حازم نصر يكتب: ورحل اللواء محمود ياسين   

الكاتب الصحفي حازم نصر
الكاتب الصحفي حازم نصر

نموذج مشرف لرجل الأمن المصري المتسم بالنزاهة والصرامة والمثابرة والجسارة والقدرة على التعامل الحاسم مع كل القضايا التي كان يتصور البعض أنه يمكن تجاوزها قناعة منه بأن معظم النار من مستصغر الشرر .

نجح نجاحا كبيرا في كل المواقع التي شغلها وتوجت بتعيينه مديرا لأمن الدقهلية ومديرا لأمن الجيزة ومساعدا لوزير الداخلية .

وبعد انتهاء رسالته الأمنية ببلوغه السن القانونية تم تعيينه نائبا لمحافظ القاهرة للمنطقة الغربية  وظل الرجل على نهجه في موقعه الجديد متسما بالنزاهة والقدرة على اتخاذ القرار واضعا نصب عينيه الصالح العام فوق كل اعتبار .

وعندما وقع حادث صخرة الدويقة الشهير عام 2008 وراح ضحيته عدد من المواطنين البسطاء وتم تقديمه للمحاكمة واجه الموقف بشجاعة ورباطة جأش وبرأه القضاء عندما قدم الرجل ما يفيد اتخاذه كل الإجراءات وطلبه تخصيص 2500 وحدة سكنية لقاطني المنطقة المنكوبة قبل الحادث ..وأذكر وقتها قولته الشهيرة لي :
"لقد سقطت الصخرة على رأسي" وكم كان حزينا على الضحايا ومتعاطفا مع أسرهم .

لم يتوقف عطاء الرجل بعد ذلك بل ظل يساهم في العمل العام ويسخر وقته في خدمة الجميع حتى لقي ربه راضيا مرضيا منذ ساعات .

اللواء محمود ياسين إبراهيم .

ترجع معرفتي بالرجل إلى ثلاثين عاما مضت عندما تم تعيينه مديرا لأمن الدقهلية.. شعر كل أبناء الدقهلية وقتها بجهوده وأصبح رجل الشارع يعرف من هو مدير الأمن حيث كان ينزل للشارع يوميا يتابع بنفسه الحركة المرورية وإشغالات الشارع ويستمع لمطالب المواطنين وشكواهم جنبا لجنب بجانب مهامه الجسام .. ولا زال رجل الشارع بالدقهلية الذي عاصره عندما يجد فوضى مرورية بالمنصورة يبادرني بالقول :
"فين أيام محمود ياسين"

توطدت علاقتي بالرجل ولم تنقطع لقاءاتنا ولا اتصالاتنا اليومية وواجه كل المواقف الحرجة ومن بينها إحدى محاولات إشعال الفتنة الطائفية بمنتهى الحسم ثم عالج جذور المشكلة حتى لا تظل النار تحت الرماد ..وخلال تلك العلاقة اكتشفت صداقته بشقيقي الأكبر المرحوم المستشار عبد المطلب رئيس محكمة جنايات الإسكندرية الأسبق ومحافظ الدقهلية والمنيا الأسبق الصديق العزيز اللواء سمير سلام متعه الله بالصحة والعافية حيث يمثل نموذجا فريدا لرجل الأمن والإدارة في آن واحد .

وعندما تم تعيين ياسين مساعدا للوزير لمنطقة شرق الدلتا كان هناك لقاء يجمعنا بحضور المحافظ الراحل العظيم اللواء فخر الدين خالد ورئيس جامعة المنصورة وقتها العالم الكبير الدكتور أحمد أمين حمزه والصديق العزيز اللواء دكتور أحمد عبد الرحيم رئيس مجلس إدارة أكاديمية الشروق الحالي والراحلين الكريمين اللواء محمد صادق أبو النور مساعد أول وزير الداخلية الأسبق واللواء حمدي راشد نائب رئيس هيئة الرقابة الإدارية الأسبق .

لا أنسى تلك الحوارات التي كانت تتسم بالعمق والحكمة والرشد  ..كانوا جميعا رجال يشغلهم صالح هذا الوطن وكانت انحيازاتهم جميعا للمواطن البسيط .

ثم توطدت علاقة عالم مصر الكبير الدكتور محمد غنيم مؤسس مركز الكلى والمسالك البولية ورائد زراعة الكلى بالشرق الأوسط حتى تحولت إلى صلة مصاهرة بعدها عندما تزوج المهندس أحمد ياسين من ابنة عالم مصر الكبير وأذكر وقتها أن جميع مراسم الخطوبة والزواج كانت نموذجا للبساطة والرقي دون إسراف أو ضجيج .

ولا أنسى تقليد حرص عليه الراحل الكبير وهو الإفطار الرمضاني السنوي في منزله حيث كانت دعوته السنوية وحرصنا على تلبيتها  والتوجه  للاسكندرية بصحبة أخوي العزيزين  العالم والطبيب  الدكتور محمد عبد الوهاب رئيس فريق زراعة الكبد بجامعة المنصورة والمهندس الشاعر مصطفى السعدني وكيل وزارة الثقافة الأسبق ولاننسى  كرمه وحرمه الغالية في كل زيارة لهما فكنا نشعر دائما أننا أصحاب بيت ولسنا  ضيوفا .

حديث الذكريات عن الراحل الكبير ذو شجون ولا ينتهي ..ولكن أمام قضاء الله لا نملك سوى التسليم به  وندعوا لفقيدنا الغالي  بالرحمة والمغفرة وأن يتغمده الله بواسع رحمته ويسكنه الفردوس الأعلى من الجنة جزاء ماقدم على مدار أكثر من أربعين عاما من العمل الجاد والمخلص الذي كان لا يبتغي به سوى وجه الله والوطن .

وإنا لله وإنا إليه راجعون .