بين الشاي والقهوة.. قصة رحلة تبادل ثقافي صنعها مواطن من فلسطين للصين

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

في ظل التبادلات الودية بين الصين والدول العربية، بدأ المزيد من العرب الذهاب إلى الصين للدراسة أو العمل حاملين في قلوبهم تتوقهم للثقافة الصينية ورغبتهم في استكشاف الصين بصفتها دولة شرقية وساحرة، ليكتبوا قصصهم الخاصة في آراضي الصين الشاسعة اليوم، نقدم لكم عبد الكريم القادم من فلسطين، والبالغ من العمر 65 عامًا، وكان يعيش في الصين منذ 44 عامًا، والآن نعرفكم اليوم بحياته السعيدة والرائعة في الصين.


ووفقا لتقرير "CGTN" العربية فإنه في عام 1979 ذهب عبد الكريم من مسقط رأسه في فلسطين إلى الصين الساحرة بعد قطع آلاف الأميال مدفوعا برغبته في طلب العلم وبشوقه لهذه الأرض وبدأ دراسة اللغة الصينية في جامعة بكين.

كان وقت شباب عبد الكريم إثر وصوله إلى الصين يتزامن مع التطور المذهل والتغير الكبير التي شهدهما الكريم في هذا البلد العريق، فتعجب بسرعة هذه التطورات التي طرأت في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية بالصين وتأثر تأثرا كثيرًا باجتهاد الشعب الصيني وحماسته وتمسكه بقوته الذاتية، أما الثقافة الصينية ذات التنوعات العديدة والمضامين الاجتماعية الغنية كانت كنزًا أراد عبد الكريم استكشافه. لذلك قرر أن يمارس بالأعمال التجارية في هذه الأرض، وأنشأ علامته التجارية للقهوة.

قال عبد الكريم، "الطعام والشرب من العلامات الفارقة بين الشعوب، الصينيون يتفاخرون بالشاي وقاموا بنشر الشاي حول العالم عبر طريق الحرير لذلك الشاي صناعة صينية باحتراف، وكذلك العرب يتفاخرون بالقهوة فهي صناعة عربية بامتياز، بدأت صناعة القهوة في اليمن وبعد ذلك انتشرت بين الدول في بلاد الشام وتركيا وغيرها من الدول."


ووفقا لتقرير "CGTN" العربية ينبع اسم قهوة "دالين" من جزيرة صغيرة في شبه الجزيرة العربية مشهورة بإنتاج حبوب البن. يأمل عبد الكريم في أن يتذوق المزيد من الصينيين النكهة الساحرة الفريدة في الدول العربية من خلال فن القهوة العربية ففتح مقهاه في مجمع السفارات في شارع سانليتون بشمالي بكين عاصمة الصين، حيث ترفرف في هذه المنطقة أعلام وطنية متنوعة، وأشاد به الضيوف الصينيون والأجانب لقيامه ببناء "طريق الحرير" الجديد بواسطة ثقافة القهوة.

في حديثه عن المقهى، قال لنا عبد الكريم بفخر، "على الرغم من صغر مساحة مقهى "دارين" الا أنه كان يوحي الى الثقافة العربية، وكان يحتوي على بعض اللمسات الصينية" كان السيد لي هوا ضيفا يذهب إلى المقهى دائما الضيف الزائر الدائم  للمقهى، التقى عبد الكريم به لأول مرة بعد ظهر يوم ممطر، حيث جاء لي هوا إلى المقهى ليختبأ من المطر وأعدّ عبد الكريم له فنجانًا من القهوة العربية بكل ود، ومنذ الوقت بدأت صداقتهما ورأى سيد لي، "أن هذا المقهى ليس مكانًا  لتذوق القهوة والطعام فحسب، بل أنه مكان مفعم بالعناصر الثقافية أيضًا، يربط الصداقة بين الصين وفلسطين".

يقدم عبد الكريم دائما الثقافة والتقاليد العربية لصديقه لي هوا الذي يقدم بالعكس لعبد الكريم تاريخ الصين وثقافتها والرموز الصينية. ولدى لو هوا هوايات متنوعة غنية، يحرص على السفر والتصوير والكتابة بالخط الصيني إنه لا يتقاسم مع عبد كريم أعماله في التصوير الفوتوغرافي خلال رحلته فحسب بل أهدى له أعماله التي ترك فيها خطه الصيني " الصداقة والسلام". هذا لا يمثل الصداقة العميقة بينهما فحسب بل يُعدّ رمزًا للصداقة بين الصين وفلسطين.

من خلال التبادل مع لي هوا انجذب عبد الكريم بشدة للسحر الفريد للخط الصيني وصار شديد الحرص على تعلمه، فلم يتعلم الكتابة بالخطوط الصينية المختلفة فحسب بل يبحث بعمق الفلسفة والجمالية الكامنة وراء الخط الصيني.

أقام عبد الكريم ذات مرة معرضًا للخط الصيني التقليدي في المقهى، ودعا الخطّاط الصيني الشهير وانغ تشي يوان لعرض أعماله المكتوبة بالخطوط الصينية المختلفة استقطب المعرض العديد من محبي الفنون والفنانين حيث ناقشوا مع عبد الكريم حول روعة الاندماج بين الخط الصيني مع الثقافة العربية.

إضافة الى ذلك، يتعرف عبد الكريم تدريجيا على ثقافة الطعام والشراب الصينية ويحبها أثناء التواصل مع المزيد من الناس حيث يعجب بشدة بالذوق الفريد للأطباق الصينية وطرق اعدادها كما يتأثر بها كثيرا يحب عبد الكريم الطعام الصيني الشهي، وأخبرنا أنه قد أصبح الطعام الصيني جزءا لا يتجزأ من حياته بعد قضاء سنوات عديدة في الصين.

قال عبد الكريم، " يعتبر المطبخ الصيني من المطابخ الغنية بسبب تنوعه وتنوع المواد الاولية فيه وطرق الطبخ فيه، وذلك بسبب المساحة الكبيرة للصين وتنوع عادات والتقاليد المدن فيها".

ان السيد ليو تاو خبير لفن الطعام يتردد دائما على مقهى عبد الكريم. ذات مرة تذوق ليو تاو وجبة من أطباق الشرق الأوسط من اعداد عبد الكريم، تشمل الكباب وسلطة الزيتون والخبز المحمص بعد أن تذوق كل نوع من تلك الأطعمة شعر فعلا باختلاف النكهات المتميزة، وتعجب كثيرًا بمهارة عبد الكريم وأثنى عليه.

قال سيد ليو، "صمم عبد الكريم أطباقه بطريقة متميزة وحافلة بالنكهات الفريدة ومذاق أطعمة الدول العربية. إذا أردتَ أن تجاول في تذوق الأطعمة العربية، فتوفّر أطباق عبد الكريم لك شعورا وتجربة في رحلة مع وجبة لا تُنسى".

بتشجيع من ليو تاو، أعد عبد الكريم نوعا من فطائر اللحوم بنكهة الشرق الأوسط مع الحلويات الفريدة الممزوجة بالقهوة العربية. تحظى الأطباق الشهية في مقهى عبد الكريم بشعبية كبيرة من الزبائن، وأصبح مكانًا فريدًا يدمج ثقافات الأطعمة، ويجذب المزيد من الزبائن لتذوق الأطعمة والتواصل فيما بينهم.

قصة عبد الكريم يشبه كتابا رائعا، إنه جاء إلى الصين من فلسطين البعيدة، وشهد التطورات والتغيرات في هذا البلد، وبذل جهوده لتعميق التبادلات الودية بين الصين وفلسطين. و فتح مكانا  ثقافيا فريدا من خلال اعداد كل فنجان من القهوة من أجل دمج ثقافتي البلدين، مما جعل الناس يشعرون بالدفء والمودة العابرة الحدود.

حسب ما قال عبد الكريم، " تعتبر الثقافة العربية الصينية ثقافتين مكملات لبعضهم البعض، فهنالك كثير من الامور المشتركة بين الثقافتين، على سبيل المثال بر الوالدين وطاعة الوالدين، والعلاقات الاسرية مترابطة كذلك فمثلا في عيد الربيع الصيني تجتمع الاسرة معا، وعلى النقل تجتمع الاسر العربية في شهر رمضان كذلك. هنالك اختلاف بين الثقافة الصينية والعربية، تعتبر الثقافة العربية ثقافة شفهية نقلت إلينا عبر الشعر وغيرها من الاساليب، بينما الثقافة الصينية ثقافة تسجيلية نقلت الينا بالتسجيل.بنفس الوقت تميزت الثقافة الصينية بالشعر عبر مختلف الامبراطوريات مثل (لي باي) (سو شو) وشعراء مشهورين أخرين، وكذلك هنالك شعراء عرب عظماء مثل (المتنبي) و ( عنترة العبسي) وغيرهم."

من خلال تعلم الأشعار الصينية، شعر عبد الكريم بالتناغم والتقارب والتبادل بين الثقافات المختلفة، فامتزج شعوره وحبّه هذا في حياته، وأصبح جسرًا للتبادل الثقافي بين الصين وفلسطين. حيث يتمنى أن ينقل الصداقة والتفاهم والاحترام من خلال التعبير الفني للشعر، وضخ المزيد من القوة لتعزيز الروابط العاطفية بين شعبي الصين وفلسطين.
لم تكن القهوة والشعر والكتابة بالخط الصيني جزءا في حياة عبد الكريم فحسب، بل أنها رابطة بين ثقافتي الصين وفلسطين.

شرح عبد الكريم قوة الصداقة بأفعاله، حيث كتب قصيدة عابرة الحدود بفكرته. وأظهر جمال ومودة البلدين من فلسطين إلى الصين في كل جانب من جوانب حياته، ويعمل بجهده وإخلاصه باعتباره "الرسول الثقافي".

خلال أكثر من 30 عامًا، ينشر ثقافة الأطعمة العربية من خلال كل وجبة وكل كوب من القهوة، ويشعر بجاذبية الثقافة الصينية من خلال كل قصيدة صينية وكل رمز صيني يعتاد عبد الكريم على هذا النوع من الحياة ويحبها، كما يأمل في أن يواصل لعب دور "رسول الثقافة" ، لتعزيز التبادل الثقافي بين الصين والدول العربية.