يوميات الأخبار

لغة القوة.. وخلل المعايير

محمد بركات
محمد بركات

«نحن لسنا ضد حق أى دولة فى الدفاع عن نفسها،..، ولكننا ضد أن تعطى هذه الدولة لنفسها أو تعطيها أمريكا وتابعوها الحق فى القتل والإبادة الجماعية والدمار لغزة والشعب الفلسطينى».

ما يحدث الآن وطوال الأسابيع الأربعة الماضية فى غزة، هو حرب إبادة معلنة وواضحة، فى ظل العدوان الهمجى واللا إنسانى، الذى تقوم به القوة الغاشمة لجيش الاحتلال الإسرائيلى، على الشعب الفلسطينى فى القطاع بكل أطفاله ونسائه وشيوخه.

وهو مثال حى وفج على الجرائم الإرهابية البشعة لقوات الاحتلال ومجرمى الحرب، فى غيبة كاملة من الضمير الانسانى العالمى، وغياب كامل ليقظة المجتمع الدولى ووعيه بضرورة الالتزام بالشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولى، وحقوق الانسان فى أبسط معانيها وفى مقدمتها الحق فى الحياة.

وما جرى ويجرى فى غزة هو هجوم كاسح وإرهابى للقوة الباطشة العمياء لجيش الطغيان والعدوان،..، وتطبيق فج وفاجر لغياب العدل وسيطرة لغة العدوان والقهر والإرهاب، وهو فى ذات الوقت دليل واضح على الخلل الجسيم فى المعايير الدولية، الذى أصبح للأسف ظاهرة تحكم كل المواقف وكل القوى على الساحة الدولية حاليا.

طفح الكيل

ولعل فى هبة العديد من أطراف المجتمع الدولى، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية التابعة والموالية لها، ومسارعتهم لإعلان التأييد التام والكامل للموقف الاسرائيلى، والإدانة والاستنكار لعملية السابع من أكتوبر، التى قامت بها إحدى فصائل المقاومة الفلسطينية،..، بعد أن طفح الكيل ونفد الصبر نتيجة الممارسات العدوانية الاسرائيلية المتكررة على الشعب الفلسطينى فى الضفة والقطاع، طوال السنوات والشهور والأسابيع والأيام السابقة على تلك الواقعة، والتى تم خلالها إرتكاب العديد من جرائم القتل والاعتداء والترويع، واقتحام المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية وهدم وتدمير المساكن والاعتقال للمواطنين الفلسطينيين، وسط صمت تام وتجاهل كامل ومخزٍ من المجتمع الدولى كله، وأمريكا وأوروبا بالذات.

لعل فى ذلك ما يعطى دلالة واضحة على وجود قدر كبير من الخلل فى المعايير الدولية التى تحكم المواقف على الساحة الدولية،..، واذا ما أضفنا إلى ذلك المذابح اليومية التى تعرض ومازال يتعرض لها الشعب الفلسطينى الأعزل فى قطاع غزة، على يد قوات جيش الاحتلال الاسرائيلى وصمت هذه القوى الدولية على ذلك، يتضح لنا مدى التردى الذى وصل إليه ضمير العالم فى الآونة الأخيرة.

القتل والإبادة

ونحن فى ذلك لسنا ضد حق اسرائيل أو أى دولة أخرى فى الدفاع عن نفسها.. ولكننا ضد أن تعطى لنفسها أو تعطيها أمريكا وأوروبا الحق فى القتل والإبادة والتصفية الذى تمارسه ضد الشعب الفلسطينى، وخاصة المدنيين،..، ونحن ضد أن تعطى لنفسها أو تعطيها أمريكا واوروبا، الحق فى هدم وتدمير كل شيء فى الأراضى المحتلة، وهو ما تمارسه الآن فى غزة، وسط خرس وصمت هذه القوى،..، بل وموافقتها.

وإذا ما أردنا مثالا حيا وفجا على ازدواج المعايير الدولية، فإن ما يحدث الآن هو ذلك بالتأكيد، ففى حين تنص جميع القوانين والمبادئ الدولية المتعارف عليها، على حق الشعوب المحتلة فى مقاومة الاحتلال، وفقا لما جاء فى ميثاق الأمم المتحدة، إذا بالولايات المتحدة الأمريكية والدول الاوروبية التابعة لها، تعتبر أن مقاومة الشعب الفلسطينى المحتل للاحتلال الإسرائيلى، هو إرهاب يستحق العقاب والقتل والتدمير والتصفية.

والأدهى من ذلك أنها تعطى مشروعية وتعلن تأييدها المطلق، لما تقوم به إسرائيل من دمار وقتل وتخريب فى الأراضى الفلسطينية فى غزة المنكوبة بالاحتلال،..، وذلك رغم أن ما تم وما حدث يوم السابع من أكتوبر، يندرج بالفعل فى منظومة عمليات المقاومة ضد الاحتلال، حيث إن ما قام به هو فصيل من فصائل المقاومة الفلسطينية ضد المحتل لأرضه، سعيا للخلاص من الإحتلال، وإجبار المحتل على الجلاء عن أرضه المحتلة، والقبول بإعطاء الشعب الفلسطينى حقه المشروع فى تقرير المصير، والعيش فى أمن وسلام داخل دولته المستقلة، على الأراضى المحتلة فى عام ١٩٦٧، بالضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس العربية.

مجلس الأمن

ونحن إذا كنا نقول أن هناك خللا فى المعايير الدولية، وإن هناك ازدواجية واضحة وعدالة غائبة لدى القوى الكبرى فى العالم، وأن ذلك يؤثر بالسلب على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى، وهذا واضح بشكل فج فى إنكار هذه القوى لحق الشعب الفلسطينى المشروع فى مقاومة المحتل والسعى للخلاص من الاحتلال،..، كما أنه واضح بشكل مخزٍ، فى غيبة التحرك الإيجابى من هذه القوى لوقف العدوان، وتوقيف آلة القتل والتدمير والإرهاب الإسرائيلية، التى تغتال الأطفال والنساء والشيوخ من أبناء قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر وحتى الآن.

إذا كنا نقول ذلك فإننا نشير فى ذات الوقت الى الحقيقة الثابتة والمؤكدة، التى أصبحت راسخة فى وجدان العالم كله، ومعمولا بها، واللجوء إليها عند تفجر الصدام المسلح وإشتعال الحرب فى أى ركن من أركان الأرض، وهى أن تسارع المجموعة الدولية والدول الكبرى بالذات، للسعى الحثيث والعاجل لوقف إطلاق النار من خلال استصدار قرار من مجلس الأمن الدولى بذلك.

تلك بديهية استقرت، وأصبحت من الثوابت المعمول بها فى حالة الحروب والصدامات المسلحة، حيث استقر العالم على أن يتم اللجوء لمجلس الأمن لوقف القتال وتوقف إطلاق النار.

وفى هذا الاطار كان من المتصور والمتوقع أن تندرج وتسرى هذه البديهية وذلك الثابت، المعمول به منذ إنشاء الأمم المتحدة ووجود مجلس الأمن على الحرب التى اعلنتها اسرائيل على قطاع غزة، وكان المتصور أن يتم إتخاذ قرار من المجلس بوقف إطلاق النار وإيقاف العدوان على القطاع، وبذلك تتوقف المذابح والمجازر وجرائم الإبادة الممنهجة التى يقوم بها جيش الاحتلال ضد السكان المدنيين والأطفال والنساء والشيوخ طوال الأسابيع الاربعة الماضية،..، ولكن ذلك لم يحدث للأسف.
العجز الدولى
لم يحدث ذلك للأسف، بل استمرت الجرائم الوحشية والمذابح الارهابية ترتكب ليلا ونهارا، فى ظل عمليات القصف والدمار الجارية دون رادع أو مانع، ودون تحرك من المجتمع الدولى والقوى الكبرى على وجه الخصوص،..، وكان العجز الدولى واضحا ودافعا للأسف والألم والأسى فى ذات الوقت.
ولكن العجز الدولى عن التحرك لوقف المذابح، وتوقف الجرائم المروعة الجارية ضد المواطنين المدنيين فى غزة لم يتم مصادفة، بل جرى بفعل فاعل ومع سبق الاصرار والترصد، حيث التدخل المباشر والمخزى من الجانب الأمريكى ومجموعة الدول الأوروبية المنضوية تحت الجناح الأمريكى، حيث رفضوا اتخاذ قرار بهذا الشأن، وعطلوا مجلس الأمن عن القيام بدوره فى وقف اطلاق النار.

وفى ظل ذلك بات واضحا للعيان، ولكل من يتابع التطورات الجارية على أرض الواقع المدمر فى غزة، بأنه من الخطأ أن يتصور البعض منا، أن الولايات المتحدة الأمريكية مجرد داعم أو مؤيد فقط للعدوان الوحشى، الذى تشنه إسرائيل على الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة طوال الأسابيع والأيام الماضية.
حيث إن الواضح، بل والمؤكد هو أن الدور الأمريكى لم يتوقف عند ذلك، حيث إنه كان مشاركا مشاركة فعلية وعملية فى العدوان الإسرائيلى بكل مراحله، ابتداء من التخطيط ثم الإعداد والتنفيذ أيضا.

وفى ذلك أحسب أننا تابعنا جميعا كما تابع العالم كله، مسارعة الرئيس الأمريكى «بايدن»، ومن قبله وزير خارجيته ووزير دفاعه وخبراء عسكريون، بالذهاب والوصول إلى إسرائيل، لإعلان الدعم والمساندة، بل والمشاركة فى الحرب.
الشريك الأمريكى

وإذا كان العالم يشهد ويتابع، طوال الشهر الماضى، بدء الحرب حتى اليوم، ما يقوم به جيش العدوان والاحتلال الإسرائيلى، من جرائم وحشية وحرب إبادة جماعية، ضد الشعب الفلسطينى فى عمومه وأهالى غزة على وجه الخصوص،...، فإن الكل أدرك بكل الوضوح أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست مجرد مؤيد أو داعم لهذه الجرائم، بل هى شريك فاعل فى الحرب.

ونظرة فاحصة لمجريات الأحداث وتطوراتها تؤكد هذه الحقيقة منذ إعلان «بايدن» بأن أمريكا تقف مع إسرائيل قلبا وقالبا، وتدعمها فى حربها ضد غزة، بكل الوسائل العسكرية والمادية، انطلاقا من تأييدها الكامل لحق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها،...، وهى الجملة التى أصبحت مستخدمة ومكررة على لسان كل المسئولين الأمريكيين وجميع حلفائهم وتابعيهم الأوروبيين.

وفى تطبيق عملى لهذا الموقف الأمريكى، تم تأهب وتحرك الأسطول الأمريكى، والقوات الجوية والقواعد الأمريكية فى الشرق الأوسط، لدعم ومساندة إسرائيل، ووصلت أكبر حاملة طائرات فى الأسطول الأمريكى «جيرالد فورد» إلى البحر الأبيض لحماية ومساعدة إسرائيل، ليس هذا فقط، بل تم ارسال قوات أمريكية خاصة لإسرائيل للمشاركة فى انقاذ الرهائن، والبحث عن قادة حماس،...،

كما شارك وزير الدفاع الأمريكى فى اجتماع القيادة العسكرية الإسرائيلية الذى بحث خطة الحرب ومراحلها المختلفة، وتمت الاستجابة العاجلة لكل ما يلزم إسرائيل من أسلحة نوعية لتنفيذ العملية العسكرية.
كل ذلك وغيره يؤكد الحقيقة الواضحة، وهى أن أمريكا شريك فى العدوان وليست مجرد داعم أو مساند لإسرائيل.