مع انطلاق «طوفان الأقصى»

دخول إسرائيل في حالة حرب| «السلام الشامل» كلمة السر لإنهاء التوتر بالشرق الأوسط

صورة موضوعية
صورة موضوعية

■ كتب: أحمد جمال

لم تستجب الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة للنداءات المصرية المستمرة بضرورة الوصول لاتفاق سلام يُنهى الصراع التاريخى فى منطقة الشرق الأوسط واستمرت فى نهجها الرافض لأى مبادرات أو بوادر من الممكن أن تقود للسلام، وهو ما أخذ فى التصاعد منذ تشكيل حكومة يمينية متطرفة يرأسها رئيس الوزراء الإسرائيلى الحالى بنيامين نتيناهو، وهو ما قاد فى النهاية لأن تلقى إسرائيل أقوى ضربات تعرضت لها منذ نصف قرن مع الانتصار المصرى فى حرب أكتوبر المجيدة.

◄ الحكومات الإسرائيلية لم تتجاوب مع مبادرات مصر للوصول إلى اتفاق سلام

◄ الوضع خرج عن السيطرة والمعادلة أصبحت معقدة

وعبَّرت عملية «طوفان الأقصى» التى أطلقتها المقاومة الفلسطينية فى السابع من أكتوبر الجاري، عن أن الغرور والغطرسة والاستمرار فى عمليات القتل والانتهاكات الممنهجة التى يتعرض لها الشعب الفلسطينى بشكل يومى لن تحقق الأمن والاستقرار بأى شكل من الأشكال حتى وإن سعت الحكومات الإسرائيلية لحصار الشعب الفلسطينى وتدمير البنية التحتية لكثير من المرافق والمنشآت العامة، وإن استمرت فى شن حروب متفرقة هدفت إسرائيل من خلالها لتدمير أسلحة المقاومة وعدم منحها الفرصة على إعادة ترتيب صفوفها.

وعلى مدار عقود طويلة حاولت مصر بشتى السبل تحريك مسارات السلام التى تقود لإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وسعت عبر مبادراتها واتصالاتها العديدة مع أطراف دولية وإسرائيلية لأن تخلق أجواء مواتية لهذا الاتفاق من خلال التدخل المباشر لوقف الحروب التى شنتها إسرائيل بشكل متفرق على قطاع غزة، وتوصلت إلى اتفاقات تهدئة وهدن عديدة ساهمت فى حقن دماء الشعب الفلسطيني، بالإضافة لتدخلها المهم فى إعادة إعمار القطاع وخلق بيئة للحياة تساهم فى عدم الوصول إلى مرحلة الانفجار الحالية.

◄ هروب.. وتصعيد
وتهربت إسرائيل مرات عديدة من المساعى المصرية لخلق عمليات تفاوضية مباشرة مع الجانب الفلسطيني، ورغم أن الفصائل الفلسطينية التزمت بما جرى التوصل إليه من هدن واتفاقات تهدئة سواء كان ذلك من خلال حركة حماس أو حركة الجهاد الإسلامى إلا أن التصعيد الإسرائيلي ظل مستمراً خلال الأشهر الماضية واستمر الاحتلال فى انتهاكاته اليومية لباحات المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية، بل إنها توسعت فى خطط الاستيطان واستمرت فى استهداف قادة المقاومة الفلسطينية فى أماكن متفرقة، وبدا أنها كانت تستعد لحرب برية على قطاع غزة بما يساعد حكومة نيتاهو على بناء شرعية جديدة يكتسبها من خلال الحرب ويؤسس من خلالها حكومة وحدة وطنية تضمن بقائه فى منصبه.

وجاءت التحذيرات المصرية فى مرات عديدة من «المخاطر الجسيمة» للتصعيد الإسرائيلى المستمر ضد الفلسطينيين، وطالبت فى مناسبات مختلفة الأطراف الفاعلة والمؤثرة دولياً بالتدخل لوضع حد لتلك الانتهاكات، وتوفير الحماية للشعب الفلسطيني، واعتبرت أن تصعيد قوات الاحتلال يقوض المساعى المبذولة من جانب مصر والشركاء الإقليميين والدوليين لخفض التوتر فى الأراضى المحتلة.

◄ هدف العملية
وبحسب ما أعلنه القائد العام لـ«كتائب عز الدين القسام» الجناح العسكرى لحركة حماس الفلسطينية، محمد الضيف، فإن بدء عملية «طوفان الأقصى» جاء لوضع حد «للانتهاكات الإسرائيلية»، وأن «الضربة الأولى والتى استهدفت مواقع العدو ومطاراته وتحصيناته العسكرية قد تجاوزت 5 آلاف صاروخ وقذيفة».

وطوفان الأقصى، هى عملية عسكرية نفذتها حركة «حماس» بشكل متزامن عبر الجو والبحر والبر، فى السادسة والنصف من صباح السبت، واستهدفت الضربة الأولى لها مواقع ومطارات وتحصينات عسكرية إسرائيلية، وتم إطلاق خمسة آلاف صاروخ على أهداف إسرائيلية فى أول عشرين دقيقة لبدء العملية، فى القدس وتل أبيب وأشدود والعمق الإسرائيلي، وتسلل المئات من عناصر الحركة إلى مستوطنات غلاف غزة ونفذوا حرب شوارع ضد جنود الاحتلال.

وأفادت محطات تلفزيون إسرائيلية، بارتفاع عدد القتلى الإسرائيليين جرّاء الهجوم الذى شنته حركة حماس، أمس السبت، إلى أكثر من 600 شخص، فضلًا عن إصابة أكثر من ألفين آخرين وفق بيان لوزراة الصحة الإسرائيلية، وأسر أكثر من 100 إسرائيلى إضافة لـ 750 شخصا فى عداد المفقودين.

وفى المقابل أعلنت الحكومة الإسرائيلية، رسميا حالة الحرب فى البلاد، وذكر مكتب نتنياهو: «وافق مجلس الوزراء السياسى الأمنى الليلة الماضية على حالة الحرب، وبالتالى القيام بعمليات عسكرية كبيرة وذلك وفقا للمادة 40 من قانون الحكومة الأساسي».

◄ نقطة الانفجار
وقال الدكتور أحمد فؤاد أنور أستاذ التاريخ والدراسات العبرية، إن مصر دائما ما حذرت من تجاوزات الإسرائيليين فى المسجد الأقصى واقتحام المخيمات فى الضفة واعتبر أن ذلك يعبر عن إهدار لليد الممدودة للسلام من جانب الرئيس الفلسطينى محمود عباس أبومازن، وأن إسرائيل عملت على إضعاف السلطة الفلسطينية إلى أن وصلنا لنقطة الانفجار، وبالتالى فإن الحكومة الإسرائيلية مسئولة بشكل كامل عن عملية «طوفان الأقصى»، طالما أنه لا يوجد تدخل دولى حقيقى يضغط على الاحتلال لوقف جرائمه.

وأضاف أن إسرائيل كانت ترى خلال الفترة الماضية أن الأولوية للتنسيق الأمنى والتعاون الاقتصادى مع دول أخرى بعيدة عن النطاق الاستراتيجى للصراع وذهبت نحو المغرب وتشاد ودول الخليج متجاهلة جميع المبادرات الساعية نحو السلام، وأن هذا التجاهل شكل ضغطًا على الجانب الفلسطينى الأمر الذى أدى لأن يكون المسار السياسى مفككاً.

ولفت إلى أن الجميع يترقب ردة الفعل الإسرائيلية فى المقام الأول حتى يمكن البناء عليها وأن جيش الاحتلال يبحث الآن عن نشر صور يتم التقاطها لتدمير البنية التحتية لقطاع غزة واستهداف قادة الفصائل وإذاعتها لتهدئة الرأى العام الداخلي، لكن الحرب الحالية على قطاع غزة لن تكون سهلة لأن قادة الفصائل محصنون داخل المخابئ، كما أن هناك دروعا بشرية إسرائيلية بيد قادة الفصائل.

وأكد أن الاتصالات السياسية لم تتوقف وأن المباحثات فى هذا التوقيت تدور حول عدم فتح جبهات أخرى، والحديث تحديداً على الجبهة اللبنانية إذ تعد صواريخ حزب الله بمثابة كابوس انفجر فى وجه إسرائيل، كما أنه ليس من المعروف موقف روسيا التى تقود لأن يكون هناك تفاعل سورى مع ما يحدث على الأرض، كما أن الاتصالات لا تتوقف من أجل تشكيل حكومة طوارئ فلسطينية تستطيع أن تحقق التنسيق المطلوب.

وأشار إلى أن مصر تحركت فى زمن قياسى وسريع وتواصلت مع جميع الأطراف المؤثرة فى المشهد وهو ما يمثل حكمة من الجانب المصرى ورغبة فى تجنيب المدنيين ويلات ردة الفعل الإسرائيلية، بما لا يؤدى للانزلاق إلى مستويات غير مسبوقة والوصول لحالة الانفلات الشامل لتتطور لأن تصبح اشتباكات إقليمية طويلة المدى، متوقعًا أن تكون «طوفان الأقصى» بمثابة تسريع لعملية السلام المجمدة واتجاه المجتمع الدولى للضغط على إسرائيل لعدم تجاهلها نداءات السلام وعدم الاستسلام للجمود الإسرائيلى الحالي.

◄ جهود مصرية
بدأ وزير الخارجية، سامح شكري، فى إجراء اتصالات مكثفة مع نظرائه وعدد من المسئولين الدوليين للعمل على وقف التصعيد الجارى بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وقال السفير أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمى باسم الخارجية المصرية، إن شكرى أجرى اتصالًا مع جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي، تناول التطورات الخطيرة على الصعيد الفلسطينى الإسرائيلي، حيث أكد الوزير شكرى على أهمية وقف التصعيد الجارى وممارسة ضبط النفس من جميع الأطراف، لما ينطوى عليه الأمر من مخاطر وخيمة، وأوضح أن مصر تقوم باتصالات مكثفة على المستويات كافة لاحتواء الأزمة الحالية»، كاشفًا أن الاتصالات التى يجريها وزير الخارجية فى هذا الشأن تتركز على الأطراف الدولية ذات التأثير، لضمان توحيد الجهود واتساقها وتجنيب المنطقة المزيد من عوامل التوتر وعدم الاستقرار، والحيلولة دون خروج الوضع عن السيطرة.

فى سياق متصل أكد أبو زيد أن شكرى أجرى اتصالاً هاتفياً مع أيمن الصفدى نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأردني، للتشاور والتنسيق بشأن جهود وقف التصعيد بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلي.

ودعت وزارة الخارجية فى بيان إلى «ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، وتجنب تعريض المدنيين للمزيد من المخاطر»، محذرة من «تداعيات خطيرة نتيجة تصاعد حدة العنف، الأمر الذى من شأنه أن يؤثر سلباً على مستقبل جهود التهدئة».

كما دعا البيان «الأطراف الفاعلة دولياً، والمنخرطة فى دعم جهود استئناف عملية السلام، إلى التدخل الفورى لوقف التصعيد الجاري، وحث إسرائيل على وقف الاعتداءات والأعمـــــال الاستفزازية ضد الشعب الفلسطيني، والالتزام بقواعد القانون الدولى الإنسانى فيما يتعلق بمسؤوليات الدولة القائمة بالاحتلال».
أصبحت معقدة

وقالت هند الضاوى الباحثة فى الشئون الدولية، إن فرص السلام تلاشت بشكل كبير الآن وأن الاحتلال الإسرائيلى والحكومة اليمينية المتطرفة وكذلك الولايات المتحدة يتحملون مسئولية ذلك، والأخيرة باعتبارها غضـــت الطـــــرف عـــن الانتهــــاكات اليومـــية والاعتداء على المقدسات الفلسطينية ومن ثم بدأ الوضع أن يخرج عن السيطرة، كما أن حكومة نتنياهو والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لا تريد تحقيق السلام وترفض منح حقوق الشعب الفلسطينية فى إقامة دولتهم.

وأوضحت أن المعادلة أصبحت معقدة خاصة بعد اتفاق إبراهام وما ترتب عليه من اتفاقات تطبيع مع الدول العربية لم تشهد فى حل القضية الفلسطينية والآن العالم يتغير ولم تعد القضية تمثل أولوية لكثير من الدول، حتى وإن حافظت على قدر من زخمها على المستوى العربي.

وتوقعت أن تتعدد مسارات الصراع خلال الفترة المقبلة لأن إقدام حماس على العملية الأخيرة لا يمكن أن يحدث دون الحصول على دعم كبير من حزب الله وإيران وتعلم الحركة بأن التحديات ستكون وخيمة على القطاع، وعلى الفلسطينيين بوجه عام، وأن دخول حزب الله على خط المعركة يؤكد على أن حماس لم تكن بمفردها، وأن ارتدادات الحرب الدائرة قد يتربت عليها إعادة ترسيم النفوذ فى المنطقة فى حال كان هناك تدخل أمريكى بريطانى لصالح دعم إسرائيل وبالتالى فإنها قد تشمل سوريا ولبنان وفلسطين وليس معروفًا ما إذا كان هناك تدخل إيرانى مباشر من عدمه والأمر يتوقف على مجريات الأحداث.