«مهمة ثقيلة» قصة قصيرة للكاتب محمود حمدون

الكاتب محمود حمدون
الكاتب محمود حمدون

 وكل الذين قابلتهم وأسديت لهم النصح نزولًا على رغبتهم, عملوا بما قلت والتزموا به حرفيًّا, تغيّرت أحوالهم, بينما ظللت أنا على حالي, حتى التقيت بعضهم بعد سنوات, فكان كلّ منهم ينصحني دون طلب منيّ, تحمل كلماته توبيخًا مستترًا, لم يتورع أحدهم أن يشير إلى أن الزمن يمضي وأنا ملتصق لا زلت بالأرض.

أذكر أن منهم من صارحني بأن النصيحة واجبة لمن يرغب أن يعمل بها, أظنه وضع يده في جيبه غير أنه تهيّب ردة فعلي العنيفة فأمسك عن تصرفه.

لكني لست أنكر أن شهرتي لم تتعد مساحة جغرافية ضيقة, أصحاب المقاهي البلدي التي أميل إليها, بعض جارسوناتها من الكهول.. يرحبون بقدومي, يسألونني كل مرة عن طلبي وغايتي وهم بها أعلم منّي من زمن بعيد.

أجزم أنني لا أعرف أسماء غالبية هؤلاء, أومن أنهم كذلك يجهلون اسمي كاملًا وبعضهم يكتفي فقط بالاسم الأول, كأنما اتفقنا جميعًا على أن الاسم لا أهمية له, شأنه شأن كثير من أمور حياتنا التي لا ينبغي أن نقف أمامها.

على العموم لا زلت أمارس هوايتي الوحيدة بعد معاقرة القهوة, أن أتطوع النصيحة لمن يطلبها, أقدّمها في غلاف برّاق يجذب العقل قبل القلب, أخلص فيها كأن الساعة ستقوم بعدها.

وما زال كلما ذهبت لمقهى, أجد أحدهم قد عمل بما قلت, اختفى من الصورة, غاب عن المشهد..

ينقضي زمن ثم يترامي إلى أذني وقع خطوات قادمة من الظلام, أكاد أعرف صاحبها, يلقي على سمعي بما شاء من نصائح يراها جديرة بالاعتبار, يهز كتفيه, يمتعض, يرجوني كمن يؤدي مهمة ثقيلة, أن أقتنص ما تبقى من وقت, ثم يمضي إلى شأنه بعدما يشملني والمكان بنظرة تحمل الكثير.