حديث الأسبوع

الفقر ليس قدرا محتوما بل هو لعبة قذرة

عبدالله البقالى
عبدالله البقالى

الذين يربطون الفقر بالقدر، إنما يسعون إلى تبرير الأسباب الحقيقية التى تقود إليه، و هم فى ذلك فريقان: الأول يفعل ذلك من باب الجهل والإيمان  بالغيبيات و ربط المآسى و الاختلالات بالعوامل العقائدية، بينما الثانى يتعمد استعمال وتوظيف مثل هذه التفسيرات لتكريس السائد وإخضاع الناس للأمر الواقع .


الواضح أن السبب الرئيسى فى تفشى مظاهر الفقر والهشاشة الاجتماعية و التخلف والجهل يعود بالأساس، إلى انعدام التكافؤ والعدالة فيما يتعلق باستفادة بنى البشر على قدم المساواة من عائدات الثراء العالمي، و فى هذا السياق  نجد أن أقلية قليلة من البشر تستحوذ على النصيب الأوفر من الثراء العالمي، ولذلك فى الوقت الذى تعيش فيه الأقلية القليلة تخمة كبيرة فى تلبية احتياجاتها الأساسية والكمالية فى الحياة، فإنه فى الوقت نفسه تعرف الغالبية من ساكنى العالم فى مساحات شاسعة من الكرة الأرضية خصاصا كبيرا وفظيعا فى تلبية احتياجاتها الأساسية فى العيش .


بيانات و معطيات المنظمات الدولية المختصة تساعدنا على فهم ما يجري، وتتجه إلى تأكيد أن الفقر ليس قدرا محتوما على جزء معين ومحدد من البشر. إنما هو نتيجة طبيعية و منطقية، بل وحتمية، لكثير من العوامل التى تسببت فيها سياسات اقتصادية واجتماعية معينة. فى هذا السياق يشير البنك العالمى إلى حقيقة مثيرة تؤكد أن مؤشرات معدلات الفقر المدقع فى العالم اتجهت منذ سنة 2020 إلى الارتفاع لأول مرة منذ 25 سنة، فى الوقت نفسه الذى كشفت فيه الإحصائيات و البيانات عن  أن الثروات الهائلة لدى أثرياء العالم، زادت بشكل كبير. بما يعنى أن تداعيات جائحة كورونا، بقدر ما كانت نقمة على ملايين البشر و تسببت لهم فى مآس اجتماعية حقيقية، فإنها فى الوقت نفسه كانت نعمة على الأقلية القليلة التى يمكن تسميتها حاليا ب (أثرياء الجائحة) بعدما استغلت  الكارثة الإنسانية التى حلت بالبشرية لمراكمة مزيد من الثروة على حساب معاناة البشر .


بيانات البنك الدولى تشير  إلى أنه قبل الجائحة كان واحد بالمائة من البشر فى العالم يستحوذ على 54 بالمائة من الثروة العالمية الجديدة على مدى العقد الماضي، بينما ارتفعت هذه النسبة بعد الجائحة إلى استحواذ واحد بالمائة من ساكنى العالم على 63 بالمائة من الثروة فى الكون .بما يعنى أن واحدا من كل مائة شخص من سكان العالم استحوذ على 26 تريليون دولار من أصل 42 تريليون دولار كقيمة للثروة العالمية سنة 2021. وبذلك تكشف هذه المعطيات الصادمة  أن طبقة أصحاب الملايين أصبحت أكثر ثراء مما كانت عليه فى السابق ب 2٫6 تريليون دولار .
 ومن الحقائق الصادمة التى كشفت عنها الأوساط المالية المختصة،  أن نسبة عالية جدا من التضخم فى كثير من الاقتصادات الكبيرة والقوية والارتفاعات المهولة فى أسعار المواد الأساسية، سببها زيادة أرباح الشركات الكبرى والعملاقة. كما كشفت أبحاث أجرتها منظمة (أوكسفام) أن أصحاب الثراء الفاحش فى العالم هم أكثر الأفراد تسببا فى أزمة المناخ، إذ ينبعث من الاستثمارات الملوثة لأصحاب  المليارات، مليون مرة ضعف ما يصدر عن الشخص العادى من الكربون. وأن انبعاثات هذه الاستثمارات المملوكة لأغنى شخص واحد من كل مئة فرد فى العالم تصل إلى ضعف الانبعاثات الناجمة عن أنشطة نصف ساكنى الكون الأكثر فقرا. والأدهى من ذلك، فإن هذه الأبحاث تؤكد أنه بحلول سنة 2030، و إذا ما بقيت الأوضاع على ما هى عليه حاليا، فإن ما ستسببه الاستثمارات الملوثة لأثرياء العالم الذين لا تتجاوز نسبتهم واحد بالمائة فيما سيوازى ثلاثين مرة مستوى انبعاثات الكربون حاليا .
الأمر لا يقف عند هذا الحد، والذى يتضح فيه أن شخصا واحدا من كل مائة شخص فى العالم يستحوذ على الجزء الأكبر من كعكة الثروة العالمية، وأن هذه الأقلية القليلة هى المسؤولة بنسبة عالية جدا عن أزمة المناخ. و هكذا كشف تقرير آخر حديث لمنظمة (أوكسفام) أن الضرائب على الأشخاص الأكثر ثراء فى العالم كانت فيما مضى أعلى بكثير مما عليه حاليا، إذ على مدى الأربعين سنة الماضية اتخذت حكومات دول فى العديد من القارات قرارات تقضى بخفض معدلات الضريبة على الأشخاص الأكثر ثراء، فى الوقت نفسه قررت رفع معدلات الضرائب على السلع والخدمات التى يستهلكها و يحتاجها الأشخاص الأكثر فقرا فى العالم، بما يعنى أن أثرياء العالم استفادوا من قرارات حكومية مما مكنهم من الزيادة فى حجم و قيمة الأرباح ، بينما زادت رقع ثقوب جيوب الفقراء اتساعا، مما زاد من مستوى الفقر .


فى مقابل ذلك و وفقا لتحليل أنجزه تحالف محاربة اللامساواة، ومعهد الدراسات السياساتية، و منظمة أوكسفام، وأصحاب الملايين الوطنيون، فإن فرض ضريبة سنوية لا تتجاوز نسبتها 5 بالمائة على الأشخاص الأكثر ثراء فى العالم (يعنى على 1 بالمائة من سكان العالم) سيوفر غلافا ماليا بقيمة 1٫7 تريليون دولار، و هو ما يكفى لانتشال مليار شخص من براثن الفقر، ولضمان تمويل كامل للعجز المسجل  فى الاستجابة للنداءات الإنسانية، وتنفيذ خطة عشرية للقضاء على الجوع ودعم البلدان الفقيرة التى تدفع الثمن غاليا من جراء تداعيات أزمة المناخ، التى لا مسؤولية لها فيها،  وتوفير الرعاية الصحية الشاملة والحماية الاجتماعية لكل من يعيش فى البلدان المنخفضة الدخل و ذات الدخل المحدود .
لهذا كله وغيره كثير قلنا : إن الفقر ليس قدرا محتوما على شريحة معينة من بنى البشر، بل الفقر قضية لعبة قذرة من ألاعيب السياسة التى تنظم و تؤطر النظام العالمى السائد.
نقيب الصحافيين المغاربة