينه والاستخلاص المعزز للنفط في سلطنة عُمان، وحرصهما على تمكين استراتيجية الانبعاثات الصفرية بعيدة المدى والأهداف المناخية العالمية.

يُشار إلى أن سلطنة عُمان تسعى إلى أن تكون في مصاف دول العالم لإنتاج الهيدروجين الأخضر من خلال وجود المقومات الرئيسية لإنتاجه والمتمثلة في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والأراضي الممتدة، إلى جانب خبرتها الواسعة في إنتاج الطاقة وتصديرها ومركزيتها في الأسواق وطرق التجارة العالمية وعلاقاتها التي تمتلكها حول العالم، الأمر الذي سيسهم في أن تكون مركزًا مهمًّا في إنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر.