أخر الأخبار

نيروز قرموط تكتب: عباءة البحر

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

تعودُ إلى ذكرياتها مرةً أخرى فى مخيّم كبير يعجّ بالأطفال، يلعبون بالقلول، ويهود وعرب. ترى نفسها فى العاشرة تنط الحبلة مع صديقاتها، ترتدى فستانًا قصيرًا، فى زقاق رمليّ خلف ألواح الزينغو.

تترك الحبلة حين يسرق صديقها دبوسًا على هيئة فراشة عن شعرها. يركض هاربًا، تلحقه مسرعةً، حتى تسقط الزنوبة من قدميها الصغيرتين وهى تركض دون أن تشعر إلا برمال الأرض تحملها إلى طريقها رغم كل الحجارة. تقع ويتّسخ فستانها، تنفض عنه رمل الشارع، وتعاود ملاحقته غاضبة: 
-«هات الدبوس.»

يجري، ويقول لها:
-«إذا بتقدرى الحقينى.»

يتعبان، ويقفان مستنديْن إلى جدار منزل الجيران، فى حارة أخرى غير حارتهما. يلهثان تحت ظلّ شجرة، يعطيها دبوسها مبتسمًا، يقول لها:
• «حلو الدبوس عشعرك.»

لا تعلم لماذا تتملّكها سعادة العالم فى ذاك الوقت، رغم غضبها الشديد منه. لا تفهم مشاعرَها الطفولية التى تصعد وتهبط بقلبها بسرعة لا تستطيع تنفُّسَها. ترى ذراع أخيها تلكم الشاب، والشاب يلكمه وهى تبكي. يشدّها أخوها من ذراعها، بعد أن رآهما مصادفةً، وهو مارّ من ذات الزقاق الرملي، وينعتها بنعوت لا تفهمها:
•«سافلة.»

يصلان إلى البيت، ويشتكيها أخوها لوالديهما:
•«كانت مع ابن الجيران.»
 يصفعها أبوها على خدها صفعةً لن تنساها طوال عمرها. تشدّها أمها من شعرها، وتقول لأبيها:
•«أنا بورّيها.»

صوت أمها يؤنّبها:
•«هاى آخر مرة تطلعى على الشارع، خلصنا لعب، خلص كبرتي، ما عدت طفلة اطّلّعى على حالك بالمراية؛ خدى شالة أختك لفى فيها شعرك، أما بنات آخر زمن!»
تسمع بكاءها بأذنيها، تشعر بيديها تتلمسان جسدها، تبحث عن مواضع كبرها؛ التى لم تعلم عنها إلا من أمها. 

الجدران خانقة، تضيق مساحة المنزل، لا هواء ينعش الصدر، أبوها يتعرق، الجو حار، ينادى أمها:
•«وينكم يا جماعة، ما خلصتوا لبس، عجّلوا، راحت الشمس، وأنتو لسه بتتلبّسوا.»
تكمل الأم تتبيل السمك، تعمّ الفوضى الغرف بعد سهرة الخميس، بضيافة بناتها وأطفالهن كما نهاية كل أسبوع، تصرخ:

•«بكفى أنت وياه تلفوا حوالى خلينى أخلص اللى بإيدي، كل واحد يروح عند أمو، وأنتن ما خلصتنش شلح ولبس، وحدة فيكو تشوف أبوها، آخ همّ البنات للممات.»
هى فى غرفتها لوحدها، تفرغ ما فى خزانتها على سريرها، تخلع ملابس وترتدى ملابس، تستمر فى تبديل ملابسها، ولا شيء يعجبها، تحدث نفسها:
•«أوف، والله زهقت، الجو حر، وأنا مشوبة. هو البحر حلو، بس شوية مى بالبانيو أريحلى من كل هاللبس اللى بيخنق.»

تخرج من الغرفة، تمشى بملل باتجاه المطبخ، تبحث عن أمها:
•«يا الله مش عارفة شو ألبس، طب كيف بدى أسبح؟»

الأم تكمل عملها بسرعة، تتعرق، تعقل عقدة بمنديلها على رأسها، دون أن تنظر لابنتها:
•«ترى أنا راسى بدو ينفجر، فشى خلقك بشى تاني، البسى اللى تلبسي».

تحنق أكثر، حرارة فى داخلها أعلى من حرارة الجو، تنظر إلى أمها برأفة تارة، وبغضب تارةً أخرى:
•«يا الله بس أنا لمين أشكى همى بس، كلكو هيك وخواتى مش فاضيين».

•«شوفى عليّ مش خلصت التوجيهى تبعك عشان تزهقيني، أنا قرفانة أواعيّي، خلى هاليوم يمرق على خير. دبرى حالك وعيشى بما يرضى الله، يا بنتى لا تضلك هيك اللحظة الحلوة ما بترجع».

•«حاضر، أساعدك بشي؟»
•«لأ بس جهزى حالك الله يرضى عليكي، ويحفظك أنت وأخواتك من شر ولاد وبنات الحرام، روحى وأنا داعيتلك». 

ركبوا باصًا يتسعهم جميعًا، واستعدوا لملاقاة البحر بعد طول انقطاع، علّه يعيدهم إلى ذكريات جميلة، ويقدم لهم يومًا أجمل.

طائرات ورقية تتراقص مع الهواء، زاهية ألوانها كقوس قزح، تتحد مع أشعة الشمس المضيئة لتتوهج مرة على زبد الموج، ومرة على رمال الشاطئ.

تثقل الرياح برطوبة بحر عتيق، تشتم منها روائح بطعمات مختلفة من ذرة، وبطاطا مشوية على جمرات فحم نارية. ياه! ما أجمله من منظر تتصاعد فيه الأبخرة من عربات تبيع الفستق والبذر الساخن، عربات مزينة بأضواء ككرنفالات الاحتفال. وإن ملّ اللسان من سخونة تحرقه، تنتظره أكشاك مزركشة تبيع المثلجات ممزوجة الألوان والنكهات، وما ألذ طعم البوظة عندما تسير بمحاذاة الشاطئ، ليداعب الهواء جسدك وتنعش النكهة روحك.

خيامٌ ومظلاتٌ تتسلق حبالها ألواح الخشب، ويكسو سطحها جريد النخل ليبعث بنسمات باردة على وجوه المحبّين والحالمين بيوم يسرقهم من عناء الزمن وإرهاق الحياة. تتسلّل الأشعة ما بين الجريد، الذى يحف بتمايله أجراسًا تطرطق آذان السامعين، لترسم خيوطًا براقة تحيك الجالسين بالأمل.

شاطئ غزة ليس بالنظيف، يفتقد ترتيب أشيائه، تتراكم النفايات على رماله، تتناثر خيامه، كومات قش تبعثر أرواحًا تؤنس ظلالها. هكذا هى غزة، فتاة لم تتأنّق بعد، ولم تحصل على عطرها الخاص، لكى تتعطر بعطر الجميع، وإن كان غصبًا عنها.

تختار العائلة لنفسها خيمةً لا ينقصها من الجمال إلا ضحكاتهم، وحواديتهم لهذا اليوم السعيد. كلٌّ يبحث عن ذكرياته، فى بحر لا تتوقف أمواجه باندفاعها نحو شاطئه، لتوقظ كلّ مشاعر الحنين والأمل والحرمان من عباءة بحر. 

الأب لا يعرف السباحة، يدخل ويخرج من عمق البحر معتمدًا على طوله الفارع. ماشيًا على قدميه، يجلس ليتأمل البحر دون أن يتكلم، حتى يعتقد كل من رآه أنه فى بحر آخر غير الموجود أمام الجميع. أما الأم، فلا تشعر بتعبها إلا اذا جلست، تنشغل فى ترتيب خيمتها وأغراضها وسَلَطتها التى تخاف أن يمتلئ بقدونسها برمال الهواء، بعد أن أخرجته من حقيبتها لتبدأ حفلتها فى ترتيب مائدة كما لو كانت فى بيتها، والفتاة تتأمل والديها بهدوء.

تضحك الجدة بثوبها المطرّز، وبين شفتيها سيجارة تبغ قديم تنفث دخانه، وتغني مواويلها، وتسترق النظر إلى حفيدتها الحمدلّله:
•«قومي روحي يا ستي تسبحيلك شوي، لو بقدر باجي معك».
•«لحالي».
•«هو أنت ما لكيش رجلين».
•«إلي».
•«روحي قبل ما الشمس تبرد».
•«هينى رايحة».

تعلو ضحكات وقهقهات أخواتها، يتغامزن تارة ويغتبن فلانة وعلانة، تارة أخرى: 
•«يا رب سامحنا كل هذا الحديث إنما على سبيل الزهزهة». 

تبتسم وتستمع لجدتها وأخواتها، وتقوم بصمت إلى البحر.

تمر إلى جانب إخوانها، وهم يشوون السمك على المنقل. تتعالى أصواتهم بالحديث عن السياسة وذكريات الحرب والانتفاضة، ساخرين من حالهم وجمرات النارجيلة، وسحبها تتراقص على ضحكاتهم.

تمرّ وسط دخانهم دون أن يلمحها أحد منهم، كأنه البحر يهديها تعويذته، بأن تختفى عن أنظار الجميع، ويحملها إليه كعروس بحر.

تتعثر بطفل فى السابعة من عمره، ينتظر الموجة على حافة الشاطئ، ليقفز عاليًا سعيدًا وهو مبلّل وسرواله يسحل عن مؤخرته، بينما يلعب بالأصداف والرمال ويلقيها على أخيه. كل منهما يلحق بالآخر ويرميه بالرمال، فى عيونهما بداية الحياة وبراءة الطفولة، يغضبان بسرعة، ويتراضيان بسرعة أكبر ويعودان للعب من جديد. تبتسم لهما، تمسح على رأسهما، وتواصل السّير.

تتأمل طفلاً فى الرابعة من عمره يركض عاريًا، فرحًا بحريّته التى تخبره عنها طفولته حين يطير مسرعًا إلى حضن أمه التى تنتظره بلهفة، ليبتل بموجة البحر، يقفز بين ذراعيها محتميًا بدفئها من سرّ بحر، لم تخبره عنه سنواته الأربع بعد.

مجموعة من الشباب، تحرق الشّمس ظهورهم، تضرب أياديهم بأوراق الشدة على الأرض بقوة، تنتظر الفوز، لا يمتلكون مظلة يحتمون بها من حرارة الشمس.

يلتفت شاب بعد أن لف رقبته باتجاهها، يغازلها من مكانه، وأوراق شدته بيده.

على مسافة من هؤلاء الشباب حمار يغتسل بمياه البحر من عناء يومه، بعد أن تحمّل مشقة نقل الناس على كارتة، وما يضحك أن حتى الحمار، له مكانٌ فى هذا البحر وهذا الشاطئ، ويغتسل كما الجميع بمياهه المالحة. 

طفلتان تختاران ألواناً مختلفة لتلوين شفاههما بصباغ البرد، تتشاجران أيهما تشترى الأحمر، ومن تشترى الأصفر، ملابسهما مبتلة، كل منهما ترتدى بنطالًا وقميصًا، هما أختان تموج خصلات شعرهما كسنابل حصاد قمح قادم، وبائع البرد بلحيته الكثة البيضاء يجلس خلف عربته البسيطة، يضحك، ويتمنى كل ما يتمناه بصمت يغرق فى أعماق بحر.

يتسارع يافع لم يغادر طفولته بعد إلى كشك قريب، يشترى الترمس ويرمى قشوره فى كل مكان، يستطيع نشر فوضى مراهقته المبكرة به. عيناه حائرتان، يتوارى عن عيون الآخرين، خجلًا من السباحة والفتيات، يبحث عن بحر جديد يحمله بكل قشوره إلى حيث لا يعلم أحد. شاى وقهوة بحبات هال تفوح رائحتهما من فحمات رجل كبير طاعن بالسن، يقص قصص البلاد وأيام البلاد لأحفاده الذين غابت عنهم هذه البلاد، ولا يعلمون عنها إلا من الجد والجدة والتاريخ.

شابان طائشان على عجلة بخارية مسرعيْن محمّليْن بموسيقى صاخبة، يسابقان الرياح مندفعيْن بعكس هبوبها، يتزيّنان بقصات شعر، كمن يحمل برج إيفل على رأسه فى وسط التاريخ. يبعثان بصفيرهما ونظراتهما إلى كل فتيات الشاطئ المحتجبات، يتباهيان برجولتهما حتى يعترضهما شرطى ضخم، فيتوقفان ويسقطان من على عجلتهما، وتذهب كل استعراضاتهما هباءً منثورا، فتضحك الفتيات. يقول رجلٌ مارّ للشرطى حيث سقط الشابان: 
•«اتركهم خليهم مبسوطين».

المعاكسات الشبابية تتوالى، منها الطريفة والظريفة، ومنها المزعجة غير الخفيفة، ولكنها بكل ضجيجها افتعلت يومًا حارًا، وساخنًا وممتعًا احتفالًا بالجميع على الشاطئ.
أما هي، فى انشغال الجميع، تطارد خيالها إلى بحرها، ضجيج الماضى يؤرقها، رداؤها الأسود يتطاير مع الهواء، ومنديلها يبعث السلام إلى نوارس الشاطئ وصهيل الخيل الذى ينمو داخلها فى كل خطوة تتقدمها نحو عمق البحر.

شاردة والرياح تحملها كحورية بحر، الماء يكسوها، الوقت يسرق خطواتها إلى بحر، لم تعلم أنه تسلل على غفلة إلى ذاكرتها.

ما بين عبق الحنين وعبق البحر، تتلاطم الذكريات فى عقلها والأمواج على جسدها. تشعر بلسعة حبيبات رملية على بشرتها الناعمة، تقرصها الرمال، لا تقوى على الهروب خارج ردائها الأسود. تغرس قدميها فى رمال الشاطئ المبتلة، ترسم خطوتها كأثر الفراشة على زهرتها المبتلة بالندى، تتقدم خطوة الخائفة إلى ما سيكون، تشعر بقدمها تسقط فى حفرة أعمق مما تحتمل السقوط إليه، تتقدم فرحة بسقوطها، تبلّل قدميها العاجيتين، تلمع عليهما حبيبات الرمل الذهبية.

تعوم بجسدها على عمق أكبر، تتسلّل المياه داخل ردائها حتى ينتفخ، تشعر بدغدغة تفوق أنوثتها على التحمل، تشعر بشبق أكبر، تعوم أكثر، لا تشعر بأصداف البحر تجترح أسفل قدميها والدماء تنزف، لتكمل مخملية المنظر حتى وإن كانت بدمها الأنثوي. ألم وشغف يتملكان جسدها، رغوة الأمواج تحيطها كسوار مخفوق بغزلة البنات والعسل، وما أجمله من سوار حوافه تلتصق بضياء العسل الذى يمتصّ رحيقه من لهيب شمس.

تشيح عينيها بنظرة تلتف السماء، لترى بياضًا مشرقًا يحملها كملاك بحر. تلامسها نسمات بحر باردة، تلسعها أكثر مما لسعتها ذرات الرمل، تغمض عينيها، تكتم أنفاسها لتغطس تحت الموجة، وما أن أكملت الموجة مسيرها، حتى شعرت بحاجة للتنفس من هواء الحياة مرة أخرى، لتقفز فجأة وينكشف الرداء أكثر، وتتسارع يداها لشدّه إلى الأسفل، وهى تسترق أنفاس الحياة، وتحمر خجلًا من بروز نهديها، عندما التصق السواد أكثر، وشفّ أنوثتها إلى أنظار الجميع. يزهّر خداها وتبرق عيناها السوداوان كجوهرتين نادرتين، والرموش مبتلة كسهام تعترش جفونها، وتغسلها أشعة الشمس بهالات الضياء. ابتسامتها تملأ الشط بسعادة لا تنتهي، تشعر بالهواء يهرب خارجها، تلهث نحو التقاط ولو نفساً واحداً من أنفاس الهواء الهاربة: 
•«بدى أسبح أكثر، بدى طير جوا البحر، لو أنا خفيفة لكنت متل الريشة عسطح المي».سمفونية إلهية مألوفة تطرب أذنيها، ليطمئن قلبها ويألف عرض البحر الموحش.. فتفتح عينيها لتلمعان بماء الذهب على مد نظرها، ويسترخى جسدها فى أحضان الماء الدافئ.

تبتعد داخل البحر أكثر، تجدف بساقيها ويديها الناعمتين، تمتشق ثوبها بجسدها اليانع، القماش يلتصق بساقيها، يعيق حركتهما، منديل رأسها يحبس خصلات شعرها من الحركة، يلتفها كوشاح سرمدى يخفى عينيها.

لم تعد قدماها تصلان الأرض، تشعر بخوف الغرق، تبعد المنديل عن وجهها، تنظر للخلف، ترى أناسًا أصبحوا كنقاط صغيرة، عيناها لا تراهم بوضوح، تعتقد أنهم ما عادوا يستطيعون رؤيتها. تشعر بتيار جارف يسحب ثوبها للعمق، ترتعش، ترتعب، تشعر أنها لم تعد تمتلك السيطرة على التجديف بجسدها، ساقاها ثقيلتان والقماش يلتفهما، تريد نزع ثوبها عنها، تخاف العري، تخاف الموت، تحب الحياة، تشعر بالوحدة والسماء أعلاها بعيدة، والبحر بمياهه أصبح مخيفًا، تهاب صداه فى أذنيها. دموع حبيسة فى عينيها لا تقوى الخروج، أصبحت تستسلم للتيار، تمسكها ذراع قوية فجأة، تنظر إلى الذراع بعد أن شعرت بقوتها وحرارتها، وإذ به رجل يقول لها:

- «راح أساعدك تمسكى فينى منيح ما تخافي».
تخاف الفتاة أكثر من هذا الرجل، تتملكها ذكريات ومشاهد، تمنعها من الاقتراب من رجل لا تعرفه. أصوات خافتة من قاع البحر إلى جوف روحها، أصوات تشبه صوت أبيها وأمها يؤنبانها. لباس المدرسة الثانوية للسنة الأولى ترتديه فرحةً، تشعر بأنوثتها تتمايل داخل لباسها. تتطاير خصلات شعرها، كطفلة تشعر أنها كبرت لأول مرة، يرمقها الشارع بنظرات إعجاب لا تفهمها، ولكنها تفهم إحسًاسا واحدًا أنها جميلة وتمتلك طريقها. صورة لشاب فى عمرها يبتسم لها، تشعر بابتسامتها له. ترى شارعًا تظلّله أغصان الأشجار، تستظل هى وهو بشجرة، ليقول لها كم هى جميلة اليوم، حتى تعتقد أن كل العصافير على الأغصان تزقزق لها وحدها، لا ترى من الشاب إلا ابتسامة أحبتها مع سنه المكسورة، غير قادرة على تخيل كامل ملامح وجهه. تعود لذاكرتها، صورة أخيها عندما لكم صديق طفولتها بضربة قوية على وجهه، وشدّها من ذراعها. تستفيق الفتاة من حلمها، الشاب الذى أنقذها يشدّ ذراعها أكثر، لقد شارفوا على الوصول إلى الشط، هى ضعيفة الحركة ولا تقوى التنفس، لكنها تخاف أن يقترب الشاب إليها أكثر، تحب قبضة ذراعه تلتف حولها، لتشعر أمانًا أحست أنها فارقته منذ زمن.
تدخل الشمس إلى عينيها، عندما تفتحهما مرة أخرى، ودموعها تسيل لآلئاً على خديها، بكلمات لا تقوى الحديث والصوت يهرب منها:
•«خلينى هون أكمل طريقى لوحدي، شو راح يقولوا الناس علينا، ونحنا مع بعض».

يبتسم ويتعجب وهو يسبح بقوة:
-«راح يقولوا هالشب الوسيم، أنقذ فتاة جميلة من الموت».

وهى تعبة:
•«شو عرّفك يمكن كان بدى الموت.»
•«لا.. يمكن ذقتى طعم من الموت لتعرفى عن نكهة الحياة، المرة الجاى راح أعلمك السباحة..»
يتوقفان داخل مياه البحر، بعد أن أحسا بزوال الخطر، تنظر الفتاة لعينى الشاب.

•«كيف؟»
بكلمات متقطعة، بموجات البحر المارة من فوقهما:
•«يمكن كنت بدى أنتحر، لو ما لمحتك بتغرقي.»
يتقدمان مشيًا نحو الشاطئ، وأخو الفتاة الذى يصغرها بعام واحد، ينظر إليهما مرتبكًا وحانقًا وحانيًا، ودافئًا بعض الشيء، يتجه نحوهما: 

•«أختى شو صار، أنت بخير؟»
تبقى الفتاة صامتة لا تتكلم، وتنظر وعيناها تبتعدان وتقتربان من نوم وشيك. يبادر الشاب بالرد:
•«كانت عم تغرق، الحمد الله على سلامتها».
يقترب أخوها من الشاب، يمدّ له يده ويصافحه بقوّة.
ما تزال واقفة، بينما يهمس الشاب فى أذنها مبتسمًا.
•«مش حكتلك الحياة أبسط مما تعتقدين».
تنظر إلى ابتسامته القديمة، سنّه المكسورة. تتذكر دبوسها، جدار منزل الجيران، ظل شجرة. تشعر أن قلبها عاد ليطير من جديد.