«آخرساعة» تطرح السؤال الصعب: ماذا بعد توالى الحروب على غزة؟!

صورة موضوعية
صورة موضوعية

■ كتب: أحمد جمال

بعد أن دخل العدوان الإسرائيلي على غزة أسبوعه الثانى مخلفَا دماراً شاملاً فى القطاع ومسببًا لأكبر كارثة إنسانية فاقت حرب السبعة أسابيع فى 2014 حينما قادت فى ذلك الحين لاستشهاد أكثر من ألفى فلسطينى وإصابة آلاف آخرين وفى ظل بوادر اجتياح برى جزئى أو موسع فى القطاع، كان لابد من طرح سؤال جوهريا مفاده: ماذا بعد أن توالت الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة المتاخم للحدود المصرية؟

◄ موقف مصرى قوى وضغوط أوروبية لوقف الحرب وتسوية القضية

◄ الإسناوي: مطلوب السير في أكثر من اتجاه

بالعودة للتاريخ الحديث للحروب التى خاضتها إسرائيل ضد غزة منذ العام 2005، سنجد أنها خاضت ثمانى حروب فى ٢٠٠٦ حينما أقدمت حركة حماس على أسر الجندى الإسرائيلى شاليط، وفى ذلك الحين حاول الاحتلال الإسرائيلي التوغل داخل حدود القطاع للإفراج عنه لكنه فشل وتراجع بعد أيام من الضربات الجوية والاقتحام المحدود، ولم يستطع الوصول إليه إلا بعد أكثر من خمس سنوات من خلال صفقة تبادل الأسرى الشهيرة، وفى ديسمبر 2008 شن الاحتلال الإسرائيلى هجومًا على غزة استمر 22 يومًا وفى ذلك الحين كان المبرر إطلاق صواريخ من جانب حركة المقاومة حماس على سديروت جنوب إسرائيل، وبعد ذلك بما يقرب من 4 سنوات شن الاحتلال ضربات جوية على القطاع استمرت ثمانية أيام.

فى يوليو وأغسطس 2014 كانت الحرب الإسرائيلية الأكثر فداحة من جانب الاحتلال، إذ استمرت لسبعة أسابيع واسفرت عن استشهاد 2100 فلسطينى إلى جانب مقتــــل 73 إسرائيليا بينهم 67عسكريا، وحينما بدأت الاحتجاجات الفلسطينية على حدود قطاع غزة احتجاجاً على الحصار المحكم الذى مارسه الاحتلال، وفى 2018 فتح الاحتلال الإسرائيلى النار لإبعاد المحتجين وشن حربًا قصيرة أدت إلى استشهاد 170 فلسطينيا، وكذلك فإن العامين الماضيين كانا شاهدين على تصعيد إسرائيلى نجحت مصر فى إيقافه سريعًا، ففى المرة الأولى وتحديداً فى شهر مايو 2021، تسببت الجرائم والانتهاكات الإسرائيلية فى ساحات المسجد الأقصى فى أن تطلق حركة حماس بمشاركة الفصائل الفلسطينية وابلاً من الصواريخ باتجاه مناطق إسرائيلية عديدة، ووجد الاحتلال فى ذلك ذريعة ليخوض حربَا استمرت 11 يومًا ما أدى لاستشهاد 250 شخصًا فى القطاع إلى جانب مقتل 13 إسرائيليا، وتكرر الأمر فى أغسطس العام الماضي، لكن هذه المرة كانت حربَا بين الاحتلال وحركة الجهاد الإسلامى استمرت ثلاثة أيام دون أن تشارك فيها حماس التى يبدو أنها كانت تخطط لما هو يحقق نجاحًا عسكريا لها ضد الجيش الإسرائيلى فى السابع من أكتوبر الماضي، بما يشير إلى أن تلك الجولات المختلفة سيكون لديها تأثير قوى على مستقبل حل القضية الفلسطينية.

◄ طوفان الأقصى
الدكتور أبو الفضل الإسناوي، الخبير فى الشئون العربية، مُدير تحرير مجلة السياسة الدولية، قال إن عملية «طوفان الأقصى» التى نفذتها حركة حماس بالتعاون مع الفصائل الفلسطينية، كشفت عن تكتيكات جديدة للحركة وبرهنت على أن هناك دورا واضحا لقوى إقليمية مساندة لها فى مقدمتها إيران، وبرهنت أيضَا على أن إسرائيل لم تجد التعامل مع التهديد الأكبر لها داخل قطاع غزة، وأثبت الفشل الاستخباراتى الكامل لأجهزتها العسكرية، مُضيفًا أن الحرب الحالية تُساهم فى أن تتصدر القضية الفلسطينية واجهة الاهتمامات الدولية خلال السنوات المقبلة، وأن ما تعرضت له إسرائيل يضاعف الضغط على الحكومات اليمينية المتعاقبة وهو ما يجعل للحرب تأثيرا على واقع إسرائيل من الداخل مع إعلاء الحاجة للوصول إلى مرحلة الأمن الذى لا يتحقق كما أن الحرب أيضَا سيكون لها واقع مستقبلى مغاير على حركة حماس.

ورداً على سؤال ماذا بعد توالى الحروب على القطاع، أجاب الإسناوي، أن ذلك يتطلب السير فى أكثر من اتجاه، أولهما يرتبط بالتعامل مع تطورات الحرب الإسرائيلية الحالية، وذلك من خلال الضغط لتوصيل المساعدات الإنسانية فى أقرب وقت ممكن واستغلال الأوراق التى تمتلكها مصر للضغط على إسرائيل، إلى جانب الإعداد الجيد للدعوة التى وجهتها روسيا لانعقاد جلسة مجلس الأمن من خلال دولة الإمارات العربية المتحدة باعتبارها عضواً غير دائم ممثلاً للدول العربية، فى أن يتم تقديم ورقة عربية قوية تتبنى إصدار قرار بإدخال المساعدات ووقف الحرب، مشيرا إلى أن الحل الأبعد يتمثل فى أهمية الوصول إلى سلام عادل وشامل على أساس حل الدولتين، وتوقع أن تشهد الأيام المُقبلة تغيرات واسعة فى المواقف الأوروبية نتيجة الضغوطات التى تمارسها عليها أطراف عربية مختلفة معتبراً أن تأخر الاجتياح الإسرائيلى الذى كان متوقعا بعد ساعات من عملية طوفان الأقصى يبرهن على أن هناك أوراق ضغط عربية عديدة يجرى استخدامها حاليًا.

◄ اقرأ أيضًا | «العربية لحقوق الإنسان» تشدد على اتخاذ موقف حاسم لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي 

◄ الحل الأمثل
السفير رخا أحمد حمد، عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية، يرى أن الحل الأمثل يبقى فى سرعة تدخل أطراف عربية لديها علاقات قوية مع إسرائيل وحلفائها لإثنائها عن الاستمرار فى الانتهاكات التى تمارسها، وفى الدرجة الأولى الولايات المتحدة الأمريكية، وإن كانت داعمة بشكل كامل لما تقوم به إسرائيل ويصعب التأثير عليها، لكن الأهم هو الضغط العربى على الدول الأوروبية بما لدى كثير من البلدان العربية من علاقات عواصم غربية داعمة لإسرائيل، كما يرى رخا أن مسألة الاجتياح الكامل لقطاع غزة تبقى محل خلاف بين الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، ومن المتوقع أن يكون جزئيا مثلما حدث من قبل، مع الإدراك بالكلفة الباهظة للاجتياح الكامل على قوات الاحتلال، كما أن استمرار الحرب لفترة طويلة يعد نقطة ضعف إسرائيلية لأنها اعتادت على المهام العسكرية السريعة مع اعتمادها بشكل كامل على جنودها من الاحتياط ما يجعل تكلفة الحرب الاقتصادية كارثية بالنسبة لها، وتوقع أن يكون هناك نقاشات بشأن إيصال المساعدات عبر ممرات ومناطق أخرى إلى جانب معبر رفح سواء كان ذلك من خلال البحار أو عبر المعابر الأخرى التى تسيطر عليها إسرائيل، معتبراً أن ذلك لابد أن يحدث لأن استمرار الضربات الغاشمة وانتشار الدمار الشامل الذى تسبب فيه أمام أعين الرأى العام الدولى يشكل إحدى أدوات الضغط عليها.

وأشار إلى أن القاهرة تحولت خلال الأيام الماضية إلى قبلة لكثير من السياسيين والمسئولين الغربيين إدراكاً منهم بأهمية أدوارها التى سبق وأن قامت بها كوسيط بين حركات المقاومة وإسرائيل، وأن زيارة وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن جاءت فى هذا السياق، كما أن مصر تكثف اتصالاتها مع الهيئات والمنظمات الدولية والإغاثية وفى القلب منها «الأنروا» الوكالة الدولية لغوث وتشغيل اللاجئين.

◄ مرحلة فاصلة
من جانبه، أكد الدكتور بشير عبدالفتاح، الباحث والمُحلل السياسي، أن القضية الفلسطينية أمام مرحلة فاصلة من تاريخها وتواجه فيها مسألة تصفيتها بشكل نهائى بما يقوض الوصول للسلام على مبدأ حل الدولتين، وأن الموقف المصرى القوى فى التصدى لدعاوى تهجير أهالى غزة هو ما يعرقل المساعى الإسرائيلية، مُضيفًا أن الحل الأمثل لابد أن يرتبط بالعودة للمرجعية الدولية والقرارات الصادرة عن الهيئات الأممية والدولية بشأن إقامة دولة فلسطين المُستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وهو ما يُساهم فى أن يحل السلام والاستقرار والتنمية فى المنطقة، على أن تتوقف إسرائيل عن فكرة فرض الأمر الواقع، وأن تقبل بسلام حقيقى يُحافظ على المصالح المُشتركة لكافة الدول العربية، وأن تتوقف القوى الدولية الكبرى عن توجيه سياساتها لصالح الاحتلال وأن تتوقف عن إزكاء الصراعات فى المنطقة.

ولفت بشير، إلى أن الواقع يشير إلى أن إسرائيل مصرة على الانتقام رداً على صفعة السابع من أكتوبر وأن رئيس وزرائها أو حتى الولايات المتحدة الأمريكية لم يتحدثا قط عن إمكانية وجود هدنة إنسانية وأن الحديث الوحيد دار حينما تطرق الأمر لإجلاء أصحاب الجنسيات الأجنبية، مشيراً إلى أن قطاع غزة تمت تسويته بالأرض تماما وسيكون بحاجة لمشاريع إعادة إعمار طويلة المدى وبمشاركة واسعة من مؤسسات وهيئات دولية كما أن مستقبل حماس يبقى مجهولاً.