قصص قصيرة للكاتب سمير لوبه

الكاتب سمير لوبه
الكاتب سمير لوبه

يا قدس

 

أقلبُ صفحاتِ روايتِك أقرأُها مِراراً ومَراراً، حفيفُ أوراقِ شجرةِ الزيتونِ يحرقُني، جُرحُك مازال يدمي ، أصارع ضجيج قلبي يؤرقُني، أزفر لهيباً يحرقُ صدري، أجلس على مِقعدي مُنزويًا،  يذرِفُ قلمي المدادَ ألمًا، يخيم علىَّ حزنٌ يمنعني الخَط

بعبَراتٍ تسألُني :

- أما زلت تذكرُني؟

- بلى يا نبض قلبي، إن غبتِ .. أغيبُ  .

 

طائر الكويتزال

 

من بحيرةِ طبريةِ إلى سهلِ مرجِ ابنِ عامرِ مرورًا بمخيمِ جنينِ، في يديها قلبُها قنديلٌ يشعُ نورًا، يفوح عطرها في واقعٍ مُرٍ، تصعد المرتفعاتِ بثباتٍ وتحدٍ، تحملُ الماءَ ليرويَ أشجارَ الزيتونِ فتبلغَ عنانَ السماءِ؛ ليراها القاصي والداني ماثلةً للعيانِ، الزهرةُ تعبر الجدرانَ غير مكترثةٍ بالأسلاكِ الشائكةِ، لا تأبه بجنازيرِ الطغيانِ وإطاراتِ الجرافاتِ التي تعملُ حثيثًا لاقتلاعِ أشجارِ الزيتونِ كي تبني حظائر للخنازيرِ، تعاود الزهرةُ الكرةَ مراتٍ ومراتٍ ببسالةٍ وعنادٍ ليفوح عطر الحقيقةِ؛ فتثمر أشجار الزيتونِ ثمارَ الوجودِ، تترصدها فوهاتُ البارودِ تطرحها أرضًا، بينَما ظلَّ الماءُ يصعد المرتفعاتِ يروي أشجارَ الزيتونِ، تطرح الأرضُ حجارةً تزود عن أشجارِ الزيتونِ وطائرِ الكويتزالِ .

 

فرسان ودروع

 

فوق الجسر يمر الفارس في دروعه الحديدية على صهوة جواده، وأقفال معلقة تتراكم على جنبات الجسر المعدنية رسمت عليها قلوب حمراء وحروف أجنبية، وقطع معدنية تتساقط في البئر تحتضنها أمانٍ عبثية، وماء في العلا يرتعد خوفا  يتشبث بالغيوم لا يريد أن يصير مطرا، وماء تحت الجسر أهوج يعلو في تهور ثائرا، والمدينة  جاثية على ركبتيها مثل الأم دولاجي ينحرون صغارها أمامها تنتظر دورها في الذبح صابرة .

يبحث الفارس عن أعشاش الطيور بعد أن ثارت الريح فاقتلعت الأشجار. يتلمس النور بعد أن اشتدت العواصف فأطفأت في السماء النجوم . الفارس يرتدي دروع فرسان العصور الوسطى الحديدية لا لتحميه من  ضربات السيوف وطعنات الرماح ولكن لترهب الأعداء وتقذف في قلوبهم الخوف .

 يمضي في ساحات الشرف يحارب لا تهزمه الجيوش ولا تقتله طعنات الأعداء بل تصرعه آلامه التي تخفيها دروعه الحديدية . تحتها يتمزق جلده . يخفي آلام جسده المثقل بالأوجاع بينما هو فوق الفرس رافع الرأس شاهر السيف يعبر أقواس النصر .

يبعث مظهره على القسوة وبث الرهبة بينما في داخل الدرع الحديدي جلود تتآكل وجروح تنزف لا يعلم بها غيره ، يضرب العفن في الجسد الذي يتآكل تحت حديد الدروع .

 لكنها حياة الفرسان يمضون إلى الحروب تحت دروع قاسية تخفي آلامهم وأوجاعهم إلى أن يسقطوا فجأة في ساحات الشرف والعزة . لا بطعنة رمح سقطوا وإنما هزمتهم آلامهم وذلك العفن الذي يزحف على العقول .

كان الفارس يتمنى أن يظل طفلا يلهو بالحياة . كان يود أن تحتضن أشعة الشمس الأرض ، وأن يقبل ضوء القمر صفحة البحر فترفع الجبال رأسها إلى عنان السماء. فقط كان يحلم أن يتحرك الحرف الساكن ؛ فتعزف اللغة جملا موسيقية للسلام . بالقرب من الجسر وجدوا جثته مثل رسالة مطوية في زجاجة أغلق فمها بالفلين  لفظتها أمواج البحر . ما من أحد يستطيع أن يقول من ألقاها . لم يتعرف عليه أحد . من الذي بتر أصابعه  ؟ من فقأ عينيه  ؟ من ذا الذي قطع لسانه  ؟ وماذا فعل ليستحق تلك النهاية  ؟