الثعلب الأمريكي العجوز يبوح

هنري كاسنجر في عامه المئة: لم نصدق أن يجرؤ المصريون على شن الحرب

هنري كاسنجر
هنري كاسنجر

«أنا يهودى. لن يمنعنى شيء من احترام الشعب اليهودى. لقد فقدت 11 من أفراد عائلتى المقربين فى المحرقة، من الطبيعى أن أضع وجود الشعب اليهودي ووجود دولة إسرائيل كهدف شخصى».

هكذا عبر هنرى كيسنچر وزير الخارجية الأمريكي إبان حرب أكتوبر عن نفسه فى الحوار الحصرى الذى أجرته معه صحيفة «معاريف» بمناسبة مرور خمسين سنة على حرب أكتوبر. الرجل وقد عبر حاجز المئة عام من عمره فى مايو الماضي أكد من خلال إجاباته أن ذاكرة التفاصيل لا تخون عمرها، وأن أرذل العمر قد يرفع الحجاب عما يمكن الإفصاح به.

استرسل كيسنچر فى البوح بأن مصلحة إسرائيل وأمريكا كانت فى عدم السماح بتحقيق مصر لأي انتصار، وأنهم فى البداية لم يصدقوا قدرة المصريين على شن هجوم. وان واشنطن رفضت مناقشة تهديد العرب باستمرار قطع النفط لأنها ليست مستعدة للتفاوض مع أى عنصر معاد لإسرائيل!

لم نصدق

يتذكر أنه فى فجر يوم السبت الموافق يوم الغفران عام 73 وكان فى نيويورك بمناسبة الاجتماع السنوى للأمم المتحدة.. حين وصلتهم تقارير غامضة عن اضطرابات فى الشرق الأوسط. كانت التقديرات تشير إلى أن إسرائيل هاجمت السويس. لأن الجانب الأمريكى، لم يصدق أن المصريين سيجرؤون على بدء حرب، وأنهم قادرون على ذلك.

قلت للمشاركين فى المناقشة: «انسوا الأمر. لن يهاجم الإسرائيليون فى يوم الغفران. إنه آخر شيء يفعلونه. إنه أمر غير مقبول. ثم أصبحت الصورة أكثر وضوحا. أدركنا أن المصريين والسوريين شنوا هجوما شاملا. ومع ذلك، اعتقد خبراؤنا أن الإسرائيليين سيسحقونهم فى غضون ساعات قليلة.

الخوف من حرب فعلية لم يظهر إلا يوم الجمعة 5 أكتوبر، عشية يوم الغفران حين أمر الكرملين الدبلوماسيين السوفييت وعائلاتهم بمغادرة الشرق الأوسط والعودة إلى ديارهم. وحين تم استدعاء رئيس الموساد تسفى زامير فى وقت مبكر من المساء بشكل غير متوقع إلى لندن للقاء «الملاك»، لقب العميل أشرف مروان، قبل 14 ساعة فقط من اندلاع الهجوم فى سيناء وهضبة الجولان، ومعرفة الخبر الذهبى عن «ساعة الشفق» وتنسيق الهجوم الشامل بين السادات وحافظ الأسد.

قبل الحرب

يعود كيسنچر بذاكرته إلى ما قبل الحرب، حين أرسل السادات مستشاره الأمنى حافظ اسماعيل إلى واشنطن لبحث إمكانية التحرك نحو السلام. لكن المبادرة كانت مبنية على الخطة العربية. أى التراجع إلى الحدود التى سبقت حرب 67 فى مجملها». القطاعات مقابل الاعتراف العربى». لم يكن من الممكن منع الحرب إلا إذا كانت إسرائيل مستعدة للانسحاب إلى حدود 1967. وكان ذلك مستحيلاً؛ فمن شأنه أن يعرض طريق تل أبيب-حيفا للهجمات. كما أن جميع الأطراف فى إسرائيل لن تسمح بمثل هذا الاتفاق. وكان الخيار الوحيد المتبقى هو فرض الاتفاق على إسرائيل، وأنا عارضت ذلك».. «كان القرار هو الاستفادة من الهجوم المصرى لدفع العملية السياسية. وكان القلق بين المستشارين الأمريكيين هو أن تحسم إسرائيل المعركة بسرعة. كنا نظن أنه فى غضون أيام سيصل جيش الدفاع الإسرائيلى إلى الإسكندرية حتى قبل أن تطأ أقدام المصريين أرض سيناء. ولذلك، من أجل السماح بالمفاوضات، أردنا وقف القتال والعودة إلى الوضع السابق.

لا عودة لحدود ٦٧

«فى نهاية يوم من القتال، عندما اقتربت الساعة من ظهر يوم الأحد فى امريكا، كان من الواضح أن الجيشين المهاجمين قد أحرزا تقدما كبيرا. ومع ذلك، فقد عقدنا العزم منذ اليوم الأول على منع النصر العربى، الأمر الذى «كان من الممكن تفسيره عندنا على أنه انتصار سوفياتى. لذلك، كنا مقتنعين منذ اللحظة الأولى بضرورة العودة إلى الوضع السابق أى خطوط ما قبل اندلاع القتال». منذ اللحظة الأولى عملنا على إخماد الهجوم ومن ثم إطلاق عملية السلام.. وكانت المهمة التى أمامنا هى التوصل إلى تسوية شاملة ودفع إسرائيل إلى العودة إلى حدود عام 1967. وكنا مقتنعين بأن ذلك غير قابل للتحقيق.

ويجب التأكيد بوضوح على أننا لم نفكر قط فى انسحاب إسرائيلى كامل إلى حدود 1967، وكان طموحنا هو إقناع الطرف الآخر بالموافقة على انسحاب جزئى مقابل تفاهمات سياسية. إن ذلك من شأنه أن يؤدى إلى تعزيز أمن إسرائيل.

بدأنا المناقشات حول الحرب على افتراض أن التفوق العسكرى كان لصالح إسرائيل. ولم نأخذ على محمل الجد مطلقًا احتمال اضطرارنا للتعامل مع الحرب».

كانت صورة المعركة مختلفة تماما عن تلك التى رسمها الخبراء الأمريكيون فى مخيلتهم عندما ذاع خبر الهجوم المصرى. وعندما اندلع القتال نجح المصريون فى ضرب خط بارليف وحشد أكثر من مائة ألف جندى ونحو 400 دبابة ووحدة كوماندوز فى سيناء وبناء عدة جسور فوق القناة. وفى الأيام الأولى من الحرب، فقدت إسرائيل ما يقرب من 200 مقاتل يومياً. تم القبض على العديد من جنود الخط الأول على يد المصريين. لم يكن لدى سلاح الجو الإسرائيلى رد حقيقى على أنظمة الصواريخ السوفيتية الصنع سام6.. تعرضت طوابير المدرعات الإسرائيلية التى كانت تتقدم فى سيناء فى حالة من الفوضى المثالية للهجوم من الجو.

الجسر الجوى

وفى الأيام الثلاثة الأولى من القتال، خسر سلاح الجو الإسرائيلى 49 طائرة مقاتلة. تضررت 500 دبابة فى سيناء. كان هناك نقص فى ذخيرة المدفعية فى مستودعات الطوارئ وتم اكتشاف معدات صدئة جزئيًا وغير صالحة للاستعمال.. لقد ذهلت الحكومة، وكان وزير الدفاع موشيه ديان ورئيسة الوزراء جولدا مئير على وشك الانهيار.

وسرعان ما أصبحت الحاجة إلى استبدال الطائرات التى تم إسقاطها بالذخيرة واستكمال النواقص التى تم اكتشافها فى الساعات الأولى من الحرب والتزمت بالجسر الجوى لإنقاذ الموقف.