حبر على ورق

مذبحة مستشفى المعمدانى

نوال مصطفى
نوال مصطفى

هل هناك كلمة يمكن أن تصف ما حدث؟ فى اللغة العربية، بل كل لغات العالم تعجز فى التعبير عن واقعة ربما تكون الأولى من نوعها عبر تاريخ الحروب فى العالم. أن يقصف مستشفى ويستهدف مرضى ضعفاء يرقدون عُزَّلاً، بلا حول ولا قوة.. قتل ومهاجمة مرضى يصارعون آلامهم، يتوسلون تضميد جراحهم، الاعتداء على بشر فى أضعف حالاتهم، فليس هناك شيء يهزم الإنسان أقوى من المرض. هل كلمة الوحشية تكفى لوصف هول ما حدث فى مستشفى المعمدانى بقطاع غزة مساء الثلاثاء 17 أكتوبر الحالى؟.

ردود الأفعال العالمية، وليس العربية فحسب تدين تلك المذبحة الإنسانية التى هزت مشاعر الناس على اختلاف جنسياتهم أو ديانتهم. المظاهرات اندلعت فى أكثر من بلد أمام سفارة إسرائيل والسفارة الأمريكية تعبر عن غضبها ورفضها لتلك الممارسات التى تضرب كل مبادئ الإنسانية، ومصر أعلنت بيانا شديد اللهجة تدين وتندد بالوحشية التى كسرت كل الحواجز وفاقت كل الحدود. البيان ناشد الرأى العام العالمى باتخاذ موقف سريع وحاسم لحماية الأرواح وإنقاذ آلاف المدنيين من نساء، وأطفال، وكبار السن الذين يتعرضون لهذا القصف الوحشى، دون اعتبار لأى قيمة من قيم حقوق الإنسان.

كذلك نشر الرئيس عبد الفتاح السيسى على صفحته على الفيسبوك «تابعت ببالغ الأسى القصف الإسرائيلى لمستشفى المعمدانى والذى أسفر عن سقوط مئات الضحايا الأبرياء والجرحى. وأدين بأشد العبارات هذا القصف المتعمد الذى يعتبر انتهاكا صريحا للقانون الدولى، ومقررات الشرعية الدولية والإنسانية، وأؤكد موقف مصر دولة وشعبا المتمثل فى رفضها لاستمرار هذه الممارسات ضد المدنيين ونطالب بوقفها بشكل فورى».

كذلك رفض الرئيس الفلسطينى محمود عباس الالتقاء بالرئيس الأمريكى بايدن خلال جولته فى المنطقة لمتابعة الأحداث، طلبت روسيا والإمارات عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة صباح 18 أكتوبر بشأن قصف مستشفى فى غزة. وأعلنت أكثر من دولة عربية الحداد لمدة ثلاثة أيام تضامنا مع الشهداء والضحايا الذين تعرضوا لهذه المجزرة..

الموقف جلل بالفعل، والوضع فى قطاع غزة أصبح لا يحتمل أن تقف الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية موقفا منحازا لإسرائيل خاصة وقد رأى الناس فى العالم كله حجم ما يعيشه الفلسطينيون فى قطاع غزة من دمار ووحشية جاوزت كل الحدود.. لقد منعت سلطات الاحتلال الإسرائيلى وصول المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح، قطعوا الكهرباء والماء، ولم يكتفوا بكل هذا، بل انقضوا على مرضى أبرياء، وسفكوا دماء أكثر من 500 شهيد حتى الآن مرشحين للزيادة خلال الأيام القليلة القادمة. فما الذى تسعى إليه إسرائيل؟ هل تخطط لإبادة جماعية لسكان القطاع أم ماذا؟.

لقد انسحب الرئيس السيسى والعاهل الأردنى أيضا من حضور القمة التى كان من المفترض أن تنقعد فى الأردن مع الرئيس الأمريكى بايدن ومحمود عباس الرئيس الفلسطينى، وبذلك ألغيت القمة تضامنا مع الشعب الفلسطينى الذى يواجه أصعب فترات الاحتلال الآن. لقد وصف العاهل الأردنى ما حدث فى مستشفى المعمدانى بـ «المجزرة» و»جريمة الحرب» وهى أوصاف حقيقية، واقعية تستوجب عقوبات دولية على مرتكبها ووقفة حاسمة لإيجاد حل لقضية عمرها خمسة وسبعون عاما، وحانت اللحظة الآن لوضع كلمة النهاية لها من خلال حل يعطى الفلسطينيين حقهم فى الحياة، ويمنحهم الضمانات للعيش فى سلام. والأدهى من كل ذلك هو أن يكذب نتنياهو وحكومته المتطرفة أمام العالم كله ويلقى باللائمة على المقاومة الفلسطينية.. الله وحده هو العالم بماذا تحمل الأيام المقبلة للأمة العربية والفلسطينيين؟ ولا نملك سوى الدعاء والدعم لهؤلاء الأبرياء.