في أمريكا.. المتسولون يجمعون 5 مليارات دولار سنويًا

الزوجان مارتن وجولين إدعا مرض ابنهما
الزوجان مارتن وجولين إدعا مرض ابنهما

دينا‭ ‬جلال

  تحت مظلة الأعمال الخيرية يتوارى مئات الآلاف من المتسولين في كافة أنحاء العالم ممن ينتهزون الفرص ويرتدون أقنعة الإنسانية، ينتحلون صفات المحتاج وهم في حقيقة الامر نموذج حقيقي للمحتال الذي يهدف إلى جمع اكبر قدر ممكن من المال لتحقيق طموحاته وأطماعه.

صارت عمليات الاحتيال والتسول الإلكتروني الكابوس الذي يؤرق المؤسسات الخيرية وفاعلي الخير ممن لا يستطيعون بسهولة التفرقة بين الحقيقي والمزيف فهم ببساطة يرغبون فى مساعدة الآخرين وليس التحقق منهم حيث توصي المؤسسات الامنية بضرورة تحري الدقة قبل دفع أى اموال حتى لا تتحول إلى أداة لدعم المتسولين والنصابين، كشفت مؤسسة «امنح امريكا» لرصد الاعمال الخيرية المتعلقة بالافراد والمؤسسات تقريرها السنوى لعام 2021 إلى أن الامريكيين قدموا حوالي 471 مليار دولار للجمعيات الخيرية حيث تفوق تلك التبرعات الخيرية الناتج المحلي لدول كاملة، والمؤسف أن هذا الكم الهائل من التبرعات ينطوي على خسائر هائلة وصلت إلى أكثر من 5 مليارات دولار في العام الماضي بفارق 3 مليارات دولار عن عام 2020 طبقا لتقرير لجنة التجارة الفيدرالية، وتعد الفئة الاكثر استهدافًا هم من تخطوا الستين عامًا ممن يسهل إقناعهم بالتبرع الإلكتروني.

خطط المحتالين

نفس الامر يحدث فى بريطانيا؛ حيث أبلغت المؤسسات الخيرية عن فقدان ما يقرب من 9 ملايين جنيه إسترليني من الأموال في العام الماضي بسبب الاحتيال وفقا لأرقام مفوضية المؤسسات الخيرية، وكشفت مؤسسة رصد الجرائم الاحتيالية؛ أن المؤسسات الخيرية ابلغت عن اكثر من ألف حادث تسول إلكتروني عبر بطاقات الائتمان خلال عام واحد فقط وخاصة بسبب فيروس كوفيد الذي زاد من مخاطر التسول الالكتروني بنسبة 65 بالمائة عن الاعوام الماضية.

بمجرد البحث عن أزمات ومشكلات عمليات التسول الإلكتروني نجد عشرات المواقع الالكترونية التي ترصد طرق التسول والاحتيال الالكتروني مع إسداء النصائح لتجنبها عبر منصات متخصصة لجمع التبرعات وأشهرها منصة «جو فاند مي» المتخصصة فى  تحويل التبرعات الى المحتاجين والمستفيدين منها في امريكا، وتمنح تلك المؤسسة المتبرعين نصائح مهمة تشير إلى أن متسولي الإنترنت تبدأ خططهم بمنشورات غامضة تتضمن خطابًا عاطفيًا مبالغًا، يدعمونها بالتعليقات والمشاركات المزيفة والصور المجهولة ترصد معاناة صحية أو انسانية، وهى عادة تكون عملية نسخ حرفية لمنشورات سابقة مع اختلاف البيانات فقط، كما يلجأون احيانا إلى الضغط العاطفي بضرورة دفع «فاتورة عاجلة» في أسرع وقت حتى لا تتمكن من التحقق من صحة تلك الحملة التي تفتقر إلى تقارير طبية أو مستندات موثقة كما يقوم المحتالون بحذف التعليقات التي تدعو لتفاصيل حول بيانات الحالة والمعلومات الخاصة بها بالإضافة إلى حظر اصحابها.

بالرغم من تلك التحذيرات إلا أن المحتالين ينجحون في جمع تبرعات هائلة عبر تلك المنصات، يرصد المسئولون الامريكيون عمليات نصب عبر منصة «جو فاند مي» او «قم بالتبرع لي» حيث أنهت شرطة نيويورك باطول عملية تسول إلكتروني باعتقال الزوجين مارتن وجولين لافران وعمرهما 35 سنة من نيويورك ليواجها تهم جنائية بالاحتيال وتعريض طفل للخطر بعد أن ادعا أن طفلهما الوحيد مصاب بالسرطان على مدار اربعة اشهر قدما خلالها تقارير وفواتير طبية لعرض حالة ابنهما المزيفة بالتفصيل.

الزوجة المتسولة

المرض هو الطريق السريع للتسول الزائف حيث يتكرر إلقاء القبض على مرضى وهميين يجمعون تبرعات، وحبكت عشرات النساء قصص مرضهن بظهورهن على فراش المرض، حليقات الرأس يدعين علاجهن من مرض السرطان، ومن بين تلك الحالات نرصد قصة الامريكية جيسيكا آن سميث من ولاية بنسلفانيا التي جمعت آلاف دولار عبر الفيس بوك لتواجه تهمة الاحتيال بعد تأكيد المحققين ان المتهمة قامت بتزوير وثائق طبية تدعي اصابتها بسرطان القولون لجمع تبرعات جماعية مؤكدة انها تواجه فواتير طبية هائلة وتكاليف سفر علاجها فى اسبانيا ودفع تكاليف رعاية أطفالها وسد ازمة تغيبها عن العمل دون كسب، وطلبت جمع 15 الف دولار ونجحت بالفعل في جمع 9 آلاف دولار خلال ايام قليلة، والغريب فى الامر أن زوجها كشف حقيقة تسولها التي اكتشفها بالمصادفة بسبب تغيير اسمها واكتشف أنها اتبعت طريق التسول قبل زواجهما لجمع المال، توجه إلى مركز الشرطة ليتهم زوجته بالاحتيال والتسول الإلكتروني مؤكدًا انها ليست مريضة وهى مشمولة بالتأمين الصحي الخاص بعمله، وموقع جمع تبرعات قام فيسبوك بحذف صفحتها بعد إلقاء القبض عليها، وبالفعل كشفت تحقيقات الشرطة ان جيسيكا تقوم بالايداع المتكرر لآلاف الدولارات في حسابها الخاص.

وفي بريطانيا ادعت المتهمة نيكول كباس اصابتها المفاجئة بالسرطان بعد تزوير التقارير الطبية لتطلب جمع التبرعات لمساعدتها على العلاج وبالفعل نجحت في جمع اكثر من 45 ألف جنيه استرليني بعد شن حملة ضخمة صورت فيها نفسها بشكل متكرر على سرير المستشفيات مع خضوعها للعلاج الكيميائي وبدأت الشرطة تحقيقاتها بسبب تعليق احد الاطباء الذي اشار إلى سلامتها وزيف مرضها ودافعت المتهمة عن نفسها امام محكمة كانتربري كراون لتؤكد أن صورها في المستشفى حقيقية وجمعت تبرعات قبل خضوعها للعلاج بالفعل فى اسبانيا وكشفت المحكمة أن المتهمة كانت تتلقى عملية روتينية لإزالة المرارة.

إيواء المشردين

من المرض إلى التشرد تتزايد حملات جمع التبرعات المزيفة لإيواء ومساعدة المشردين، وتكشف العديد من القصص منها المتهم جوني بوبيت الذي تآمر مع صديقته كاتلين مكلور وصديقه جوني جونيور وادعوا أنهم بلا مأوى وتلقى المتهمون الثلاثة السجن لمدة عامين والبقاء تحت المراقبة ثلاث سنوات امام المحكمة الفيدرالية في نيوجيرسي بعد مواجهة 16 تهمة بالتآمر والاحتيال الالكتروني وكذلك غسيل الأموال، اتبع جوني طريقة غير معتادة لجمع التبرعات حيث بث فيديو رصد قصة منحه امرأة على الطريق 20 دولار بعد نفاذ الوقود في سيارتها بالرغم من كونه مشرد يحتاج إلى المال والمرأة المجهولة هى صديقته كاتلين وبالفعل نجح في الحصول على كم هائل من التبرعات تقاسمها المتهمون الثلاثة سويا حيث جمعوا ما يصل الى 400 ألف دولار واستغلوها  للرحلات الترفيهية وتأجير السيارات الفارهة.

                                                                                                                                                                                                          عصابة‭ ‬المشردين‭ ‬جمعوا‭ ‬400‭ ‬الف‭ ‬دولار

الجنازات الوهمية                                                                                                                                                                                 

ملف آخر تنتشر بسببه عمليات التسول الإلكتروني المزيفة بسبب ارتفاع مصاريف اقامة الجنازات ومراسم تأبين الموتى التي تحظى بتعاطف الكثيرين ممن يرغبون في دعم اهالى الموتى ماديا للإسراع فى إتمام الإجراءات وبالتالي تتكرر حالات النصب والاعتقالات ومنها إلقاء الشرطة القبض على عصابة من المراهقين في ولاية كاليفورنيا بتهمة الاحتيال وجمع تبرعات جنازة وهمية، وكشفت الشرطة ان المراهقين الثلاثة يتزعمهم ريتشارد نافاريتي ادعوا قبولهم أى تبرعات نقدية لإقامة جنازة طفل «وهمي» ادعوا انه توفى ويعجزون عن دفنه وإقامة جنازته ونشروا لافتات لدعوة الناس لحضور مراسم الدفن حاملين زجاجات بلاستيكية بها مبالغ التبرع وكشفت الشرطة حقيقتهم وألقت القبض عليهم.   عصابة‭ ‬المراهقين‭ ‬جمعوا‭ ‬تبرعات‭ ‬لجنازة‭ ‬وهمية

مواسم التسول

تشير السلطات في كافة انحاء العالم إلى أن المحتالين استغلوا الإجراءات المتعلقة بفيروس كورونا وكذلك أى كوارث طبيعية مثل الاعاصير والزلازل والهجمات الارهابية وحوادث إطلاق النار وكذلك الحرب الاوكرانية الروسية حيث يكشف المركز الوطني للإبلاغ عن الاحتيال في بريطانيا أن عمليات التسول الوهمية عبر رسائل البريد الإلكتروني جمعت اموالا لا حصر لها لجمع الاموال لضحايا الحرب في أوكرانيا، وينتحل البعض صور وشخصيات اوكرانية لجمع التبرعات باسم ضحايا الحرب، كما تطلب رسائل التسول التبرع عبر العملات المشفرة من الأشخاص بعملة بيتكوين لدعم الحكومة الاوكرانية أو الحصول على بيانات بطاقات الائتمان، ودعت السلطات إلى عدم الضغط على الروابط التي تحمل اسماء مؤسسات خيرية من تلك النوع قبل التحقق من اسم المؤسسة الخيرية ورقم التسجيل على موقع الحكومة.

دفع تكرار تلك الحالات مكتب التحقيقات الفيدرالي في واشنطن الى إطلاق سلسلة تحذيرات لتقليل عمليات الاحتيال والتسول الإلكتروني وحددت عدة إجراءات وخاصة أن الأمريكيين يثقون في منصات ومواقع جمع التبرعات بإعتبارها مؤسسات مضمونة تعمل على دعم التواصل بين المتبرعين والمستفيدين مع الاحتفاظ بنسبة من مبالغ التبرعات ولكن الشرطة الفيدرالية تحذر من وضع الثقة المطلقة في تلك المؤسسات ودعت إلى ضرورة التأكد من قانونيتها قبل تقديم المعلومات الشخصية والمالية، ويشير المكتب الفيدرالي الى ان عمليات الاحتيال تتضاعف خلال العطلات والاعياد حيث  تتزايد حملات البريد الإلكتروني أو دعوات الجمعيات لجمع التبرعات.

اقرأ أيضا : من الرصيف إلى كاميرا الموبايل.. آخر صيحات «الشحاته الإلكترونية»

;