لا أظن أنهم حضروا حصص الرسم التي كنا نحضرها في المدارس، وإن حضروا لا أظن أنهم خطوا علم مصر مرفوعا على جبل رسمناه بألوان خشبية في أيادينا وعلى الشفاه بسمة وفي القلوب فرحة، لا أظن أن جماعة الإخوان الإرهابية كانت تولي حصص الرسم اهتماما، لا أظنهم يعيرون الفن عموما اهتماما، ونحن مازلنا نحتفل وسوف نظل نحتفل بالانتصار الذهبي، انتصار العزة والكرامة، انتصار أكتوبر المجيد، نجد من يشكك في هذا الحدث الذي هز أركان الدنيا وما زال صداه ممتدا في العالم كله، نجد من يحاول أن يقنع الأجيال الجديدة أن ما أريق على تراب سيناء ليس دما طاهرا، ما دفعه الرجال لإسترداد الأرض، وما قدمته النساء من تضحيات ما هو إلا وهما، نعم هناك من يحاول نسج روايات شيطانية، من وحي خيال واهن وعفن، يكرس لنظريات خائبة وضحلة، يبذل مجهودا ويتفنن في إثبات مسلمات اعترف بها الجميع، إن كان هؤلاء ينتمون إلى الكيان الصهيوني، فالعذر ربما يكون موجودا، أن كانوا من قادة إسرائيل فالسبب معلوما، الدرس كان قاسيا، المشاهد لا تنسى والتاريخ لا يمحي وغطرستهم التي غرقت مع خط حمايتهم لم تجف بعد.. لكن المدهش أن من يروج لهذه الخزعبلات ليس صهيوني النشأة، ليس إسرائيلي الجنسية، هو للأسف مصري.
في خضم احتفالاتنا بمرور نصف قرن على الحرب، الأهم في تاريخ العسكرية، الحرب التي وصفها الرئيس عبد الفتاح السيسي - ومعه كل الحق - بأنها قفزة عسكرية ومعجزة تحققت بفضل الله ثم الرجال، نجد هؤلاء، يشككون، يسخرون، يحاولون تغيير مجرى النهر، مسار الشمس، ولا عجب، أنهم أبناء الجماعة التي لا تحب مصر ولا تعترف بمصر ولا ترى مصر، أبناء الجماعة التي في كل أزمة وطنية تجدهم فرحين، شامتين، يعلون من قيمة الجماعة ولا يهمهم الوطن، هذه عقيدتهم، هذه مبتغاتهم.
علمونا في المدارس أن مصر أولًا، علمونا في السينما أن مصر تفضل غالية عليا، سمعناها في الأغان ورددناها، ابكي، اضحك، اموت، وتعيشى يا ضحكة مصر، لكنهم ذهبوا للمدارس وفاتهم دروس التربية الوطنية، قالوا الرسم رجس من عمل الشيطان فلم يرسم أي منهم علم بلاده، اكتفوا بسيوف وضعوها كرمز، لم يشاهدوا يوسف شاهين ولم يتحرك لهم جفن ولم يهتز لهم مشاعر وبطله يصد عدوان فرنسي في “الوداع بونابرت” وهو ينادي ونحن معه: “مصر تفضل غالية عليا”، لم يقفوا في خندق على الممر ولم يغنوا مع الكبار محمود مرسي ومحمود ياسين وصلاح السعدني وأحمد مرعي: “ابكي، احزن، اموت وتعيشى يا ضحكة مصر”، هم لا يحبون شاهين ويكرهون الغناء ويرفضون الوطن ويسبونه.
شمس أكتوبر التي أشرقت من 50 عاما ما زالت ساطعة، مازالت ملهمة، مازالت مرجعا ودليلا على أن من قال إنه لا يقهر، قهر، شمس أكتوبر تملأ الأرض وظلالها ونتائجها نراها كما نرى الشمس نفسها، ننعم بدفئها ونجني ثمارها طالما هناك رجال عاهدوا الله على أن تحيا مصر، طالما هناك شعب أمن بهم وبمصر، طالما كانت حصص الرسم وطالما دارت كاميرات السينما وطالما نظمت الأغان.
لا ينخدع شعب آمن بحقه في الحياة، لا عودة للوراء، جسد هذا الوطن لن يقبل عضوا فاسدا، ملوثا، يفتح الباب لعودة جماعة تكفر بالوطن، لا ترى إنجازاته، لا تفرح بانتصاراته، تتمنى سقوطه، تسعى لتوريطه بأي ثمن، تسعى لسقوطه، تحمل في قلبها - إن وجد- سوادا.
هذا الوطن أكبر، هذا الوطن أعظم، هذا الوطن باق، لن يفلح مسعاكم، لن تنطلي علي أهله أكاذيبكم، لن ننخدع، لن نسمح بفوضى تسعون لها، لن يكسرنا ظروف، مستمرون في نهضتنا الحقيقية التي يراها العالم كله، مستمرون في احتفالاتنا بنصر حققه “الولاد السمر الشداد”، مستمرون في الاحتفال بما تحقق ويتحقق ولو كره الإخوان ومن معهم ومن يفتح الباب لعودتهم، الباب مغلق بأمر الشعب، نقطة ونهاية السطر.