« بائع الملوخية » قصة قصيرة للكاتب إبراهيم الديب

الكاتب إبراهيم الديب
الكاتب إبراهيم الديب

شاب سلوكه مضطرب يتحرك بصورة مبالغ فيها وغير طبيعية، عينه الشمال تفتح وتغلق أكثر من مائة مرة في الدقيقة الواحدة، أمره مريب بعض الشيء.

يركب دراجة قديمة يحمل عليها مجموعة حزم من الملوخية يتجول بها في الطرقات من أجل بيعها والارتزاق منها رغبة في تحقيق بعض الربح.

 

نادته إحدى النساء أثناء صراخه المتواصل في إعلانه عن الملوخية واصفاً بضاعته بأجمل  الصفات، كان الوقت منتصف نهار شهر أغسطس شديد الحرارة وهذا أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت المرأة تنادي على الشاب رغبة نفسية مشتركة أن تجبر خاطره بعملية شراء حزمة ملوخية لتطهيها مع الأرنب تحقيقا في نفس الوقت رغبة زوجها الذي يعشق تناول الملوخية بالأرانب، وبعد أن تدلت سلتها المعلقة بحبل وتحمل بداخلها الملوخية والذي لا تكف  هذه  السلة عن الصعود والهبوط من البلكونة لأسفل الشارع والعكس، وهذا الاختراع أعتقد أن براءته مسجلة باسم نساء مصر.

 

في رحلة هبوط السلة للبائع كان بداخلها ورقة بمائتي جنيها، وضعتها ليأخذ منها البائع العشر جنيهات ثمن حزمة الملوخية ثم يعيد الباقي مائة وتسعين جنية مصري فقط لا غير، كما نقرأ أرقام النقود دائماً ولكن السلة في رحلة الصعود مرة أخرى إلى البلكونة لم تحتو على باقي المبلغ، ثم أنطلق البائع بالدراجة وهو ينظر لها من أسفل  بتوتر واضطراب، وعينه الشمال أصبحت تغلق وتفتح بصورة هيستيرية أكثر من ذي قبل أن يقول: ليس معي فكة الآن سأفك وأعود حالا بالباقي لم يعد هناك شك أنه بائع محتال إذا تغاضينا سلوكه الغريب، هيئته وتصرفاته المريبة ونظراته التي تبعده عن الشخص السوي السليم.

 

 هاجمت المرأة أفكار وسيناريوهات كثيرة جميعها ليست في صالحها كلها تصب أن باقي المائتي جنيها طمع فيها بائع الملوخية. وهي كل ما  فى البيت من نقود، وبعد أن تسللت الريبة وأصبحت بسبهها أكثر توتراً واضطرابا، نادت عليه من الطابق الرابع لعل .. لكن صوتها تفرق وتلاشى في الأثير وفضاء الله اللانهائي في اتجاهات الأرض الأربعة،

استمرت في الاستغاثة  فشاهدت زوجها يهم بدخول البيت فقصت له بسرعة ما حدث قصة المائتي جنيها، والملوخية، والأرنب والبائع غير السوى والذى تفتح وتغلق عينه الشمال كثيراً دون سبب واضح ويركب دراجة انطلق الزوج بأقصى سرعة مهرولا خلفه، فشاهده على ناصية شارع جانبي ودراجة ملقاة على الأرض وهناك مجموعة من البلطجية يشبعونه ضربا، وهو فى حالة يرثى لها، تأكد زوجها تماماً أنه الشخص الذي يبحث عنه فنظر لعينه الشمال فوجدها ساكنة لم تعد تفتح وتغلق، ثم نظر أحد البلطجية للزوج وصاحب المائتي جنيها، وفى عينيه الشر قائلا له وهو يشير باحتقار واستخفاف لبائع الملوخية الذي هو أقرب للجثة الهامدة ملقى على الأرض قريباً من أقدامه وهو يحملق إلى لا شيء باتجاه السماء استخفافا بمن يحدثه  تعرف هذا البنى آدم الوسخ ابن.... ابن.... فأنكر الزوج معرفته بالبائع على الفور خوفا منه وفي ستين داهية المائتي جنيها قالها في نفسه، حتى لا يكون مصيره مثل البائع الذي سكنت عينه الشمال واليمين أيضاً وأصبح أقرب للموت منه الحياة .

الزوج أصبح لديه شغف شديد لماذا يحدث كل ما يشاهده الآن؟ هو صادق في إنكاره معرفة البائع لأنه غريب عن المنطقة، وأيضا من قاموا بضربه ليسوا من سكانها فقال أحد البلطجية متوجها للزوج فى لغة آمرة أخبره وهو يشير على البائع عندما يعود لوعيه مرة أخرى ولم يمت أننا أكرمناه هذه المرة عندما أخذنا منه المائتي جنيها فقط وتركناه حي يرزق، فشكرهم الزوج كثيرا على حسن صنيعهم وكرم ونبل أخلاقهم ... ثم أردف نفس الشخص أيضا وهو يشير للبائع  مرة أخرى لم يعد إلا هذا الأهطل ابن.... ابن.... ينصب علينا- هنا فهم الزوج أن بين بائع الملوخية وبين البلطجية حسابات قديمة يصفونها معه وقد خصمت منه المائتي جنيها  الخاصة به من هذا الحساب القديم –

فأشار الزوج برأسه أنه سيفعل عندما يعود لوعيه بعد أن فشل أن يثبت لهم أن المائتين ملكه هو بعد أعطتها زوجته للبائع لتشتري بعشرة جنيه ملوخية تطبخها على الأرنب وأن البائع كان فى طريقه لكى يفكها ولكنهم عثروا عليه قبل أن يفعل، لم يأبه لحديثه أحد منهم أو يعيره اهتماما قبل أن ينطلقوا مسرعين على الموتوسيكلات الصيني من حيث أتوا وهذا الحيث الذى أتوا منه  لا يعرفه، ولا يعلم مكانه على الخريطة بالضبط ، بعد أن حملوا معهم ما تبقى مع البائع الغارق في دمائه على الدراجة  من حزم الملوخية.