فقدان الأهل ومشاهد الدمار تصيبهم بأمراض نفسية

ما تعرضوا له من ظلم وخذلان سيدفعهم للثأر| أطفال غزة.. مشاريع «انتقام» في المستقبل

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

■ كتبت: علا نافع

تعرض الفلسطينيون وأطفالهم لمآسٍ نفسية لن تمحى من ذاكرتهم بسهولة، فرارهم من منازلهم وصعوبة الحصول على كوب ماء نظيف وانقطاعهم عن العالم بعد فصل الإنترنت والكهرباء يجعلهم في عزلة عن العالم، وفى تقرير نشرته مؤخرًا منظمة اليونيسيف أكدت أن هناك نحو 816 طفلًا تحت سن 18 عامًا فى غزة يحتاجون لدعم نفسي.

لن ينسى أحد أطفال غزة مناظر الدماء السائلة حولهم أو استشهاد أفراد عائلته، المرارة والرغبة فى الانتقام ستسيطر على عقله وقلبه، ستصبح الرغبة فى الشهادة حلمهم الذى يرغبون فى نيله، كيف سيتعاملون مع العالم الذى خذلهم ولم يحرك ساكنًا تجاه جرائم الاحتلال الصهيوني؟ هل سيتحولون لـ«مشروع إرهابي» بحسب تصنيف أمريكا والغرب؟ أم ستكون مقاومتهم بهدف رفع الظلم والمعاناة عن كاهلهم وتحرير أرضهم، من يمكنه أن يحكم على تصرفاتهم والإجابة عن أسئلتهم الحائرة عن سبب السماح للاحتلال بإبادتهم؟

◄ اضطراب ما بعد الصدمة
كان محمد أبو لولي، طفل الخمس سنوات ينام بمنزله نومًا هادئًا، ينتظر حلول النهار ليلعب مع أقرانه فى حيهم المكتظ بالسكان، لا يستطيع تفسير الصراخ من حوله ومناظر الدماء المراقة فى الشوارع، يعجز عقله البكر عن فهم ما يجري، حتى اخترقت أذنيه أصوات الصواريخ والقصف المنهمر على مستشفى المعمداني، فانتفض جسده وباتت ترتجف أطرافه طوال الليل، عيناه سكنها الرعب، صوته عجز عن الخروج، لن ينسى تلك الليلة طيلة حياته، وربما يحاول التخلص منها بأخذ ثأره ممن أصابوه بالخوف والألم.

«كان عايش والله.. وكان يزعق عليا.. يا كمال.. يا كمال.. وبعدين الحجارة كانت فى فمه.. الله يرحمه» كلمات تقطع نياط القلب أطلقها الطفل الفلسطينى كمال أبى طير واصفًا استشهاد شقيقيه تحت ركام منزلهم بمدينة خان يونس إثر قصف جوى شديد، ساوره الأمل فى أن يظل أشقاؤه على قيد الحياة، رافضًا تصديق فكرة موتهم، الأطباء وصفوا حالته بـ«اضطراب ما بعد الصدمة»، وعادة ما يستغرق شهورًا وأحيانًا سنوات لعلاجه.

أما «هيا» صاحبة الثمانى سنوات فكتبت وصيتها قبل أن تباغتها قذائف طائرات الاحتلال، فأوصت بألعابها المفضلة لصديقاتها، أما مالها المدّخر فيوزع ما بين والدتها وأقاربها، كما أوصت بتوزيع ملابسها لبنات عمها إذا تبقى منها شيء، أما أحذيتها فأوصت بالتبرع بها للفقراء والمساكين.

◄ صدمات نفسية
يقول الدكتور جمال فرويز، استشارى الطب النفسي: «بالطبع تؤثر مناظر الدماء والقتل المروع فى نفسية الأطفال مدة ليست بالقليلة، قد تصل لأكثر من ستة شهور متصلة، فالأطفال لا يمتلكون الأدوات اللازمة للدفاع عن أنفسهم، ويصابون بنوبات من الاكتئاب الحاد خاصة عند فقدان أحد ذويهم ولا يمكن علاجها بسهولة»، مشيرًا إلى أن أغلبهم يعانى اضطراب ما بعد الصدمة الذى تتمثل أعراضه فى الابتعاد عن الأماكن أو الأشخاص المرتبطة بمشاهد الحرب، بخلاف تقلبات المزاج وعدم القدرة على النوم بشكل منتظم.

فيما يقول الدكتور أحمد نوح، الخبير النفسي: «الصدمة النفسية التى تخلفها الحروب تختلف من طفل لآخر لكن عمومًا يولد بداخلهم إحساس بالقهر والعجز قد يترجم بعد ذلك لمقاومة الاحتلال بشتى الطرق والرغبة فى الثأر للشعور بالانتصار ورد الكرامة، والأهم أن أغلبهم لا يخاف الحياة بل ينتظرون الشهادة فى سبيل الوطن، واللافت أن الأمهات يربين أطفالهن على المقاومة وتعظيم دور المقاومين حتى أنهن يطلقن على أبنائهن نفس الأسماء»، مؤكدًا أن شعور الأطفال بالخذلان والرفض من قبل الدول الغربية ينمى بداخلهم الرغبة فى إثبات شرعية مقاومتهم.

◄ نواة المقاومة
فى السياق، يقول الدكتور محمد عيد، أستاذ الفلسفة السياسية: «سلطات الاحتلال تعلم أن أطفال غزة هم نواة المقاومة فى المستقبل، لذا تعمد إلى تصفيتهم جسديًا أو الضغط على ذويهم بالتهجير من القطاع أو قصف منازلهم بوحشية، وهذا بدوره يؤجج نار الثأر بداخل الطفل لشعوره بالظلم وقد يصل لحالة من العداء والكراهية وهما أبرز أشكال التطرف الفكرى ضد الغرب»، مشيرًا إلى أن دعم الولايات المتحدة غير المشروط للاحتلال وتخاذل المجتمع الدولى عن إيجاد حل عادل للقضية يدفع الكثير من الشباب العربى لتبنى فكرة الجهاد لتحرير فلسطين بالقوة.