الكشف عن مرتكب حادث ولاية «ماين» .. مدرب سلاح التحق بالجيش الأمريكي منذ 20 عامًا

المتهم روبرت كارد
المتهم روبرت كارد

 من هو مرتكب ابشع حادث إطلاق نار جماعي شهدته أمريكا خلال هذا العام؟.. علامات استفهام تحمل إجابات عديدة تمثل ناقوس خطر للشارع الامريكي؛ حيث يصف المحققون الفيدراليون الحادث بالدرس القاسي الذي لا يجب أن تنساه امريكا على الاطلاق، انتهى حادث ولاية ماين بمقتل 18 شخصًا وإصابة العشرات بجروح متفاوتة في ثلاثة اماكن مختلفة، ويمثل حادث القتل الجماعي الرابع والثلاثين الذي راح ضحيته أكثر من أربع ضحايا في الولايات الامريكية هذا العام، يعكس الحادث قضية مرتكبي الحوادث من المصابين بخلل الصحة العقلية ممن تعجز أمريكا عن التصدي لها بجانب قضية السلاح المزمنة.

تحول روبرت كارد،40 عاما، إلى حديث الإعلام الأمريكي ولم يتوقف الامر عند المجزرة التي ارتكبها وإنما فتحت ملفات عديدة لتنكشف الكثير من المفاجآت، المفاجأة الاولى أنه جندي امريكي خدم بالجيش أكثر من 20 عاما، بدأ جريمته متوجهًا نحو صالة بولينج ثم مطعم للمشويات وحانة، قاد سيارته لينتقل بين الاماكن الثلاثة ممسكًا بندقيته «إيه آر 15» شبه الآلية ليصوبها نحو كل من يقابله، وبالرغم من تعدد اماكن جريمته إلا أنه نجح في الهرب؛ ليعكس فشل سلطات الامن في احتواء الحادث والسيطرة عليه وتوارى المتهم عن الانظار تمامًا في الليل، تنبهت شرطة ولاية لويستون إلى الحادث؛ لتتوالى تحذيراتها إلى سكان المدينة وأمرتهم بالبقاء في أماكنهم وعدم الخروج منها بسبب وقوع حالات إطلاق نار نشطة في عدة مواقع، سرعان ما انتشرت صور القاتل عبر كاميرات المراقبة الداخلية بصالة البولينج وتزامن انتشار صور الجاني مع إعلان مقتل واصابة العشرات وبعد استقرار حالات بعض المصابين اكدت السلطات أن عدد الضحايا لا يقل عن 18 شخصًا مع اصابة العشرات تتراوح أعمارهم بين 14 و76 عامًا.

نهاية مفاجئة

استمرت عمليات البحث يومين كاملين وشرطة لويستون في حرج شديد، استعانت الشرطة برجال البحث الفيدرالي ومجموعات من ضباط انفاذ القانون في كافة انحاء الولايات المختلفة؛ لترفع حالة الطوارئ حتى استعانت بشرطة الحدود بأقصى الشمال الشرقي الأمريكي للحدود مع كندا، وبعد البحث المستمر ظهر مشهد النهاية بشكل مفاجئ بالعثور على جثة مرتكب الحادث مصابا بطلق ناري صوبه نحو نفسه ليتخلص من حياته بالانتحار بعد ارتكاب الحاث، حددت الشرطة مكان العثور على جثته في مكان المهملات على اطراف ساحة انتظار سيارات مكتظة بالقرب من مصنع لإعادة التدوير عمل به روبرت في السابق، وألقى ديفيد سانت بيير رئيس قسم شرطة لويستون كلمته قائلا: «يمكن لمجتمعنا الآن أن يتنفس الصعداء»، وعقدت جانيت ميلز حاكمة ولاية ماين مؤتمرا صحفيا وجهت فيه الشكر الى سلطات إنفاذ القانون المحلية والولايات لمساعدتها في العثور على الجاني بعد تعاون عناصر إنفاذ القانون المحليين والمقاطعات والولايات، كما وجهت الشكر الى عائلته ممن حرصوا على ارسال رسائل نصية له بشكل متكرر بعد ارتكابه الحادث، يتوسلون له لتسليم نفسه للشرطة ويبدو انه استجاب لهم بقتل نفسه.

توالت المعلومات حول المتهم؛ لتكشف زواجه وطلاقه مرتين، وأنجب من الزيجتين ثلاثة ابناء، ويُعرف للشرطة بممارسته العنف المنزلي، وبالرغم من ذلك فهو مدرب أسلحة نارية احتياطي في الجيش، التحق بالخدمة في ديسمبر 2002، تم تعيينه في الكتيبة الثالثة لسلاح المشاة ويعاني من ضعف شديد في السمع بسبب وجوده بالقرب من إطلاق النار المستمر، وعانى مؤخرًا من مشكلات تتعلق بالصحة العقلية دون الالتفات إلى حالته واتخاذها بجدية؛ حيث شكا اكثر من مرة لمن حوله من سماع أصوات وتهديدات بإطلاق النار على قاعدة الحرس الوطني بولاية ميشيجان، المفاجأة الاخرى هى إلحاق المتهم بمصحة عقلية لمدة أسبوعين فقط ثم أطلقوا سراحه دون تحسن حالته؛ حيث اشارت افراد عائلته الى تعرضه لنوبة حادة من تدهور صحته العقلية في العام الماضي دفعته إلى الصراع الدائم؛ حيث كان يعتقد أنه يسمع الناس يقولون أشياءً واصوات تنتقده أثناء وجوده في الحانة وصالة البولينج وهى الاماكن التي ارتكب فيها جرائمه.

علاج مؤقت

قلق عائلة روبرت دفعهم للتواصل مع الشرطة وقاعدة الجيش الاحتياطي التابعة له، خلال الشهرين الماضيين وقالت زوجة شقيقه: «لقد تواصلنا للإبلاغ عن حالته العقلية لأنه شخص يقوم بالتدريب على الأسلحة، كنا قلقين بشأن حالته وطبيعة عمله لقد تحول الأمر إلى حالة جنون؛ حيث كان مقتنعًا بأن الجميع أصبحوا ضده فجأة ومع ذلك لم يتوقع احد أن تصل الامور إلى تلك الدرجة»، وحاولت اسرته لفت الانظار نحو حالته لسحب اسلحته وتقييد حصوله على الأسلحة النارية، وقال المسؤولون إن السلاح الذي استخدمه في الهجوم هى بندقية امريكا الشهيرة واشتراها بشكل قانوني هذا العام.

دافع اثنان من كبار مسؤولي إنفاذ القانون عن موقف القاعدة العسكرية المنتمي لها روبرت مؤكدين استجابة شرطة ولاية نيويورك وارسله قادة وحدته لتلقي العلاج النفسي في مستشفى كلر العسكري بعد أن أصبحوا قلقين بشأن تهديداته لزملائه التي وجهها إلى القاعدة الا انه لم يمض سوى أسبوعين في العلاج النفسي للمرضى الداخليين ولم يوضح رؤسائه الإجراءات الأخرى التي تم اتخاذها، وقال المتحدث باسم الجيش برايس دوبي في بيان؛ إنه لا توجد سجلات تشير إلى أن روبرت مارس عمله بقيادة كتيبته أو شارك في أي تدريب منذ فترة، وأضاف قائلا: «نحن نأخذ مثل هذه الأمور على محمل الجد، واهتمامنا الأساسي هو ضمان اتخاذ جميع الإجراءات القانونية والمناسبة بما يتوافق مع التزامنا بالتمسك بأعلى معايير السلوك بين جنودنا وموظفينا المدنيين»، توالت التقارير بعد اختفاء روبرت ليشير زملائه المقربين انه شخص يفضل العيش في الهواء الطلق، وخضع لتدريب شامل على الأسلحة النارية والملاحة الأرضية، لذلك لم يواجه مشكلة كبيرة في الاختباء في مناطق الغابات بعد الحادث، وأضاف زملاؤه؛ انه كان من أفضل الرماة في وحدتهم ومع ذلك لم يفرط من قبل في استخدام السلطة أو القوة بالرغم من القيادة العدوانية المميزة في الجيش من قبل وخدم في ويسكونسن وجورجيا ونيويورك.

وباء 

لفت الحادث الانظار نحو وباء خلل الصحة العقلية الذي لن تحتمله امريكا ويهدد امنها بشكل ملحوظ حيث كشفت دراسة ان تسعة من كل 10 بالغين يعتقدون أن هناك أزمة في الصحة العقلية في الولايات المتحدة مؤخرا، وحين طُلب من الأمريكيين تقييم المخاوف المتعلقة بالصحة العقلية، وضع الأمريكيون وباء المواد الأفيونية في القمة، وتليها ازمة مشاكل الصحة العقلية بين الأطفال والمراهقين بالاضافة إلى الأمراض العقلية الشديدة لدى البالغين، تظهر البيانات الصادرة عن المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها احصائيات عام 2020 حيث قفزت الزيارات المتعلقة بالصحة العقلية إلى غرف الطوارئ بنسبة 31% بين المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عامًا، وجد استطلاع مركز السيطرة على الأمراض أن حوالي 1 من كل 4 شباب في الولايات المتحدة يعالجون من سوء الصحة العقلية منذ ازمة وباء كوفيد.

قوانين جادة

أطلقت الحكومة الأمريكية عدة حلول لتلك الازمة إلا انها لم تلق صدى على ارض الواقع ومنها خطة الإنقاذ؛ حيث استثمرت إدارة بايدن 5 مليارات دولار في برامج الصحة العقلية وتعاطي المخدرات من خلال وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية، وكذلك تخصيص رقم ساخن خاص بحالات الانتحار والامراض النفسية وتلقت مكالمات وشكاوى ضخمة لتكشف مدى خطورة تلك القضية.

دفعت قضية السلاح ايضا توجه مجموعات منع العنف المسلح للكونجرس؛ لحث اعضائه على التحرك الجاد بعد إطلاق النار الجماعي في ولاية ماين، حيث أصدر الكونجرس حظر على الأسلحة الهجومية منذ عام 1993 وانتهت صلاحية القانون الآن، ويسعى المشرعون إلى تفعيل مشروع قانون يهدف إلى الحد من العنف المسلح لتحديد من يحتاج للحصول على ترخيص فيدرالي لشراء أو بيع الأسلحة النارية، ويفرض عملية فحص دقيقة لطالبي حيازة الاسلحة وفرض قيود على الاشخاص المدانين بارتكاب العنف المنزلي تمنعهم من الحصول على سلاح ناري لمدة خمس سنوات على الأقل، ومع ذلك لا يتضمن مشروع القانون قيود صارمة مثل حظر الأسلحة الهجومية كالسابق او إجراء عمليات فحص موسعة للحد من حيازة السلاح.

اقرأ أيضا : هجمات برامج «الفدية» تهدد أنظمة تشغيل الكمبيوتر في أوروبا


 

;