الحرب في الشرق الأوسط تهدد بدفع الاقتصاد العالمي إلى الركود

غزة
غزة

بقلم : معتز زهران

مصر لا يمكن أن تكون جزءًا من أى حل يقضى بنقل الفلسطينيين إلى سيناء

مثل حروب الشرق الأوسط الماضية، فإن الصراع بين إسرائيل و«حماس» الذى اندلع مؤخرا لديه القدرة على تعطيل الاقتصاد العالمي، بل حتى دفعه إلى الركود إذا تم جر مزيد من الدول إليه، حيث يواجه الاقتصاد العالمى قدراً هائلاً من عدم اليقين بسبب الحرب الدائرة فى غزة علاوة على الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا. هذه الصراعات لا تهدد المناطق التى تدور فيها فحسب، بل ربما تؤدى لتآكل الترابط الضعيف الذى لا يزال قائماً بين أكبر الاقتصادات فى العالم.
أشارت وكالة بلومبرج فى تقرير  أخير لها أن هذا الخطر حقيقى مع استعداد إسرائيل لغزو غزة ردا على عملية طوفان الأقصى وهناك مخاوف من أن ينضم للقتال حزب الله فى لبنان وسوريا التى تدعم بعض الفصائل الفلسطينية.
وقالت بلومبرج إن الصراع فى الشرق الأوسط يمكن أن يحدث هزات عبر العالم لأن المنطقة مورد حيوى للطاقة وممر شحن رئيسي، وتعد الحرب العربية الإسرائيلية فى عام 1973، والتى أدت إلى حظر النفط وسنوات من الركود التضخمى فى الاقتصادات الصناعية، أوضح مثال على ذلك.
 وتقول الوكالة، إن الاقتصاد العالمى اليوم يبدو ضعيفاً، فلا يزال يتعافى من نوبة التضخم التى تفاقمت بسبب الغزو الروسى على أوكرانيا العام الماضي، ومن الممكن أن تؤدى حرب أخرى فى منطقة منتجة للطاقة إلى إشعال التضخم من جديد، وقد تمتد العواقب الأوسع نطاقاً من تجدد الاضطرابات فى العالم العربي، إلى الانتخابات الرئاسية فى العام المقبل فى الولايات المتحدة، حيث تشكل أسعار البنزين عاملاً أساسياً فى تعزيز معنويات الناخبين.
كل هذه التأثيرات المحتملة تعتمد على كيفية تطور الحرب خلال الأسابيع أو الأشهر المقبلة، ورغم إن الصراع المباشر بين إيران وإسرائيل هو سيناريو منخفض الاحتمال، إلى أنه يمكن أن يكون سبباً لركود عالمي،  ويزيد من ارتفاع أسعار النفط  وانخفاض النمو، ورفع التضخم.
ويقول حسن الحسن، زميل باحث فى المعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية، وفى حالة المواجهة بين إسرائيل وإيران، من المرجح أن تسعى طهران لتفعيل شبكتها الكاملة من الوكلاء والشركاء فى سوريا والعراق واليمن والبحرين». وأضاف «سيكون لديها قائمة طويلة من الأهداف الغربية الصعبة والسهلة فى المنطقة للاختيار من بينها.
ومع وصول نحو خُمس إمدادات النفط العالمية من منطقة الخليج، فإن أسعار النفط سترتفع بشكل كبير. يصل إلى 150 دولاراً للبرميل.
والشيء الوحيد المؤكد هو أن الآمال فى شرق أوسط أكثر استقراراً أصبحت فى حالة يرثى لها، وتواجه المنطقة اليوم حريقا جديداً.

مصر لا يمكن أن تكون جزءًا من أى حل يقضى بنقل الفلسطينيين إلى سيناء

فى هذه الأوقات العصيبة، والأحداث المضطربة فى غزة وإسرائيل، يشهد المجتمع العالمى تذكيرًا مؤثرًا بأن الرخاء الدائم لا يمكن تحقيقه على حساب بؤس الآخرين.
فى مصر، شهدنا دائرة العنف التى سيطرت على الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين لأجيال عديدة.
ورغم التغاضى عن تحذيراتنا السابقة بشأن عدم الاستقرار الناجم عن الافتقار إلى حل سياسى مستدام للإسرائيليين والفلسطينيين، فإن السؤال يظل قائما: كيف إذن يمكننا أن ننظر إلى ما هو أبعد من اللحظة الحالية، ونبنى سلاما عادلا ودائما للجميع؟
بالمنطق السليم، يجب على المجتمع الدولى أن يتفق على دعوة منطقية لتهدئة التصعيد نحو وقف إطلاق النار الذى يضع حدًا لحالة القتال ويسمح بسرعة للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى سكان غزة، الذين حرموا من أى إمكانية الوصول إلى المياه والإمدادات و الكهرباء.
إن دورة العنف تتغذى على مشاعر عميقة بالانتقام، لكن يجب على القادة المسؤولين أن يتذكروا أن التزامات الدول بموجب القانون الدولى والقانون الإنسانى الدولى يجب التمسك بها واحترامها فى جميع الأوقات، وذلك لحماية المدنيين الأبرياء من ويلات الحرب.
على هذا النحو، فإن دعوة إسرائيل لإجلاء أكثر من مليون من سكان غزة ليست غير عملية فحسب، بل تتعارض أيضًا مع هذه الالتزامات القانونية لقوة الاحتلال، ومن شأنها أن تعجل بحدوث كارثة إنسانية. إن دعوة الإخلاء هذه تتحدى أيضًا فكرة حل الدولتين القائم على الإنصاف والعدالة.
إن تجريد المواطنين من وطنهم وتحويلهم إلى لاجئين دائمين لا يقربنا من الحل السياسى الدائم، بل يصد ويغذى مشاعر الألم وبالتالى ردود أفعال على شكل عنف بدافع الانتقام.
إلى أن نتمكن من تنفيذ وقف مبكر لإطلاق النار، يجب أن تكون سلامة المدنيين على رأس أولوياتنا. وينبغى تمكين الأمم المتحدة من تخصيص ملاذات إنسانية داخل غزة، وتوفير الملاذ والرعاية اللازمة لأولئك الذين وقعوا فى مرمى النيران وحماية المدنيين الأبرياء.
وفى ظل تطورات و استمرار الصراع فى غزة، كانت هناك ادعاءات كاذبة تربط مصر بفرض الحصار على غزة. فى الوقت نفسه، هناك أصوات تطالب بفتح مصر حدودها، والسماح للاجئين الفلسطينيين بالبحث عن ملاذ فى سيناء.
دعونا نحلل الوضع بعمق. ولابد من النظر إلى الدور الذى تلعبه مصر فى معبر رفح، الذى يعد مجرد واحد من سبع نقاط دخول إلى غزة، بينما ترتبط بقية المعابر بإسرائيل.
الحقيقة أن مصر لم تغلق معبر رفح، وظل يعمل حتى أدت الغارات الجوية الإسرائيلية على الجانب الغزاوى إلى تعطله. ومرة أخرى، ما زلنا منخرطين بشكل كامل مع محاورين متعددين لضمان مرور آمن للمساعدات التى تشتد الحاجة إليها فى غزة.
موقف مصر واضح: لا يمكن أن تكون جزءًا من أى حل يتضمن نقل الفلسطينيين إلى سيناء. إن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تؤدى إلى نكبة ثانية، وهى مأساة لا يمكن تصورها لشعب صامد لديه رابط غير قابل للكسر مع أرض أجداده.
ولنكن واضحين، مصر ليست فى مجال قبول أى اقتراح من شأنه أن يخفف من قضية فلسطين.
إن الدبلوماسية النشطة القادرة على خلق أفق سياسى من خلال عملية سلمية، مستلهمة من مؤتمر مدريد فى عام 1991، والتى تؤدى إلى حل سياسى عادل، قادرة على إنهاء هذا المستنقع التاريخي.
تعمل مصر بنشاط مع جميع الأطراف المعنية لضمان حماية المواطنين الفلسطينيين، وضمان سلامة وإطلاق سراح الرهائن والأسرى المدنيين الإسرائيليين والأمريكيين والدوليين، وكذلك المعتقلين الفلسطينيين، الذين وقعوا ضحايا لدوامة لا نهاية لها من العنف.
ولإنهاء دائرة العنف، يجب علينا أن نعترف بعقود من السياسات التى قللت من الآمال فى إقامة دولة فلسطينية عادلة ومنصفة. وفى الوقت نفسه، يتعين علينا أن نعترف بالسياسات الفاشلة التى سمحت للمتطرفين على الجانبين بإملاء مسار خطير من سياسة حافة الهاوية التى أشعلت النيران التى تجتاح فلسطين وإسرائيل.
لقد دافعت مصر دائمًا عن قضية كسر هذه الحلقة المفرغة، والرد على التطرف، وتعزيز المثل العليا التى بدأت فى ريادة ومناصرة السلام منذ أواخر السبعينيات، لتهيئة الظروف والبيئة اللازمة لتحقيق سلام شامل وعادل ودائم.
واليوم نقف على الهاوية ونواجه أعمال عنف ودمار لا يمكن تصورهما. وعلينا أن نغتنم هذه الفرصة ونسعى إلى تحقيق سلام دائم، على أساس الرحمة والعدالة.