د. علاء الجرايحي محلب يكتب: انتصارات أكتوبر.. وخير أجناد الأرض

د. علاء الجرايحي محلب
د. علاء الجرايحي محلب

أحببتها بكل مافيها.. في ضعفها وقوتها بقبولها ورفضها في صعوبتها وسهولتها.. فهي الأنين والحنين والرواء بعد العطش، كافحت لأجلها وهي من أسستني وساعدتني حتى يقوى بنياني وفكري.. بها سحر لا استطيع مقاومته فإن رأيتموني عاشقًا فقد صدقتم.

لذا أحاول دوماً أن أحافظ عليها تارة بالعمل وتارة بالعلم وتارة بتشجيع ومساندة كل من يحبها ويكافح لأجلها من أهل وأصدقاء وأشقاء، فهي التاريخ التي يسكن وجداني وأتعجب من روياته وأفخر بأنني منها ولا أريد غيرها موطناً أو سكنا.

هى الجنه التي أنعم بها دوماً والأصالة التي تجعلني عزيزاً مرفوع الرأس، وأخاف عليها من أي ماكر خبيث يحاول تعكير صفوها أو التشكيك في حبها وجمالها. أغار عليها من كل متلون يحاول تغيير معالمها بقصد أو بدون قصد، فليس لي مأوى في حياتي غيرها ولا أردت العيش إلا فيها وأتمنى أن تكون مرقدي وسكوني ومماتي.

فيا مصر التاريخ والأصالة والصمود والكفاح أنتي دوماً النصر كافح آبائي وأجدادي على ترابك، ودائماً نحتفل بنصر أكتوبر والحفاظ على ترابك.. دائماً محفوظه بأهلك المخلصين وقياداتك الوطنية التي دائماً تعمل عل عزتك وعزة شعبك بالبناء والتشييد والتطوير حتى تكوني دائماً شامخة عالية، فنحن معك في كل الأوقات نساند قادتنا لتنمي وتزدهري وتحتفظن بمكانتك رافعة الهامة شامخة بين الأمم.

في وقت الظهيرة، وتحديداً الساعة 12 ظهر يوم السبت الموافق السادس من أكتوبر عام 1973، عقدت رئيسة وزراء إسرائيل آنذاك جولدا مائير اجتماعا للحكومة الإسرائيلية بعد أن وصلت إليها معلومات بأن المصريين والسوريين سوف يشنون هجوماً مشتركاً فى وقت متأخر بعد ظهر اليوم، وذلك لتدارس تقديرات الموقف وأيضاً البحث فى تعبئة قوات الاحتياطى، ولكن قبل أن ينتهى الاجتماع، وقبل أن ينفض المشاركون فيه داهمت الجميع صافرات الإنذار وهي تدوي في تل أبيب الهجوم المصري بدأ.. والحرب دارت رحاها.

قبل خمسون عاماً مضت وتحديداً في مثل هذه اليوم السادس من أكتوبر عام 1973، استيقظ الكيان الصهيوني المتغطرس من غفوته، وأضحى أمام حقيقة مؤلمة بعدما انكشفت مزاعمه بأنه الجيش الذي لا يقهر وسقط في خلال ساعات تعد على أصابع اليد الواحدة تحت القصف المصري، وكان الصوت المسموع حينذاك صوت الصواريخ والقذائف المصرية مصحوبة بهامات الجنود المصريين مكبرة الله أكبر.

 الله أكبر.. بهذا التكبير والتهليل عبرت قواتنا المسلحة الباسلة خط بارليف المنيع.. هذا الساتر الذي احتمت خلفه قوات العدو مطمئنين بتخصيناته القوية خاصة بعد أن أجمع الخبراء الروس آنذا أن تدمير هذا الحصن المنيع يحتاج قنبلتين نوويتين، ولكن الجندي المصري بعقليته الفذة استطاع تدمير هذا الحصن المنيع دون خروج طلقة واحدة لا من مدفع ولا دبابة ولا حتى بندقية.. 

سلاح المياه.. نعم إنها فكرة وعقلية الجندي المصري اللي تغلبت على عقليات الجنرالات الروس.. وبالفعل تم تدمير خط بارليف بالمياه من خلال طلمبات المياه.. نعم لقد  أزالت 3 ملايين متر مكعب من التراب فى 81 موقعاً، وفي خلال 3 ساعات كانت القوات المصرية في وسط سيناء بعد أن استولت على أغلب النقاط الحصينة بخسائر محدودة وقتلت 126 إسرائيلياً وأسرت 161 من 441 عسكريًا إسرائيليًا في أثناء العبور على طول خط القناة.

تعرفوا يعني ايه خط بارليف ده اللى قواتنا المسلحة الباسلة دمرته بالمياه كان ايه بالنسبة لإسرائيل.. ده كان عبارة عن سلسلة من التحصينات الدفاعية التي كانت تمتد على طول الساحل الشرقي لقناة السويس، واللى بنته إسرائيل بعد احتلالها لسيناء بعد حرب 1967، وكلف إسرائيل وقتها 500 مليون دولار ، وكان الهدف الأساسي من بناء الخط هو تأمين الضفة الشرقية لقناة السويس ومنع عبور أي قوات مصرية إليها.

رئيس الأركان الإسرائيلي آنذاك دافيد بن إليعازر قال عن هذا الحصن: «إن خط بارليف سيكون مقبرة للجيش المصري».. لكن بعد العبور كان لهم قول آخر.. موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلي في أثناء حرب أكتوبر قال: «إن هذا الخط كان كقطعة الجبن الهشة»، لقد تلاشت حدود العدو الآمنة، بهذا السقوط المدوي لنقاطه الحصينة، وخسرت إسرائيل الحرب من وراء الجدار.

مع انهيار خط بارليف المنيع تهاوى هيكل النظام الدفاعي الإسرائيلي.. ومن هنا انتهت إلى الأبد أسطورة الجيش الذى لا يُقهر، وتم تلقينهم درساً لن ينسوه أبدا، وشاهد الإسرائيليون المنظر المخزي لأسراهم ورؤوسهم منكسة على شاشات التليفزيون العربي.

حرب أكتوبر المجيدة كتبت فيها أبحاث ودراسات وروايات وتُدرس في أكبر الأكاديميات العسكرية على مستوى العالم.

في ذكرى الاحتفاء باليوبيل الذهبي لانتصارات العاشر من رمضان السادس من أكتوبر نتذكر عظمة الجندي المصري، وقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا فتح الله عليكم مصر بعدي فاتخذوا فيها جندًا كثيفًا؛ فذلك الجند خير أجناد الأرض» وهنا سأله الصديق أبو بكر: ولم ذلك يا رسول الله؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "لأنهم في رباط إلى يوم القيامة".

أكتوبر العزة والنصر حرب فريدة من نوعها أعطت درساً نموذجيا يُحتذى به فى فنون الحرب والقتال، بفضل الله سبحانه وتعالى أولا وأخيرا، وبراعة التخطيط الاستراتيجي والقيادة الحكيمة واستخدام عنصر المفاجأة، وحطمت نظرية الأمن الإسرائيلي، فانهار العدو معنويًا وعسكريًا رغم التحصينات والتسليح الأفضل، وشعر الجميع من الحلفاء والأعداء بمزيج من الدهشة والصدمة، ليتوقف التاريخ العسكري أمام تلك الحرب.

كل لحظة في حرب أكتوبر ورائها حكاية كبيرة.. كل جندي في موقعة صنع بطولة كل بيت في مصر قدم بطل.