رحيق السطور

«ماريو» وحياة الصوفي الكبير

رواية «ماريو وأبو العباس»
رواية «ماريو وأبو العباس»

في لغة سابحة في أنهار الوجد الصوفي تدور أحداث رواية «ماريو وأبو العباس» للأديبة المتميزة د.ريم بسيوني.

تجرى أحداث الرواية فى فترتين زمنيتين مختلفتين، بين عصر المتصوف «أبو العباس المرسي»، وعصر المصمم المعماري الإيطالي «ماريو روسي»، وعلى الرغم من الفجوة الزمنية الكبيرة بين الشخصيتين، إلا أن الرواية تقدم رؤية متعمقة حول حياة كل منهما، وتسلط الضوء على العلاقة المميزة التي تربطهما، كما تحتفى الرواية بسرد المحطات المهمة فى حياة كل منهما، وعلاقتها بعددٍ من الشخصيات الصوفية التاريخية.

حاولت «ريم» بلغة سرد مليئة بالحكم والأقوال الصوفية استكشاف رحيل «أبو العباس المرسي» من «مرسيه» في «الأندلس» كرهاً إلى الإسكندرية، ومعاناة أسرته التى أجُبرت على الرحيل من المدينة، وقد حكى المهندس «ماريو» تفاصيل حياة «المرسى»، وجاء على لسانه وهو يروى أمام «كريستينا» الإيطالية التى هاجرت إلى أستراليا فى ستينيات القرن الماضى ويبدو تأثره بصوفية «المرسى»: «لو كنت تتساءلين عن حالى فقد تعلمت أن الفراق مجبول بالألم ، ولابد منه فى كل حال، جسد يفترق عن روح، حبيب عن حبيبه، رسام عن أوراقه وقلمه ، ما نتعلق به نفارقه لأننا نظن -برهة- أننا امتلكنا ولم نتملك ، وأننا قدرنا ـ ولم  نقدر . كل  شيء لك فى الدنيا حق انتفاع لا أكثر» 
وعن معاناة «المرسى» يروى «ماريو» على لسانه: «ها أنا أحُمل من مدينة إلى مدينة.. من «مرسية» إلى «القيروان» إلى «الإسكندرية»، والغم لا يتركني، أحمل غربتى ووحدتى لا أكثر ، مات بداخلى الوطن، وأنا أدرك أنه لن يُبعث ، فلا فرصة ثانية ولا توبة هنا.»

ومصادفة يتعرف على القطب الكبير الشيخ «الشاذلي»، ويذهب معه إلى المنصورة ليناضل ضد الغزو الفرنسى ، ومصادفة كاد أن يُقتل لكن محارباً  شجاعاً أنقذه ، ويتصادف أنه امرأة اسمها «لطيفة»، فوقعت فى قلبه عشقاً واختفت، وظل متعلقاً بها، ويبحث عنها ،ومصادفة أخرى يتبين إنها ابنة الشيخ «الشاذلى، وقد أغُرمت به، ويتزوجها عن رضا وقناعة، وتتوطد علاقته بالشيخ «الشاذلى» حتى إنه أوصى به شيخًا حال موته ، وهنا تبدأ المنغصات فى حياة «المرسى»، حيث الحقد على منزلته وكما يقول هو: «أما أنا فعادانى صديق وعادانى عدو، بعض الفقهاء والقضاة أصبح همهم هو -أحمد أبو العباس المرسى-، وخروجه من مصر، وصديقى عبد البارى كان عداؤه أخطر، وأشد قسوة على نفسى».
  وتسبب ذلك العداء فى منع «المرسي» من الذهاب إلى مسجده فى العطارين حيث كان يلقى دروسه مع شيخه ،وأوقفوا حرسًا لمنعه بأوامر من «متولى الإسكندرية»، وقالوا «المرسى» لا مكان له فى الإسكندرية ، فليرحل إلى بلاده، ويحررها من الفرنجة إذا استطاع، وكابد «المرسى» العديد من المشقات الحياتية من الأصدقاء والأعداء بالحسد والغيرة.
   لكن «المرسى» تمسك بالبقاء بالإسكندرية، وذهب إلى مسجد العطارين وفتح أبوابه له، ولم يستطع  «عبد البارى» أن يمنع الناس من الاستماع إليه. الصدق يتخلل كل الصخور على ما يبدو، من ينجذب إلى «عبد البارى» غير من ينجذب لأبى العباس، ومن يتفكر فى كرامات الشيوخ يجد «أبا العباس» يدعو إلى معرفة النفس والله، ويرى فى اليقين أكبر الكرامات. البعض تخيفه الكلمات، وتزعج اعتقاده الراسخ وطريقه السهل، والبعض يجد فيها ما يبحث عنه، ومن يحضر درس «أبى العباس»، ولو مرة تلوح الطمأنينة حوله ولو ساعة.

ومما حكاه «ماريو» «كان السلطان «بيبرس» قد قرر الخروج إلى الشام للحرب، فبعث رسالة أخيرة إلى الشيخ «أبى العباس» أن يصبح هو شيخ السلطان، فرفض الشيخ فى أدبٍ.
الرواية صدرت عن دار نهضة مصر.