آخر صفحة

حامد عزالدين يكتب| أسرار النجاح: القاهرة الإخبارية نموذجا

حامد عزالدين
حامد عزالدين

منذ نحو ثمانية عشر عاما وتحديدا فى العام 2005، خضت تجربة إعلامية رائعة بتأسيس أول وكالة أخبار عربية تلفزيونية خاصة، وكانت هى وكالة الأخبار العربية. كانت الفكرة تتلخص فى أن يشارك الإعلام العربى فى إنتاج الأخبار التلفزيونية والتقارير المصورة لصالح مختلف القنوات التلفزيونية داخل الوطن العربى وخارجه، وكان الأمر قبلها عبارة عن احتكار لاثنتين من كبرى وكالات الأنباء الأجنبية التى تنقل للتلفزيونات العربية حتى الأخبار الرسمية العربية.

كان وجود أخى وصديقى المهندس أسامة الشيخ معى بمثابة دعم كبير من الناحية الهندسية فى تأسيس المقر الرئيسى للوكالة فى القاهرة على نيل الجيزة الذى احتاج إلى وجود استديو إخبارى بكل مشتملاته من أجهزة بث وتصوير ومونتاج وإرسال وكذلك إنشاء غرفة أخبار ضخمة، فيما توليت تأسيس المكاتب الخارجية للوكالة فى معظم العواصم العربية والأوروبية بل وفى الولايات المتحدة وفى روسيا. 

وبتوفيق الله سبحانه وتعالى حققت الوكالة نجاحا كبيرا وانتشارا واسعا، خصوصا وقد تزامنت البداية العملية الحقيقية لها مع الحرب الإسرائيلية على لبنان التى بدأت فى يوليو من العام 2006 واستمرت 34 يوما متتالية. ومن خلال بث الأخبار التلفزيونية  فى شكل نشرات مصورة لهذه الحرب عبر اتحاد إذاعات الدول العربية واتحاد إذاعات الدول الآسيوية ثم اتحاد إذاعات الدول الأوروبية، وبعدها فى تولى إنتاج التقارير التلفزيونية الخاصة بالعديد من المحطات التلفزيونية العربية، اكتسبت وكالة الأخبار العربية اسما مهما فى الإعلام التلفزيوني.  

هذه التجربة الرائعة ليس هذا هو المجال للحديث عنها بتفاصيلها، لكننى فقط أردت أن أربط بين تجربتى وزملائى فى إنشاء مثل هذه الوكالة وبين إشفاقى على القائمين بعمل مشابه، عندما سمعت بتأسيس قناة إخبارية مصرية قادرة على منافسة العشرات من القنوات الإخبارية العربية والعالمية. وتابعت عن بعد تأسيس وبداية عمل قناة القاهرة الإخبارية، وظننت أن الأمر سيحتاج سنوات حتى يمكن لنتيجة عمل مثل هذه القناة أن تظهر فى مواجهة قنوات تعمل فى ظل ميزانيات ضخمة للغاية سواء على المستوى العربى أو العالمى. 

وعلى مدى العام المنقضى من عمر قناة القاهرة الإخبارية - التى انطلقت فى الأول من فبراير 2022 - تابعت الجهود التى قامت بها كتيبة من الخبرات المصرية الخالصة، أعرف بعضهم عن قرب وأدرك حجم خبراتهم فى العمل التلفزيونى، والحق أقول إن المستوى الذى ظهرت عليه القناة منذ البداية كان مبشرا للغاية ومتساويا مع حجم الخبرات القائمة عليها، لكن الأهم كانت المعالجة الموضوعية لمختلف القضايا رغم كونها قناة تحمل اسم القاهرة العاصمة المصرية، فقد نجح القائمون على القناة - بشكل كبير - فى موضوعية التعاطى مع الموضوعات الإخبارية، لكننى لم أتخيل أبدا أن تصبح قناة القاهرة الإخبارية - وبعد عام واحد - مصدرا رئيسيا لكبرى وسائل الإعلام الدولية صاحبة الخبرات الطويلة. وأظن أن النقل المباشر الذى سمح به الرئيس عبد الفتاح السيسى لاجتماعه مع كلٍ من المستشار الألمانى أولوف شولتس، ثم مع وزير الخارجية الأمريكى أنطونى بلينكن، كان «ضربة معلم»، فقد فتحت هذه التجارب الاجتماعات فى الغرف المغلقة إلى وضع الموضوعات ومختلف وجهات النظر أمام الكاميرات دون إخفاء لأى حقيقة، وربما كانت هى المرة الأولى التى يحدث فيها النقل على الهواء لاجتماعات بمثل هذا المستوى. وأظن كذلك أن الانفرادات المتتالية للحرب الصهيونية على غزة - وما قبلها -  منحت القاهرة الإخبارية فرصة كبيرة للـتألق، وأثبتت أن البنية التحتية لها فى مختلف دول العالم، قد تم «بناؤها» بخبرات كبيرة، رغم أن معظم الطاقات فى القاهرة الإخبارية هى طاقات شابة، تعمل فى ظل ضغوط مهنية ونفسية شديدة، فى عالم يموج بالصراعات والأسرار.  

لكن الواضح أن الجميع يعيش تحدى أن الإعلام المصرى قد نجح فى التخلص من قيود كونه مرتبطا بالدولة المصرية التى تحولت إلى نقطة محورية لمختلف دوائر الصراعات السياسية فى العالم. وكم كانت سعادتى وإعلامى عربى صديق يعلق على خبر نتحدث بشأنه يسألنى: هل أذاعت القاهرة الإخبارية هذه المعلومة؟ وكان يقصد أنه سيعتبر الخبر مؤكدا لو أذاعته القاهرة الإخبارية. وهكذا أيقنت أن القاهرة الإخبارية نجحت للغاية، ويبقى أن يؤدى نجاحها إلى الارتقاء «الموضوعى» بالإعلام المصرى ككل مكتوبا ومسموعا ومرئيا وإليكترونيا.