..على مر التاريخ كانت المعركة بين العرب وإسرائيل، هي معركة وطنية، تحررية، وليست دينية؛ رغم أن اليهود عاشوا مع النبي موسى وهم يتآمرون عليه، وبعده تظاهروا بالدين، لفوه ووضعوه في تابوت، دفنوه واستراحوا، تخلصوا من الدين نهائيًا بدفن عهد موسى في تابوت العهد؛ ليعيشوا بيننا بازدواجية بغيضة وهم يمارسون أعمال الشر والإرهاب وسفك الدماء؛ جاءهم موسى بالدين فانصرفوا عنه، وظلوا شديدي التمسك والتعلق بمعبودهم الأبدي «العجل» الذهبي؛ فهم متعلقون دائمًا بالذهب والفضة، نبيهم المال، أما نحن فأنبياؤنا موسى، وعيسى، ومحمد.
بعد 41 عامًا وفي غزة؛ تتكرر نفس مشاهد الترويع الفادحة، عمليات تقتيل جماعية بكتل نيران غير مسبوقة، صواريخ تهدم بنايات فوق رؤوس أهلها لتخلف شهداءً وأرامل وأيتامًا، مستشفيات يتم قصفها فوق رؤوس المرضى؛ ليسقط تحتها مئات القتلى والجرحى، قطع الكهرباء والمياه، سيارات إسعاف تعجز عن الوصول للضحايا في محاولة يائسة لإنقاذهم، مناشير تقذفها طائراتهم تدعو أهالي غزة بالتهجير بعد سقوط الآلاف ما بين شهداء ومصابين.
قبل 41 عامًا كانت النكبة القديمة ستظل محفورة في الذاكرة إلى الأبد؛ تذكرت نفس المشاهد المؤلمة، تذكرت السفاح أرييل شارون وهو يسكب نيران مدافعه على بيروت المحاصرة؛ حيث فرض حصارًا على سكانها، في ظل قصف عنيف استمر أكثر من 80 يومًا، يحرم أهلها من كسرة خبز وقطرة ماء يشربها أطفالهم، أو كهرباء تضيئ لياليهم المظلمة، ورغم صعوبة تقدير عدد الشهداء الذين سقطوا وقدروا بأكثر من 3 آلاف قتيل وذكرت مصادر وقتها أنه من الصعب إجراء إحصاء دقيق لعدد القتلى، بسبب استخدام الجرافات لدفن عدد كبير من الجثث، وكأن حوادث التاريخ تعيد نفسها؛ حوصرت بيروت 90 وألقيت المناشير من الطائرات، تطالب بالعائلات الفلسطينية بالرحيل إلى تونس، وغادر وقتها أكثر من 14 ألف فلسطيني إلى تونس مهجرين تحت الحماية الدولية.
نكبات وراء نكبات على مر التاريخ ارتكبها إسرائيل بعد حرب 48 في حق شعب سُرقت واغتصبت منه أرضه، لم يكتفِ الفلسطينيون وقتها بتوثيقها مشافهة، ولكن أيضًا إثباتها كتابة، لكي تبقى محفورة في ذاكرة التاريخ إلى الأبد.
ونحن في وداع شهر أكتوبر، لا يمكن أن ينسينا هذا ذكرى انتصار حرب أكتوبر عام1973، والإنسان الذي لا يدرك مغزى حرب العاشر من رمضان التحريرية، والصراع العربي الإسرائيلي وقتها، فهو كالذي يحيا ويتحرك بلا هوية أو في محيط فارغ أجوف لا فائدة منه، أقول ونحن في وداع أغلى وأروع أيام التاريخ التي بدأت من وجهة النظر العسكرية، بعد أيام معدودة على نكسة يونيو سنة 1967، واتخاذ الخطوات الأولى على طريق تحرير سيناء المحتلة، وقبل أن تندلع شرارة حرب أكتوبر المجيدة بأكثر من ست سنوات؛ حيث شهدت جبهة القتال معارك شرسة كانت نتائجها بمثابة ليست صدمة للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية فقط وإنما غيرت مفاهيم العسكرية في العالم،يثار التساؤل وما هو بـ لغز: إسرائيل التي كانت لديها اعتقادات قوية بأن سلاحها الجوي ذات قدرات خاصة وذات فاعلية مما يمنع الجيش المصري من هزيمة الجيش الإسرائيلي في شبه جزيرة سيناء: لماذا كانت سيناء ذات أهمية استراتيجية لإسرائيل وحلمًا لن تعوّضه؟!
موقع سيناء في الخطاب الإسرائيلي لا يختلف كثيرًا عن موقع هذا الجزء الغالي على مصر في عقل وعقيدة تيار الإسلام السياسي أصحاب الأصولية العمياء والانسداد التاريخي، فهناك – وكما يقول – الدكتور هيثم محمد قاسم في كتابه المهم لكل دارس: «سيناء ومشروع الوطن الفلسطيني البديل» الصادر عن دار الثقافة الجديدة: «أن هناك نقاط التماس أيديولوجي بين إسرائيل وتيارات الإسلام السياسي حيال شمال سيناء؛ هي في الفكر الصهيوني – الفاسد - جزء من الأرض التي وعد بها الرب اليهود وفق العهد القديم، وفي نظر تيارات الإسلام السياسي هؤلاء الظلاميين، يقول عنها مؤسس شجرة الإرهاب الخبيثة في العالم البنا الساعاتي الذي قال عنه صاحب العبقريات المفكر العقاد؛ «أنه ذو أصول يهودية مغربية وأنه يبطن اليهودية ويتظاهر بالإسلام»، كل بقعة فيها مسلم يقول (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وطن عندنا له حرمته وقداسته، والجهاد في سبيله».
نعم قالها الرئيس السيسي بملء الفم مرارًا وتكرارًا خلال الأيام القليلة الماضية ليسمعها العالم صريحة لا لبس فيها مدوية: «إن مصر فيها 105 مليون والرأي العام المصري والرأي العام العربي يتأثر بعضه ببعض وإذا استدعى الأمر أن أطلب من الشعب المصري الخروج للتعبير عن الرفض لهذه الفكرة سترون الملايين من المصريين يخرجون للتعبير عن الدعم للموقف المصري».
وها هم المصريون يخرجون بالملايين في كل ميادين مصر، بعد صلاة الجمعة الماضي؛ لإيصال صوتهم في رفض تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى شبه جزيرة سيناء المصرية، ورفض استمرار الاعتداءات الإسرائيلية الوحشية على سكان القطاع.
مصر التي زارها الرحاله شمس الدين المقدسي قال عنها:
انها معجزة السلام ومتجر الأنام
وقال عنها ابن بطوطة:
انها أم البلاد قهرت قاهرتها الأمم.