بعد 40 سنة .. طفل يحقن الدماء وينهي خصومة «ولاد العم»

طفل يحقن الدماء وينهي خصومة
طفل يحقن الدماء وينهي خصومة

قنا‭: ‬أبو‭ ‬المعارف‭ ‬الحفناوي

 يمثل الثأر عائقًا كبيرًا في عملية التنمية خاصة في قرى الصعيد، والذي انتشر عقب الانفلات الأمني عقب ثورة 25 يناير في 2011، وتبذل لجان المصالحات في قنا بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية والتنفيذية والشعبية والدينية، جهودًا مكثفة لإنهاء كافة الخصومات الثأرية في الصعيد،  تنفيذًا لتوجيهات رئيس الجمهورية في هذا الشأن؛ لتحقيق الأمن والأمان للجميع.

ومن ضمن المحافظات التي انتشرت فيها الخصومات الثأرية في الصعيد، محافظة قنا، ومن أبرز هذه الخصومات الثأرية خصومة «الطوايل والغنايم» والتي راح ضحيتها 17 قتيلا، بسبب خلافات على 50 قرشا زيادة في كارت شحن، وانتهت بكلمة شرف والصلح بين الطرفين،  ومثلها خصومة «السحالوة والمخالفة» والتي راح ضحيتها 12 قتيلا، وانتهت أيضا بكلمة شرف، وكانت بسبب «شوية ميّه»، وتعد خصومة أبناء العمومة بعائلتي «الخطبة والجوالين» اللذان ينتميان إلى عائلة «الجبارنة» بقرية الكرنك في ابوتشت، هي الأبرز في الآونة الأخيرة خاصة بعد سقوط 9 قتلى، 5 من العائلة الأولى و 4 من العائلة الثانية، بسبب خلافات على «طرنش مياه».

وبذلت لجان المصالحات بالتنسيق مع الأزهر الشريف، تحت اشراف الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، جهودًا مكثفة، لإقناع الطرفين بالصلح، في هذه الخصومة، والتي بدأت منذ 40 عاما، وتجددت في 2017 وراح ضحيتها 9 قتلى، فضلا عن وقوع إصابات، والقبض على عدد من المتهمين، والحكم على عدد منهم بالإعدام شنقًا والمؤبد.

هنا تحولت المنطقة التي يقطن بها «ولاد العم» إلى خراب؛ بعدما تيتم أطفال، وترملت نساء، بعد أن فقدت الأسرة عائلها الوحيد، كانت طلقات النيران تدوي في كل مكان، لا ترحم صغيرًا أو كبيرا، وربما يصاب أو يسقط قتلى من خارج العائلتين، وتتسع دائرة الدم، بين العائلات، وهذا ما حدث بالفعل، إلا أن كبار العائلات تدخلت بعد إصابة أشخاص من خارج العائلتين، تصادف مروره وقت الاشتباكات، واعتبروا ذلك عن طريق الخطأ، وأنهوا خلافات كانت من الممكن أن تتحول إلى خصومات ثأرية بين عدد من العائلات في قرية معروفة بأنها «بلد العلم والعلماء».

«الخطبة والجوالين»

تتميز هذه القرية بأن عائلاتها متحابة، يودون بعضهم البعض، يقفون جميعًا وقفة رجل واحد في جميع المناسبات، بينهم علاقات قرابة أو نسب أو جيرة، تجمعهم المحبة والأخوة، وفجأة بسبب خلافات تافهة، تبدأ بينهم الصراعات، يُقتل فيها من يُقتل، ويُحبس فيها من يُحبس، ويهجر القرية البعض منها، سواء من العائلات المتخاصمة، أو من غيرها خشية وقوعهم ضحايا رصاصات الثأر.

وتبدأ لجان المصالحات أعمالها، للحد من اتساع دائرة الدم، ومحاولة إقناع الطرفين بالصلح، وبعد عدة جلسات عرفية، ووضع بنود ومحاضر للصلح، بالاتفاق مع الأمن، يتم تجهيز سرادق كبير، يُقدم فيه أحد أقارب القاتل، أو القاتل نفسه بعد خروجه من السجن «القودة»، لأحد أقارب المجني عليه، بحضور القيادات التنفيذية والشعبية والدينية وعمد ومشايخ وأهالي القرى، لإعلان إنهاء الثأر وتقبل العزاء، كما يتم وضع بنود للصلح منها شرط جزائي من الممكن أن تصل قيمته الى مليوني جنيه، ضد من يخالف بنود الصلح.

وفي هذه الخصومة الثأرية بين عائلتي الخطبة والجوالين، والتي تمكنت لجان المصالحات بالتنسيق مع الأزهر الشريف ورجال الأمن، شهدت ظهور طفل لم يتعد الثانية عشر من عمره، يتقبل الكفن، من قتلة والده، ليعلن عن إنهاء أبرز خصومة ثأرية قائمة في قنا، والتي استمرت 40 عاما.

الطفل كان حديث الساعة، خاصة بعدما حملوه على الأعناق، وكبروا «الله أكبر»، وتعانق المتخاصمون، في مشهد كان ينتظره الجميع، حتى تعود القرية إلى طبيعتها، وتنتهي الصراعات التي أثرت بشكل سلبي على الجميع.

يقول العمدة علي قاعود، رئيس لجنة الصلح، في حديثه لأخبار الحوادث: إن الطفل الذي ظهر وهو يتقبل الكفن «القودة»، هو نجل محمود الخطيب، من عائلة الخطبة، والتي راح ضحيتها 5 أشخاص، وهو الذي تقبل الكفن برفقة أعمامه، لإنهاء هذه الخصومة الثأرية.

وأوضح رئيس لجنة الصلح؛ أنه جرى العرف أن العائلة التي فقدت عددًا أكبر من العائلة الأخرى، هي التي تتسلم القودة لإنهاء الثأر، وخصومة الخطبة والجوالين، راح ضحيتها 9 أشخاص، 5 من عائلة الخطبة كان آخرهم محمود الخطيب، و 4 من عائلة الجوالين، وبالتالي قضت لجنة الصلح بتسليم القودة، لأهل المجني عليه الأخير وهو محمود الخطيب، وتسلم ابنه وأشقاؤه القودة، بحضور أمني وشعبي وتنفيذي.

وكشف قاعود، أن أشقاء المجني عليه، أصروا أن يتقبل نجله الكفن، حتى لا يلوم عليهم بعد أن يكبر، بأنهم أنهوا الخصومة، دون موافقته، ولذلك حصلوا على موافقته وجعلوه يتقبل القودة «عشان لما يكبر مياخدش تار أبوه».

وأوضح قاعود؛ أن هذه الخصومة الثأرية بين الخطبة والجوالين، هي الأبرز في قنا، بعد صراع بين أبناء العمومة، استمر لسنوات، تم اقناع الطرفين بالتصالح بمباركة أمنية وبرعاية الإمام أحمد الطيب شيخ الأزهر، والقيادات الشعبية وأعضاء مجلس النواب.

رسالة شيخ الأزهر

وأكد الدكتور عباس شومان، رئيس اللجنة العليا للمصالحات، وكيل الأزهر الأسبق، أهمية إنهاء مثل هذه الخصومات، موضحًا أن الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وجه بالمسارعة إلى إنهاء الخصومات ونبذ الخلافات بين الناس والقضاء على ظاهرة الثأر، انطلاقًا من سماحة الإسلام ودعوته الخالدة إلى الإخاء بين الناس وأن يكونوا دائمًا يدًا واحدة للبناء وإعمار الأرض وعدم الخراب فيها.

وأثنى الدكتور عبدالمنعم فؤاد، عضو اللجنة العليا للمصالحات بالأزهر، على لجوء العائلتين للصلح، فهو من الأخلاق التي دعا إليها الإسلام حفاظًا على الدماء والأعراض، ونشر للأمن والاستقرار.

وأكد أن اللجنة تكثف جهودها للقضاء على ظاهرة الثأر بالصعيد وحفظ دماء الرجال والاستفادة من طاقات الشباب في البناء والإعمار وخدمة الدين والوطن، والأزهر جزء من المجتمع، لهذا يسعى علماؤه ليل نهار للحيلولة دون استمرار مثل هذه الظواهر في المجتمع، ونشر حالة الإخاء والتسامح.

وقال اللواء أشرف الداودى محافظ قنا: إن المحافظة بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية، تبذل قصارى جهدها لإنهاء الخصومات الثأرية، من خلال مبادرة قنا بلا خصومات ثأرية، ونجحت المحافظة في إنهاء العديد من الخصومات الثأرية، بالتنسيق مع لجان المصالحات.

وأضاف الداودي؛أن الثأر من أبرز معوقات التنمية في الصعيد، فهو موروث ثقافي خاطئ،  علينا جميعا محاربته، لافتا أن الدولة تولي اهتمامًا بالقرى التي تنتهي فيها الخصومات الثأرية، من خلال تطويرها وتوفير الخدمات لأبنائها. 

اقرأ أيضا : زواج «بنات القبائل» بالصعيد.. أسرار دستور «ولاد العم»


 

;