«رقيتي شهيدة الحب».. قصة قصيرة للكاتبة أميرة عبد العظيم

صورة موضوعية
صورة موضوعية

اعتادت كل ليلة أن تكوني طفلتي المدللة، أن تكوني في خيالي، تداعب أناملي خصلات شعرك فيقشعر الوجود من حولي، أن أنظر إلى عينيك فأستقي غذاء الملكاتِ من النظر إليهم، أن أشتم عبير الحب في عطرك، فأنتِ كنتِ وستظلين ملكة حياتي.

 

في ليلة مظلمة تمر فيها الدقائق ببطء شديد وكأنها ساعات تغرق في بحر علا موجه فتآكلت معه الأزمان، غادرتني حبيبتي وانتقلت إلى رحمة الله، تلك الحبيبة التي منحتني كل ألوان السعادة في وجودها.

 غادرتني..  سافرت إلى العالم الآخر بدون وداع، دفعت فاتورة الحب ورحلت، لم تترك لي خيار في الحياة سوى ذكريات الماضي وآلام الحاضر، من أجل الحب ضحت بعمرها كله.

أنا ورقية كنا نعيش في قرية صغيرة وسط الصعيد كانت جارتي منذ الطفولة وأنا أُكّن لها المشاعر البريئة كبرنا وكبرت مشاعرنا صارحتها بنبض قلبي فرحت كثيرا، ومنذ اللحظة تعاهدت قلوبنا على الصدق والوفاء والإخلاص، أنهت رقية دراستها الثانوية للبنات، ومنذ ذلك الوقت بدأ ركب العرسان في التحرك تجاه موكب حبيبتي كانت ترفض وتعرض نفسها للعديد من المشاكل مع أهلها وخاصة أخوها الكبير، كل هذا من أجلى فقد اتفقنا على أن أُنهى دراستي الجامعية، وأستلم وظيفة أستطيع من خلالها فتح بيت وتحمل المسؤولية..

 

بدأ أخوها الكبير يرصد كل تحركاتها ويضّيّق عليها حياتها، وفى ليلة مشؤومة اتفقنا على أن أراها حين تبدأ الشمس في الغروب، صدقت الوعد وأتت في الموعد وما لبثنا أن نلتقي إلا ولمحت أخوها الكبير من بعيد فأسرعت تجرى وتهرول من الخوف الشدي، ولأن الظلام كان قد بدأ يكسو المكان فلم يحدد ملامحي، أخذت تجري حتى وقعت على الأرض واصطدمت رأسها بحجر كبير يبدو أنها فقدت الوعي، نزيف من الدم يزرف من رأسها وكأنه شلا، كنت أراقبها من بعيد وإذا بأخوها يلحق بها.

ولكن الصدمة أوقفتني عن المواصلة.

وصلت مسرعاً إليه: ماذا يحدث، ماذا يحدث ما بها أختك، الإسعاف اطلبوا الإسعاف

خرج الجميع من المنزل: ما لأمر، ماذا حدث.. رقية ردي علينا مالك

وإذا بالأنفاس قد قُطِعت، وشلال الدم قد توقف، وصعدت الروح إلى السماء في دقائق معدودة ذهبت رقية، وكأنها ماء تسرب من بين يدي

أخذت السر وحملته بقلبها وحملتها قدميها إلى حيث المُنتهى، رقية حياتي أَنتِ ذهبت ِمن أجلى وماذا أنا فاعل لكِ، دفعتني الأنانية وحب الذات إلى أن أدخل في كابوس مزعج اسمه الوظيفة، لكن والله ما كان ذلك هدفي، مأربي أن أليق بكِ أمام أهلك، أأعترف لهم بحبك

ألوم نفسي فيكِ، يا حسرتاً على ما فرّطت في حقك، رُقيتي شهيدة الحب.

 

وسط كل هذا الضجيج والذهول، صوت أختي يعلو من بعيد: رقية حبيبتي، ليه كنتِ بتجري ده ما كنش كلب مسعور.. راحت رقية بالقدر وكذلك بَرأَها القدر...