لماذا سيناء؟

علاء عبد الكريم
علاء عبد الكريم

‭..‬على‭ ‬مر‭ ‬التاريخ‭ ‬كانت‭ ‬المعركة‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬وإسرائيل،‭ ‬هي‭ ‬معركة‭ ‬وطنية،‭ ‬تحررية،‭ ‬وليست‭ ‬دينية؛‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬اليهود‭ ‬عاشوا‭ ‬مع‭ ‬النبي‭ ‬موسى‭ ‬وهم‭ ‬يتآمرون‭ ‬عليه،‭ ‬وبعده‭ ‬تظاهروا‭ ‬بالدين،‭ ‬لفوه‭ ‬ووضعوه‭ ‬في‭ ‬تابوت،‭ ‬دفنوه‭ ‬واستراحوا،‭ ‬تخلصوا‭ ‬من‭ ‬الدين‭ ‬نهائيًا‭ ‬بدفن‭ ‬عهد‭ ‬موسى‭ ‬في‭ ‬تابوت‭ ‬العهد؛‭ ‬ليعيشوا‭ ‬بيننا‭ ‬بازدواجية‭ ‬بغيضة‭ ‬وهم‭ ‬يمارسون‭ ‬أعمال‭ ‬الشر‭ ‬والإرهاب‭ ‬وسفك‭ ‬الدماء؛‭ ‬جاءهم‭ ‬موسى‭ ‬بالدين‭ ‬فانصرفوا‭ ‬عنه،‭ ‬وظلوا‭ ‬شديدي‭ ‬التمسك‭ ‬والتعلق‭ ‬بمعبودهم‭ ‬الأبدي‭ ‬‮«‬العجل‮»‬‭ ‬الذهبي؛‭ ‬فهم‭ ‬متعلقون‭ ‬دائمًا‭ ‬بالذهب‭ ‬والفضة،‭ ‬نبيهم‭ ‬المال،‭ ‬أما‭ ‬نحن‭ ‬فأنبياؤنا‭ ‬موسى،‭ ‬وعيسى،‭ ‬ومحمد‭.‬

بعد‭ ‬41‭ ‬عامًا‭ ‬وفي‭ ‬غزة؛‭ ‬تتكرر‭ ‬نفس‭ ‬مشاهد‭ ‬الترويع‭ ‬الفادحة،‭ ‬عمليات‭ ‬تقتيل‭ ‬جماعية‭ ‬بكتل‭ ‬نيران‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬صواريخ‭ ‬تهدم‭ ‬بنايات‭ ‬فوق‭ ‬رؤوس‭ ‬أهلها‭ ‬لتخلف‭ ‬شهداءً‭ ‬وأرامل‭ ‬وأيتامًا،‭ ‬مستشفيات‭ ‬يتم‭ ‬قصفها‭ ‬فوق‭ ‬رؤوس‭ ‬المرضى؛‭ ‬ليسقط‭ ‬تحتها‭ ‬مئات‭ ‬القتلى‭ ‬والجرحى،‭ ‬قطع‭ ‬الكهرباء‭ ‬والمياه،‭ ‬سيارات‭ ‬إسعاف‭ ‬تعجز‭ ‬عن‭ ‬الوصول‭ ‬للضحايا‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬يائسة‭ ‬لإنقاذهم،‭ ‬مناشير‭ ‬تقذفها‭ ‬طائراتهم‭ ‬تدعو‭ ‬أهالي‭ ‬غزة‭ ‬بالتهجير‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬الآلاف‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬شهداء‭ ‬ومصابين‭.‬

قبل‭ ‬41‭ ‬عامًا‭ ‬كانت‭ ‬النكبة‭ ‬القديمة‭ ‬ستظل‭ ‬محفورة‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬إلى‭ ‬الأبد؛‭ ‬تذكرت‭ ‬نفس‭ ‬المشاهد‭ ‬المؤلمة،‭ ‬تذكرت‭ ‬السفاح‭ ‬أرييل‭ ‬شارون‭ ‬وهو‭ ‬يسكب‭ ‬نيران‭ ‬مدافعه‭ ‬على‭ ‬بيروت‭ ‬المحاصرة؛‭ ‬حيث‭ ‬فرض‭ ‬حصارًا‭ ‬على‭ ‬سكانها،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬قصف‭ ‬عنيف‭ ‬استمر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬80‭ ‬يومًا،‭ ‬يحرم‭ ‬أهلها‭ ‬من‭ ‬كسرة‭ ‬خبز‭ ‬وقطرة‭ ‬ماء‭ ‬يشربها‭ ‬أطفالهم،‭ ‬أو‭ ‬كهرباء‭ ‬تضيئ‭ ‬لياليهم‭ ‬المظلمة،‭ ‬ورغم‭ ‬صعوبة‭ ‬تقدير‭ ‬عدد‭ ‬الشهداء‭ ‬الذين‭ ‬سقطوا‭ ‬وقدروا‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬3‭ ‬آلاف‭ ‬قتيل‭ ‬وذكرت‭ ‬مصادر‭ ‬وقتها‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬إجراء‭ ‬إحصاء‭ ‬دقيق‭ ‬لعدد‭ ‬القتلى،‭ ‬بسبب‭ ‬استخدام‭ ‬الجرافات‭ ‬لدفن‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الجثث،‭ ‬وكأن‭ ‬حوادث‭ ‬التاريخ‭ ‬تعيد‭ ‬نفسها؛‭ ‬حوصرت‭ ‬بيروت‭ ‬90‭ ‬وألقيت‭ ‬المناشير‭ ‬من‭ ‬الطائرات،‭ ‬تطالب‭ ‬بالعائلات‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بالرحيل‭ ‬إلى‭ ‬تونس،‭ ‬وغادر‭ ‬وقتها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬14‭ ‬ألف‭ ‬فلسطيني‭ ‬إلى‭ ‬تونس‭ ‬مهجرين‭ ‬تحت‭ ‬الحماية‭ ‬الدولية‭.‬

نكبات‭ ‬وراء‭ ‬نكبات‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬التاريخ‭ ‬ارتكبها‭ ‬إسرائيل‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬48‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬شعب‭ ‬سُرقت‭ ‬واغتصبت‭ ‬منه‭ ‬أرضه،‭ ‬لم‭ ‬يكتفِ‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬وقتها‭ ‬بتوثيقها‭ ‬مشافهة،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضًا‭ ‬إثباتها‭ ‬كتابة،‭ ‬لكي‭ ‬تبقى‭ ‬محفورة‭ ‬في‭ ‬ذاكرة‭ ‬التاريخ‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭. ‬

ونحن‭ ‬في‭ ‬وداع‭ ‬شهر‭ ‬أكتوبر،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينسينا‭ ‬هذا‭ ‬ذكرى‭ ‬انتصار‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬عام1973،‭ ‬والإنسان‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يدرك‭ ‬مغزى‭ ‬حرب‭ ‬العاشر‭ ‬من‭ ‬رمضان‭ ‬التحريرية،‭ ‬والصراع‭ ‬العربي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬وقتها،‭ ‬فهو‭ ‬كالذي‭ ‬يحيا‭ ‬ويتحرك‭ ‬بلا‭ ‬هوية‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬محيط‭ ‬فارغ‭ ‬أجوف‭ ‬لا‭ ‬فائدة‭ ‬منه،‭ ‬أقول‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬وداع‭ ‬أغلى‭ ‬وأروع‭ ‬أيام‭ ‬التاريخ‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬النظر‭ ‬العسكرية،‭ ‬بعد‭ ‬أيام‭ ‬معدودة‭ ‬على‭ ‬نكسة‭ ‬يونيو‭ ‬سنة‭ ‬1967،‭ ‬واتخاذ‭ ‬الخطوات‭ ‬الأولى‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬تحرير‭ ‬سيناء‭ ‬المحتلة،‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬تندلع‭ ‬شرارة‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬المجيدة‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬ست‭ ‬سنوات؛‭ ‬حيث‭ ‬شهدت‭ ‬جبهة‭ ‬القتال‭ ‬معارك‭ ‬شرسة‭ ‬كانت‭ ‬نتائجها‭ ‬بمثابة‭ ‬ليست‭ ‬صدمة‭ ‬للمؤسسة‭ ‬العسكرية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬فقط‭ ‬وإنما‭ ‬غيرت‭ ‬مفاهيم‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬العالم،يثار‭ ‬التساؤل‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬بـ‭ ‬لغز‭: ‬إسرائيل‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬لديها‭ ‬اعتقادات‭ ‬قوية‭ ‬بأن‭ ‬سلاحها‭ ‬الجوي‭ ‬ذات‭ ‬قدرات‭ ‬خاصة‭ ‬وذات‭ ‬فاعلية‭ ‬مما‭ ‬يمنع‭ ‬الجيش‭ ‬المصري‭ ‬من‭ ‬هزيمة‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬شبه‭ ‬جزيرة‭ ‬سيناء‭: ‬لماذا‭ ‬كانت‭ ‬سيناء‭ ‬ذات‭ ‬أهمية‭ ‬استراتيجية‭ ‬لإسرائيل‭ ‬وحلمًا‭ ‬لن‭ ‬تعوّضه؟‭!‬

موقع‭ ‬سيناء‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬كثيرًا‭ ‬عن‭ ‬موقع‭ ‬هذا‭ ‬الجزء‭ ‬الغالي‭ ‬على‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬عقل‭ ‬وعقيدة‭ ‬تيار‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬أصحاب‭ ‬الأصولية‭ ‬العمياء‭ ‬والانسداد‭ ‬التاريخي،‭ ‬فهناك‭ ‬–‭ ‬وكما‭ ‬يقول‭ ‬–‭ ‬الدكتور‭ ‬هيثم‭ ‬محمد‭ ‬قاسم‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬المهم‭ ‬لكل‭ ‬دارس‭: ‬‮«‬سيناء‭ ‬ومشروع‭ ‬الوطن‭ ‬الفلسطيني‭ ‬البديل‮»‬‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬الثقافة‭ ‬الجديدة‭: ‬‮«‬أن‭ ‬هناك‭ ‬نقاط‭ ‬التماس‭ ‬أيديولوجي‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬وتيارات‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬حيال‭ ‬شمال‭ ‬سيناء؛‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬الصهيوني‭ ‬–‭ ‬الفاسد‭ - ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬وعد‭ ‬بها‭ ‬الرب‭ ‬اليهود‭ ‬وفق‭ ‬العهد‭ ‬القديم،‭ ‬وفي‭ ‬نظر‭ ‬تيارات‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬هؤلاء‭ ‬الظلاميين،‭ ‬يقول‭ ‬عنها‭ ‬مؤسس‭ ‬شجرة‭ ‬الإرهاب‭ ‬الخبيثة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬البنا‭ ‬الساعاتي‭ ‬الذي‭ ‬قال‭ ‬عنه‭ ‬صاحب‭ ‬العبقريات‭ ‬المفكر‭ ‬العقاد؛‭ ‬‮«‬أنه‭ ‬ذو‭ ‬أصول‭ ‬يهودية‭ ‬مغربية‭ ‬وأنه‭ ‬يبطن‭ ‬اليهودية‭ ‬ويتظاهر‭ ‬بالإسلام‮»‬،‭ ‬كل‭ ‬بقعة‭ ‬فيها‭ ‬مسلم‭ ‬يقول‭ (‬لا‭ ‬إله‭ ‬إلا‭ ‬الله‭ ‬محمد‭ ‬رسول‭ ‬الله‭) ‬وطن‭ ‬عندنا‭ ‬له‭ ‬حرمته‭ ‬وقداسته،‭ ‬والجهاد‭ ‬في‭ ‬سبيله‮»‬‭.‬

نعم‭ ‬قالها‭ ‬الرئيس‭ ‬السيسي‭ ‬بملء‭ ‬الفم‭ ‬مرارًا‭ ‬وتكرارًا‭ ‬خلال‭ ‬الأيام‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬ليسمعها‭ ‬العالم‭ ‬صريحة‭ ‬لا‭ ‬لبس‭ ‬فيها‭ ‬مدوية‭: ‬‮«‬إن‭ ‬مصر‭ ‬فيها‭ ‬105‭ ‬مليون‭ ‬والرأي‭ ‬العام‭ ‬المصري‭ ‬والرأي‭ ‬العام‭ ‬العربي‭ ‬يتأثر‭ ‬بعضه‭ ‬ببعض‭ ‬وإذا‭ ‬استدعى‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬أطلب‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬المصري‭ ‬الخروج‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬الرفض‭ ‬لهذه‭ ‬الفكرة‭ ‬سترون‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬المصريين‭ ‬يخرجون‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬الدعم‭ ‬للموقف‭ ‬المصري‮»‬‭.‬

وها‭ ‬هم‭ ‬المصريون‭ ‬يخرجون‭ ‬بالملايين‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ميادين‭ ‬مصر،‭ ‬بعد‭ ‬صلاة‭ ‬الجمعة‭ ‬الماضي؛‭ ‬لإيصال‭ ‬صوتهم‭ ‬في‭ ‬رفض‭ ‬تهجير‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬إلى‭ ‬شبه‭ ‬جزيرة‭ ‬سيناء‭ ‬المصرية،‭ ‬ورفض‭ ‬استمرار‭ ‬الاعتداءات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬الوحشية‭ ‬على‭ ‬سكان‭ ‬القطاع‭.‬

مصر‭ ‬التي‭ ‬زارها‭ ‬الرحاله‭ ‬شمس‭ ‬الدين‭ ‬المقدسي‭ ‬قال‭ ‬عنها‭:‬

انها‭ ‬معجزة‭ ‬السلام‭ ‬ومتجر‭ ‬الأنام

وقال‭ ‬عنها‭ ‬ابن‭ ‬بطوطة‭:‬

انها‭ ‬أم‭ ‬البلاد‭ ‬قهرت‭ ‬قاهرتها‭ ‬الأمم‭.‬


 

;