«مصيبة» قصة قصيرة للكاتب محمد كمال سالم

الكاتب محمد كمال سالم
الكاتب محمد كمال سالم

في المدينة البيزنطية العمل علي قدم وساق، إنشاءات ومبان، وعمل متصل ليل نهار.

العامل رقم ١ : احترسا أيها الزميلان أن يسقط أحدكما، فالجسر لم يكتمل بعد.

العامل رقم ٢: وكأنك تنصب نفسك علينا ريسًا؟!

العامل رقم ٣: دعك منه هذا هو دأبهم،الوصاية علي الناس.

١: احترس لكلماتك، بمن تقصد، هذا هو دأبهم؟!

٣: أنت تعرف لمن تنتمي، وحسبنا تسترنا عليك.

١: تهددني؟! عن أي جريمة اقترفتها تمن عليّ بتخبئتها؟!

٢: لا تبدأوا اليوم بهذا الجدال الأبديّ أرجوكما.

١: هو من بدأ، وهو صاحبك، اسكته إذًا.

العامل رقم ٣ موجهًا كلامه لزميله رقم ٢ : دعك منه، هؤلاء غُسلت أدمغتهم ولا يفقهون.

١: نحن لا نفقه أم أنتم المغيبون كالقطيع؟!

٣: نحن أصحاب الرأي، أنتم أصحاب السمع والطاعة.

١: أي رأي تتكلم عنه؟! صوتك العالي هذا فقط لكونك تتبع الطاغوت القاتل.

٣: الطاغوت القاتل هو من أوجد لك فرصة العمل هذه، هذا التعمير، انظر حولك، ألا ترى؟!

١: ألا تخجل من كلماتك تلك؟! أنا من أُعمرها ببطن خاو وأطفال عرايا ينتظرون عودتي إليهم بالفتات.

٣: مت بغيظك، ما أنتم إلا عصبة خائنة، نصفكم هارب، ونصفكم يختبئ بيننا.

احتد الجدال بينهم، اقتربا وجهًا لوجه، كادا أن يتشابكا.

يتدخل العامل رقم ٢: (يا جماعة صلوا ع النبي) كلنا في الهمٍ سواء، لا ناقة لنا ولا جمل.

١: قلت لك أسكته، لكنك متواطئ معه ضدي اثنان علي واحد.

٢: لا فائدة فيك تجيد الجدال وفقط.

١: وأنتما ماذا تجيدان غير الانبطاح والمذلة ( إلهي ياخدكم ونرتاح منكم سبب البلاوي)

٣: ( ربنا ياخدكم انتوا خونه قسمتم البلد نصين)

يعتركا يتشابكان بالأيدي، يحاول العامل رقم٢ التخليص بينهما، يمر رئيس العمال صائحًا فيهم، يوبخهم:

تفرغا لعملكم، مخصوم نصف يوم لكل منكما.

يتفرق الثلاثة كل في اتجاه، يكملوا عملهم.

أحدهم مازال غاضبًا، يتصرف بعصبية، تتعثر قدماه وكان عند حافة الجسر غير المكتمل، يتكور إلي الهاوية، يسقط لأسفل، سترته الواقية الفوسفورية تتعلق بأحد الأسياخ الحديدية الناتئة مما أمهل أحدهم أن ينبطح علي الأرض يلتقط إحدى يديه المحاولة التشبث بشئ، تسقط خوذته من علي رأسه لأسفل وتتحطم.

أصبح معلقًا في الهواء، يقتله الخوف، شاخصة عيناه بزميله الممسك به، يقول في صوت ممزق كأنه يصدر من عمق قبر فُتح للتو:

(ماتسيبنيش يا خويه)

زميله: (أبدًا ياخويه ما تخافش) يحاول أن يصرخ مستغيثًا، لكنه خائف أن تخور قواه فيسقط صاحبه الممسك به.

ينتبه ثالثهما أخيرًا للأمر علي صرخات صادرة من أسفل الجسر، يعدو سريعًا، ينبطح هو الآخر علي الأرض، يلتقط اليد الأخرى لزميلهما المُعلق بالهواء.

يصرخ الثلاثة رجال في صوت جهوري واحد، أسمع بيزنطا كلها:

(إلحقونااا).