يوميات الاخبار

أبطال خلف خطوط العدو

حازم نصر
حازم نصر

دفعت به القيادة المصرية لقلب العدو النابض للتمركز قرب مركز أعصابه لعد حركاته وسكناته.. حمل والأبطال أرواحهم على أكفِّهم لأجل أن تحيا مصر.

واهتزت جدران مسجد قريتنا
خمسون عامًا مرَّت على تلك اللحظات التى امتزجت فيها مشاعر الفخر والاعتزاز بالنشوة والفرحة التى لم يسبق لأى مصرى أن شعر بها.. تلك اللحظات التى أصبحت منقوشة على جدران الخلود.
منتصف نهار العاشر من رمضان ولى وبدأت بيوت قريتنا تستعد للإفطار ورائحة الطعام الذى يتم إعداده تنبعث لتعلن عن اقتراب انطلاق مدفع الإفطار.


كنت طالبا بالمرحلة الإعدادية وأسير بأحد شوارع القرية عائدا لمنزلنا ففوجئت بصيحات «الله أكبر» تنطلق فى كل شوارع القرية وأزقتها وحواريها وزغاريد نسوتها وفتياتها تختلط مع الهتاف الخالد «الله أكبر».
أسرعت الخطى لأستبين الأمر.. وجدت والدى وعددا من الجيران يتحلقون حول المذياع فى حجرة الاستقبال الفسيحة بمنزلنا وتكاد قلوبهم تتوقف وهم ينتظرون على أحر من الجمر بيانات القوات المسلحة التالية للبيان الأول الذى كان قد أذيع الساعة الثانية وعشر دقائق وجاء فيه:
هنا القاهرة
جاءنا الآن البيان التالى من القيادة العامة للقوات المسلحة:
قام العدو فى الساعة 1:30 من بعد ظهر اليوم بمهاجمة قواتنا بمنطقتى الزعفرانة والسخنة فى خليج السويس بواسطة عدة تشكيلات من قواته الجوية عندما كانت بعض من زوارقه البحرية تقترب من الساحل الغربى للخليج وتقوم قواتنا حاليا بالتصدى للقوات المغيرة.. هنا القاهرة.


ثم تعاقبت إذاعة البيانات.. انطلق مدفع الإفطار والكل لا يزال متحلقا حول المذياع.. لا أحد يريد أن تمتد يده للطعام فالكل يود لو استطاع أن يحمل الطعام الذى أمامه ليكون مع الأبطال على الجبهة يشد من أزرهم ويطمئن على تناولهم الإفطار ليواصلوا معركتهم المقدسة لتحرير الأرض واسترداد الكرامة.
جاء البيان الخامس الذى تضاعفت معه الفرحة وزاد التهليل والتكبير بعدما حمل بشرى عبور الأبطال إلى الضفة الشرقية للقناة ورفع علم مصر عليها وجاء فيه:
نجحت قواتنا فى اقتحام قناة السويس فى قطاعات عديدة واستولت على نقط العدو القوية بها ورفع علم مصر على الضفة الشرقية للقناة.. كما قامت القوات المسلحة السورية باقتحام مواقع العدو فى مواجهتها وحققت نجاحًا مماثلًا فى قطاعات مختلفة.


هذا عن يوم السادس من أكتوبر الذى سيظل أعظم أيام تاريخنا المعاصر كما سيظل ملهما للأجيال بعد أن سطر أبطاله جسارتهم فى سجلات التاريخ.
أما عن ليلة السابع من أكتوبر فهى التى لم ينم فيها أحد.. الكل فى انتظار المزيد من البيانات التى كانت تنطق بلسان الصدق والثقة بنصر الله لخير أجناد الأرض.. الجميع يفكر فيما يستطيع تقديمه.
توافق الحضور على التوجه للتبرع بالدم وكذا التبرع للمجهود الحربى كل حسب استطاعته ولو بقروش أو جنيهات قليلة.. كما سارعوا بالتوجه لمنازل الضباط والجنود للشد من أزر أسرهم والاطمئنان عليهم.
لا أنسى طبيبتَى الوحدة الصحية للقرية الشابتين المسيحيتين.. كانت إحداهما خطيبة أحد الأبطال من الضباط على الجبهة وكان الوقت الوحيد الذى تقضيانه خارج استراحتهما بالوحدة بمنزلنا حيث كانتا فى عمر شقيقتى الكبرى وكانت أمى -رحمها الله- ابنة عمدة القرية تكن لهما حبا شديدا وتحرص على أن تعد لهما أفضل أنواع الطعام.. أفراد الأسرة أحاطوهما بود كبير وحرصوا على التخفيف من لهفة وخشية الطبيبة على خطيبها والتى كانت فخورة رغم هذا القلق بمشاركة خطيبها فى القتال.. فالملحمة الوطنية الخالدة اختلطت فيها دماء المصريين جميعا دون تفرقة بين مسلم ومسيحى وعبر الجنود الأقباط جنبا إلى جنب مع الجنود المسلمين مرددين هتاف «الله أكبر».


اقترب أذان الفجر وتوجهنا للمسجد الذى اكتظ بالمصلين وتم لأول مرة فرش الحصير خارجه حيث لم يتخلف أحد عن صلاة فجر ذلك اليوم.
والدى رحمه الله ـ وكان ناظر مدرسة القرية ـ أَمَّ المصلين وارتفعت أكُف الجميع بالدعاء للأبطال لتهتز مع دعواتهم جدران المسجد.. تيقنت وأنا فى هذه السن أن النصر حليف أبطالنا لا محالة وتولدت بداخلى ثقة بأن الله سيستجيب لنا، وانتابنى شعور لم يفارقنى حتى الآن وهو أننا نقف مع أبطالنا على الجبهة فى مواجهة العدو الغاصب.
وتحقق اليقين.. أذهل أبطالنا إسرائيل والعالم.. وحطموا الأسطورة الكاذبة التى كانت تزعم أن الجيش الإسرائيلى لا يهزم.. مسحوا عار الهزيمة وأعادوا لمصر والعرب كرامتهم بعد ست سنوات ثقال من الهزيمة.
خلف خطوط العدو
تواكب العيد الذهبى لانتصارات أكتوبر مع اليوبيل الذهبى لإنشاء جامعة المنصورة فجاءت احتفالات الجامعة بانتصارات أكتوبر بما يليق بالمناسبة الخالدة.
الدكتور شريف خاطر رئيس الجامعة شكَّل لجنة من قيادات الجامعة ورموزها وتمت إقامة عدة فعاليات مبهرة كما تم عقد عدة ندوات بكليات الجامعة تحدث فيها نخبة من أبطال أكتوبر وسوف تتوج بلقاء اللواء دكتور سمير فرج المفكر الاستراتيجى وأحد أبطال النصر مع طلاب الجامعة وأساتذتها مع نهاية أكتوبر.
شرفت بإدارة لقاء الصالون الثقافى للجامعة الذى استضاف اللواء أسامة المندوه أحد أبطال أكتوبر وأول قنصل عام لمصر فى إسرائيل ووكيل أول المخابرات المصرية الأسبق.
اللقاء عقد بقاعة الندوات بكلية الآداب بحضور رئيس الجامعة ونائبه الدكتور محمد عطية والدكتور محمد ربيع ناصر رئيس مجلس أمناء جامعة الدلتا وعمداء الكليات والأساتذة والطلاب وحرص الدكتور محمود الجعيدى عميد الكلية وأساتذتها على الاحتفاء بالضيف والحضور.


البطل النقيب المندوه وقتها دفعت به القيادة المصرية لقلب العدو النابض للتمركز قرب مركز أعصابه لرصد حركاته وسكناته وآلياته توطئة لكشف نواياه بالمعرفة والمعلومات الدقيقة بعيدا عن التخمين.
المهمة التى كانت خلف خطوط العدو وفى قلب تجمعاته حيث مركز القيادة والسيطرة الإسرائيلى الرئيسى فى «أم مرجم» و «مطار المليز» الحربى فى وسط سيناء كان مقررا لها تسعة أيام فقط لكنها امتدت لستة أشهر.. انطلق على رأس «المجموعة لطفى» المحدودة العدد لتضع التحركات الإسرائيلية أمام القيادة المصرية لحظة بلحظة سواء التحركات الجوية أو نشاط العدو فى مركز القيادة والسيطرة ورصدت التحركات الأرضية للعدو على شبكة من الطرق الاستراتيجية أهمها:


«الطريق الأوسط» الذى تندفع عليه الأرتال الإسرائيلية فى اتجه جبهة القتال بطول شاطئ قناة السويس غربا أو العودة إلى الخطوط الخلفية وعمق إسرائيل شرقا.


ويتذكر اللحظات التى تم تكليفه فيها بالمهمة الجسيمة قائلا:
جاءتنى المفاجأة يوم 5 أكتوبر «9 رمضان» أى قبل ساعات من قيام معركة الكرامة التى لم يكن يعلم موعدها إلا عدد محدود من كبار قادة القوات المسلحة.
وأضاف: استدعانى قائد الكتيبة العقيد أركان حرب محمود عبد الله إلى مكتبه وكان من بين ما قاله:
«حِمْل تحرير الأرض ثقيل ولا يتحمله إلا الرجال الأشداء وأنت واحد من هؤلاء الرجال».
واستطرد:
«لدينا مهمة خلف خطوط العدو فى عمق سيناء وتحظى هذه المهمة باهتمام كبير من القيادة.. وتم اختيارك لهذه المهمة الخطيرة يا أسامة».
وبالفعل سطر ومجموعته المحدودة بطولة من أروع البطولات التى قام بها رجال القوات المسلحة.
وعاد مكللا بالفخار يوم 21 مارس 1974 وحرص القائد العام المشير أحمد إسماعيل على استقبالهم بمكتبه وتكريمهم بمنحهم وسام النجمة العسكرية.


وخلال اللقاء سأل النقيب أسامة القائد العام:
كيف تكون مهمتى تسعة أيام وتمتد لستة أشهر؟
فأجابه: كانت لدينا «حنفية معلومات» عن العدو فهل يعقل أن نغلقها ونحن فى أشد الحاجة إليها؟!.. لقد كانت المعلومات التى تصل منكم مفيدة ورائعة نظرا لثقتنا الغالية بكم.
ولا ينسى المندوه دور كل من العريف فتحى عبد الهادى فرد اللاسلكى والشيخ حسب الله الذى كان ينتمى لقبلية الإحيوات بوسط سيناء وكان الدليل لهم طوال المهمة ويؤكد على الدور الوطنى لأبناء سيناء الذين لم يستطع العدو تطويعهم أو استمالتهم للتعاون معه رغم إغراءاته وضغوطه.


مذبحة المستشفى المعمدانى
ستظل وصمة عار فى جبين الكيان الصهيونى الفاقد للضمير والإحساس والإنسانية والأخلاق ولكل تعاليم الرسل والأنبياء.. كما ستظل تلك الجريمة البشعة تلاحقهم وتلاحق كل من يدعم هذا الكيان أو يصمت على جرائمه.
سقطت كل الأقنعة الزائفة للدول التى تدعى التحضر وعجزت حتى عن إدانة الجريمة التى جاوزت المدى.
أما موقف مصر قيادة وشعبا فى دعم الشعب الفلسطينى فقد أخرس كل الألسنة وأثبت أن مصر ستظل على مبادئها فى دعم قضايا أمتها رغم أنف الكائدين.