الفن لم يكن ضمن خطط الفنان رشدي أباظة المهنية، لكن الموضوع جاء بالصدفة عندما قابله المخرج بركات في نادي “البريدج” يلعب البلياردو، ومن هنا بدأت رحلته في عالم السينما حين أسند إليه بركات دورًا مهمًا في فيلم “المليونيرة الصغيرة” عام 1948، وبعدها بعامين سافر إلى إيطاليا لستة أشهر على أمل الظهور في أفلام إيطالية، لكن لم يكتب له النجاح هناك، ثم انصرف عن التمثيل إلى أمور أخرى، لكن يبدو أن جينات الفن كان تأثيرها قوى عليه فعاد ومثل أدوارا صغيرة في أفلام “دليلة - رد قلبي - موعد غرام - جعلوني مجرما” وغيرها.
كان فيلم “إمرأة في الطريق” عام 1958 مع شكري سرحان وزكي رستم وهدى سلطان والذي أخرجه عز الدين ذو الفقار نقطة التحول فى حياة أباظة، والتي عن طريقها سرعان ما استرد نجوميته، ثم قدم بعد ذلك أفلاما ذاتَ قيمة عالية منها “جميلة “ عن البطلة الجزائرية جميلة بوحيرد، والذي أنتجته وقامت ببطولته ماجدة مع صلاح ذو الفقار وأحمد مظهر وأخرجه يوسف شاهين، و”ملاك وشيطان” وأنتجه صلاح وعز الدين ذو الفقار وأخرجه كمال الشيخ، و”وإسلاماه” و”في بيتنا رجل” مع عمر الشريف وأنتجه وأخرجه هنري بركات، و”الطريق” عن قصة الأديب نجيب محفوظ، و”لا وقت للحب” مع فاتن حمامة وأخرجه صلاح أبو سيف، و”الشياطين الثلاثة” و”الزوجة 13” مع شادية وأخرجه فطين عبد الوهاب، و”الرجل الثاني” مع صلاح ذو الفقار وصباح وسامية جمال وأنتجه صلاح ذو الفقار وعز الدين ذو الفقار وأخرجه أيضًا عز الدين ذو الفقار، و”الساحرة الصغيرة” و”صغيرة على الحب” مع سعاد حسني وأنتجته مديحة يسري وأخرجه نيازي مصطفي، و”صراع في النيل” و”عروس النيل” وأنتجه رمسيس نجيب وأخرجه فطين عبد الوهاب، و”زوجة من باريس” مع صلاح ذو الفقار وفؤاد المهندس، و”شيء في صدري” وأنتجه رمسيس نجيب وأخرجه كمال الشيخ، و”وراء الشمس” و”أريد حلا” مع فاتن حمامة وأنتجه صلاح ذو الفقار وأخرجه سعيد مرزوق، و”غروب وشروق” إخراج كمال الشيخ، و”حكايتي مع الزمان” وغيرها من روائع الأفلام.
هوليوود
إلمام أباظة باللغات المختلفة جعله مرشحا للعالمية، وكان من الممكن أن يسبق عمر الشريف إلى هوليوود ويغزو السينما العالمية لولا أنه أضاع كل هذه الفرص، وعمل كدوبلير للنجم العالمي روبرت تايلور في فيلم “وادي الملوك”، واشترك في فيلم “الوصايا العشر” للمخرج العالمي سيسيل ديميل، وغيرها من الأعمال، حتى أن فيلم “لورانس العرب” عرض عليه قبل عمر الشريف، لكنه رفض السفر عندما طلبوا منه إجراء إختبار تمثيل، وذلك بسبب إعتزازه بنفسه، وأعتبر أنه طلب يسيء لتاريخه الفني.
قدم رشدي أكثر من 100 فيلم منذ بداياته عام 1948، في الكثير منها أخذ البطولة أو البطولة المشتركة مع عدد من الممثلين والممثلات، وفي عام 1980 أنتهى أباظة من تصوير فيلم “سأعود بلا دموع” وهو آخر فيلم كامل يصوره، بينما كان آخر أفلامه فيلم “الأقوياء” الذى توفي أثناء تصويره، وقام الفنان صلاح نظمي باستكمال الفيلم كدوبلير له، وآخر مسلسل تليفزيوني لم يكتمل بعد رحيله كان بالصدفة يحمل اسم “صفقة الموت”.
تم اختيار 12 فيلما شارك فيها أباظة في قائمة أفضل 100 فيلم في ذاكرة السينما، هي: “جعلوني مجرما - حياة أو موت - رد قلبي – جميلة بوحريد - إمرأة في الطريق - صراع في النيل – المراهقات - في بيتنا رجل – وا إسلاماه - الزوجة 13 - غروب وشروق - وأريد حلا”.
سهام “كيوبيد”
عندما نتناول قصة حياة أباظة الملقب بـ”الدنجوان”، يجب أن نبحث عن قصص العشق والهوى، والتي بدأت مبكرا وهو في سن الـ19 عامًا، بعدما أحب فتاة إنجليزية تدعى دوريس راسل، كانت تسكن في العمارة المواجه له بشارع مسرة بشبرا، لكن لم تدم قصة الحب بينهما طويلًا، واضطرت دوريس ابنة مساعد حكمدار أمن القاهرة البريطاني للسفر مع أسرتها إلى إنجلترا، ليصاب رشدي باكتئاب حاد استمر عدة أشهر.
ومع إنشغاله بالأعمال الفنية بدأ يتناسى الأمر، حتى تعرف على الفنانة كاميليا، ولسوء حظه تلقى تهديدا بالقتل من الملك فاروق بسبب منافسته على حبها، حتى أن أباظة أضطر للسفر إلى إيطاليا بعدما امتنع المنتجون عن التعامل معه مجاملة لحبيبة الملك فاروق، حتى توفيت محترقة في حادث سقوط طائرة، بينما كان هو وقتها موجودًا في إيطاليا، وفور علمه بالحادثة أصيب بإنهيار عصبي وأخذ يشرب الخمر بلا وعي حتى أشرف على الموت، ونُقل إلى المستشفى، وسيطرت عليه حالة الاكتئاب لمدة سنة كاملة.
الأصدق أم الأسرع
أباظة تزوج 5 مرات، الأولى من الفنانة تحية كاريوكا، حيث عقد قرانهما عام 1952 واستمر 3 سنوات، ثم دخل بعدها في علاقة سريعة مع زوجة صديقه المغني بوب عزام شقيق المطربة داليدا وتدعى بربارا، حتى طلبت الطلاق من زوجها وتزوجته، وأنجبت ابنته الوحيدة قسمت، التي بالرغم من عشقها لحياته الفنية إلا أن دفئ واهتمام الفنانة الاستعراضية سامية جمال أثناء تصويرهما فيلم “الزوج الثاني” كان كفيلًا بإنهاء علاقتها بعد زواج دام 4 سنوات، بعدما إنتشرت أخبار علاقة أباظة بالفنانة الحسناء، ووصل الأمر إلى باربرا، وهنا إشتعلت الخلافات بينهما، ومع ذلك حاول أباظة إنقاذ زواجه من أم إبنته على الرغم من تعلّقه بسامية، حتى أنه عندما عرض عليه بطولة فيلم “صراع فى النيل”، وجدها فرصة جيدة لإصطحاب زوجته معه لمحاولة تحسين الوضع، إلا أن الأمور لم تسر مثلما أراد، وحدث الانفصال في النهاية.
وبعد عدة شهور بدأت سامية تقوي علاقتها مع ابنته، حتى أن والدته أحبتها كثيراً، لأنها لاحظت تغييرا جذريا في سلوك ابنها، حيث جعلت منه رجلاً مسئولاً.
تزوج أباظة من سامية جمال في سبتمبر عام 1962، مما إستفز طليقته باربرا، فطالبت بحضانة ابنتها، لكن أباظة رفض التخلي عن حضانة قسمت، وانتقل إلى عمارة ليبون، حيث تقيم سامية التي تخلت بهذا الزواج عن حلمها، وأصبحت “ست البيت” تماماً كما يريد، فكانت تحضر له حقيبة ملابسه مع كل دور بطولة يحصل عليه.
الزوبعة
لكن في حياة “الدنجوان” لا تسير الأمور بشكل هادىء على طول الخط، فعندما سافر إلى لبنان لتصوير فيلم “إيدك عن مراتي”، كان هناك مشهد ترتدي فيه “الشحرورة” صباح فستان زفاف وتتزوج من أباظة أمام الكاميرات، إلا أنهما اتخذا الأمر بشكل جدي وبدأ بدعابة وأنتهى باتصال أباظة بشقيقته التي كانت تعيش في مدينة صيدا يخبرها بقدومه إلى المدينة وعليها أن تستدعي مأذون لأنه سيتزوج من صباح، مما أصابها بالصدمة، لأنه وقتها كان متزوجا من سامية ويحبها بشدة، لكن سرعان ما علمت “الشحرورة” بأن سامية على ذمته فطلبت الطلاق، وخافت أن يقال عليها “خطافة رجالة”، لكن أباظة كان عنيدا ورفض طلاقها بسهولة، حتى أنها طلبت من محاميها التدخل، وبالفعل وقع الطلاق بعد أسبوعين لتكون أسرع زيجة في حياته، وعاد إلى مصر ليجد سامية قد تركت منزل الزوجية وترفض كل محاولاته للصلح، حتى أنه بعد شهور كان قد فقد الأمل من أن تعود سامية إليه، حتى أنه حاول الانتحار عدة مرات، وكاد يطلق الرصاص على نفسه من مسدسه لولا تدخل ابن عمه الذي أصلح العلاقة بينه وبين سامية فيما بعد، والتي عادت إليه وكانت تساعده في البيت والأعمال واختيار الأفلام.
بعدها رشحت المنتجة آسيا داغر سامية لبطولة فيلم “الشيطان والخريف”، فوافق رشدي على عودة سامية إلى التمثيل، خصوصًا أنه هو البطل أمامها، وأثناء تصويرها مشاهدها أُصيبت سامية بشلل مؤقت، واستمر زواجهما قرابة 18 عاماً، لكن بعدما توفي المخرج عز الدين ذوالفقار، تأثّر أباظة، خصوصاً أنه دعمه كثيراً، وأصبح الأخير يسرف في شرب الخمور، وزادت عصبيته، وكانت سامية إلى جانبه تسامحه على كل تصرفاته، وتكافح من أجل إثناءه عن الشرب، حتى أنهما تشاجرا مرة وقال لها: “عشت طول حياتي حر وهاموت حر.. ومش هسمح لحد أن يتحكم فيا”.
استسلمت وقتها سامية وطلبت الطلاق، فجمع رشدي أغراضه وغادر منزله بعد 17 عاماً من الزواج، وانفصلا عام 1977.
وبمرور الوقت ندم على طلاقه لها وحاول أن يصالحها كثيرا، لكنه فشل، حتى تدخل بعض الأصدقاء، فقبلت بشرط أن يترك الشرب، فوافق على الرغم من صعوبة الأمر عليه، لكنه فوجىء برقصه لها في حفل مهرجان القاهرة السينمائي، فعاد لشرب الخمر مبرراً أنه غضب من تصرفها، فهو وافق أن ترقص في الأفلام وليس أمام الجمهور، وهكذا أسدلت الستارة نهائياً هذه المرة على علاقته بسامية.
أما نبيلة أباظة فكانت ابنة عمه وزوجته الخامسة التي تزوجها عام 1979 قبل وفاته بعام واحد.
المحطة الأخيرة
عام 1980 سافر أباظة للعاصمة البريطانية لندن بعدما عانى من آلام مبرحة، وكشفت التقارير الطبية التي أصدرها الأطباء المعالجون له بأنه يعاني من سرطان بالمخ، وأكدوا أنه لن يعيش أكثر من 3 أشهر فقط، لأن مرض السرطان بدأ في إفتراس جسده.
وإعترفت والدته فيما بعد إنها مررت هذه التقارير من أسفل باب غرفته عن عمد ليعرف حقيقة مرضه، وما يعاني منه، والذي كان له أثر سيء في نفسه وساهم بتدهور حالته الصحية، وعاد بعدها إلى مصر، وتم نقله لمستشفى العجوزة وهو يعاني آلامًا مبرحة في الأسبوع الأخير من حياته، كما أصيب بالضعف الشديد، وأصر أن يدفع مصاريف علاجه رافضًا العلاج على حساب الدولة أو حساب أي هيئة فنية، وبالفعل أعطى شقيقه شيكًا مفتوحًا لكي يتمكن من سداد ما يترتب على إقامته وعلاجه في المستشفى، ولم يعلم بدخوله المستشفى سوى شقيقه فكري وزوجته الفنانة حياة قنديل والفنانة نادية لطفي أقرب صديقاته، التي أجّلت سفرها إلى لندن لتصوير مسلسل من بطولتها لكي تبقى إلى جانبه في مرضه.
وقتها استقبلت المستشفى عددًا من الشبان أبدوا إستعدادهم أن يهبوا أي جزء من أجسادهم لإنقاذ أباظة إذا كان في ذلك شفاءٌ له.
ورحل أباظة صباح يوم 27 يوليو 1980 بعد أن توقف قلبه عن الخفقان، وكانَ قبل 48 ساعة فقط فاقَ من غيبوبته لعدة دقائق حيثُ رأى لأول مرة حفيده أدهم دياب الابن الأول لابنته قسمت وزوجها رجل الأعمال والفنان أحمد دياب، وعندما أعلن الأطباء وفاته أصيبت نادية لطفي بالإغماء، كما انهارت قسمت وأخذت تبكي وهي في حالة صعبة من التشنُّج ولم تفلح الأدوية المهدئة في إعادتها إلى طبيعتها.
حضرت سامية جمال الجنازة متخفية لكي لا يعرفها أحد، وبعد 3 أيام زارت قبره وقرأت له القرآن، ثم قالت: “كان نفسي تموت في حضني يا رشدي إنت اللي إخترت تموت بعيد عني”.
اقرأ أيضا : النجدة تبحث عن نور الشريف .. تعرف على السبب