هل يمكن أن تحاكم إسرائيل عن جرائمها فى غزة؟

طفلة فلسطينية مذعورة من القصف على غزة
طفلة فلسطينية مذعورة من القصف على غزة

كتبت:  سميحة شتا

«يقول فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا»: سيحاكمنا التاريخ جميعا ما لم يوقف إطلاق النار فى غزة». إنه حتى لحظة كتابة المقال فقدت وكالة الأونروا 35 من موظفيها فى غزة؛ إذ قُتل العديد منهم أثناء وجودهم داخل منازلهم مع عائلاتهم، وانتقد لازارينى تحذيرات الجيش الإسرائيلي، الذى دعا الفلسطينيين فى شمال غزة إلى الانتقال إلى الجزء الجنوبى من القطاع؛ فى الوقت الذى استمرت فيه إسرائيل فى استهداف الجنوب أيضاً، وقال لازارينى «لا يوجد مكان آمن فى غزة». وأكد لازارينى تعرض 40 مبنى للأونروا، منها مدارس ومستودعات، للأضرار بسبب الغارات الإسرائيلية، كما أكّد أن العديد من المدنيين الذين كانوا يحتمون بداخلها قتلوا بشكل مأساوى. وأضاف أن القطاع الذى وُصِف على مدى 15 عاماً بأنه «سجن كبير مفتوح»، فى ظل الحصار الجوى والبحرى والجوى، أصبح «مقبرة للسكان المحاصرين بين الحرب والحصار والحرمان». وقال المسئول الأممى إن التاريخ سوف يتساءل: لماذا لم يكن لدى العالم الشجاعة للتصرف بشكل حاسم ووقف هذا الجحيم على الأرض؟!

هل يمكن أن تحاكم إسرائيل عن جرائمها فى غزة؟

من الواضح أن الإفلات من العقاب على الانتهاكات الماضية ساهم فى انتهاكات اليوم، التى لا يبدو أنها ستتوقف، فهناك جرائم مروعة ذات عواقب مدمرة على المدنيين تُرتكب فى الأعمال العدائية التى تقوم بها إسرائيل  ضد المدنيين فى غزة فقد أعرب مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، يوم الأربعاء الماضي، عن قلقه من أن ترقى الغارات الجوية الإسرائيلية على مخيم جباليا للاجئين فى قطاع غزة إلى جرائم حرب، فيما أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش.

اقرأ ايضاً | القسام تقصف آليات الاحتلال ببيت لاهيا:وول ستريت جورنال: ترسانة حماس أصبحت أكثر فتكًا

عن شعوره «بالصدمة» من مجزرة مخيم جباليا  وكتب مكتب المفوض السامى لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على منصة إكس: «نظراً إلى العدد الكبير من الضحايا المدنيين وحجم الدمار فى أعقاب الغارات الجوية الإسرائيلية على مخيم جباليا للاجئين، لدينا مخاوف جدية من أن تكون هذه هجمات غير متناسبة يمكن أن ترقى إلى مستوى جرائم حرب».

كما دعت جماعة حقوق فلسطينية المحكمة الجنائية الدولية فى لاهاى الاربعاء  الماضى الى التحقيق مع إسرائيل بشأن ارتكاب جرائم حرب أثناء هجومها المستمر منذ 7 أكتوبر فى قطاع غزة وقالت مى صبحى الخنساء المحامية إنهم يستخدمون أسلحة إرهابية فى ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وسلمت الخنساء مسؤولين بالمحكمة الجنائية الدولية مذكرة تقع فى 25 صفحة تدعو المحكمة إلى التوجه إلى غزة والتحقيق فى موت وإصابة وآلاف الفلسطينيين وبينهم نساء وأطفال وامتنع مسؤولو المحكمة الجنائية الدولية عن التعقيب على المذكرة أو قول ما اذا كانت المحكمة سترد عليها

والمحكمة الجنائية الدولية التى يقع مقرها فى لاهاى تم تشكيلها فى عام 2000 للتحقيق ومحاكمة جرائم الحرب كما وثقت منظمة العفو الدولية ارتكاب القوات الإسرائيلية هجمات غير قانونية، من بينها غارات عشوائية، تسببت فى سقوط أعداد كبيرة فى صفوف المدنيين، ويجب التحقيق فيها على أنها جرائم حرب ومنذ 7 أكتوبر الماضي، يشن الجيش الإسرائيلى غارات جوية على الأحياء السكنية فى قطاع غزة أحدثت دماراً هائلاً، قتل خلالها أكثر من ٩٤٨٨ شهيداً، بينهم ٣٩٠٠ طفلاً، وإصابة 22219 و٢٢٥٠ مازالوا تحت الأنقاد منهم ١٢٢٠ طفلا، كما قتل 126 فلسطينياً واعتقل نحو 2000 فى الضفة الغربية، حسب مصادر فلسطينية رسمية فى الاسبوع الماضى، استهدفت الطائرات الإسرائيلية مربعا سكنيا فى مخيم جباليا للاجئين شمالى قطاع غزة، بستة صواريخ يزن كل واحد منها طنا من المتفجرات، مخلفة دمارا واسعا وعشرات القتلى والمصابين، وعدد كبير من المفقودين تحت الأنقاض. وتعهدت إسرائيل بسحق قدرة حماس على حكم غزة أو تهديدها، فى حين قالت أيضا إنها لا تخطط لإعادة احتلال المنطقة التى سحبت جنودها ومستوطنيها منها فى عام 2005. لكنها لم تذكر الكثير عن من سيحكم غزة بعد ذلك.

وطردت حماس قوات السلطة الفلسطينية من غزة خلال أسبوع من القتال العنيف عام 2007، تاركة لها سلطة محدودة على أجزاء من الضفة الغربية التى تحتلها إسرائيل. وانخفض الدعم الفلسطينى للرئيس محمود عباس منذ ذلك الحين،. وقال المكتب الإعلامى لحكومة حماس فى غزة، أن الهجمات الإسرائيلية على مخيم جباليا للاجئين يومى الثلاثاء والأربعاء تسببت فى استشهاد 195 فلسطينيا على الأقل، فيما لا يزال هناك 120 شخصا ما زالوا فى عداد المفقودين تحت الأنقاض، كما أصيب 777 آخرون على الأقل.

وحذرت وكالات الإغاثة الإنسانية من أن انقطاع التيار الكهربائى يعطل عملها بشدة فى ظل الوضع السيئ بالفعل فى غزة. وقد شرد أكثر من نصف السكان الفلسطينيين البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، وبدأت الإمدادات الأساسية فى التناقص بعد مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على الحرب،  رغم ذلك، التزمت الحكومات الصمت إلى حد كبير بخصوص الدور الحاسم ل «المحكمة الجنائية الدولية»، الكيان الدولى الوحيد المكلف بالفعل بتحقيق العدالة غير المتحيزة، بحسب «هيومن رايتس ووتش».

ليست كل الدول أعضاء فى المحكمة الجنائية الدولية، والأزمات التى تتسم بالانتهاكات الجسيمة غالبا تكون خارج اختصاصها. إسرائيل ليست عضوا، لكن دولة فلسطين عضو. يحقق مكتب المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية فى الجرائم الخطيرة المزعومة هناك منذ 2021. فى 10 أكتوبر، أشارت «لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالأرض الفلسطينية المحتلّة، بما فى ذلك القدس الشرقية، وإسرائيل» إلى وجود «أدلة واضحة» على جرائم حرب فى إسرائيل وغزة وأنها ستتقاسم المعلومات مع السلطات القضائية المعنية، وخاصة المحكمة الجنائية الدولية.

برغم ذلك تقول «هيومن رايتس ووتش» أنها على علم بأن ثلاث دول فقط أعضاء فى المحكمة الجنائية الدولية، ليختنشتاين وسويسرا وجنوب أفريقيا، أصدرت بيانات واضحة تشير إلى المحكمة الجنائية الدولية والأعمال العدائية الحالية. أشار وزير خارجية أيرلندا إلى دور المحكمة فى تصريحات إعلامية. أما بالنسبة للدول الأخرى، يبدو أن المحكمة الجنائية الدولية قد تكون بمثابة الآلية القضائية غير المرئية فى مجمل المشهد.

وتتناقض الاستجابة حتى الآن بشكل صارخ مع الاستجابة فى الأزمات الأخرى، بما فيها أوكرانيا، وهى ليست دولة عضو فى المحكمة الجنائية الدولية. فبعد الغزو الروسى الشامل فى فبراير 2022، تحدث المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية عن الدور الحاسم للمحكمة، وطلب منه عدد غير مسبوق من الدول الأعضاء فى المحكمة الجنائية الدولية، معظمها أوروبية، فتح تحقيق فى أوكرانيا. حتى الولايات المتحدة، وهى أيضا ليست دولة عضو فى المحكمة الجنائية الدولية، أعربت عن دعمها القوى لدور المحكمة الجنائية الدولية فى أوكرانيا.

لم يُصدر المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية بيانا عاما استباقيا يذكّر فيه إسرائيل والجماعات المسلحة الفلسطينية بالتزاماتها بموجب القانون الدولى وبولاية المحكمة بالتحقيق فى أفعالها. هناك حاجة ماسة لصوت المحكمة للمساعدة فى منع مزيد من الفظائع الجماعية. ازدواجية المعايير فى وصول الضحايا إلى المساءلة أمر غير مقبول. فى 26 أكتوبر، وبعد استخدام الولايات المتحدة حق النقض ضد قرار «مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة»، ستعقد «الجمعية العامة للأمم المتحدة» جلسة استثنائية طارئة للنظر فى الأعمال العدائية الحالية. فهل ستستغل الدول تلك اللحظة لرفع أصواتها لصالح العدالة؟.