فيصل مصطفى يكتب: عَالَمْ جديد  

الكاتب الصحفي فيصل مصطفى
الكاتب الصحفي فيصل مصطفى

يعيش العالم الآن غمار مرحلة تحول أو مخاض كبير لنظام عالمي جديد ،  يتكون من خمسة أقطاب قابلين للزيادة، هم، الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا الاتحادية، والصين الشعبية، ودول الاتحاد الأوروبي، والهند، والتي أصبحت وبحق قوة عالمية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، دون أن يكون لها مقعد دائم وحق الفيتو في مجلس الأمن ، فضلا عن قُوى أخرى تتأهب لأن تقترب من هذه المرحلة بشكل أو بآخر، وتسعى إليها حاليا، مثل ألمانيا واليابان ، وقوى أخرى تسعى أن تتجاوز مرحلة الوسطية، وأن تقترب من مصاف القوى الكبرى والعالمية، مثل تركيا والبرازيل وجنوب أفريقيا والأرجنتين وباكستان.

إنه عالم جديد، يتشكل لأول مرة من هذه الدول، ويفرض معطيات وأمور جديدة ، تُجبر صانع القرار السياسي في كل بلد على حدة، أن يعيد النظر في حساباته، وأن يتعامل مع الواقع الجديد بمرونة.

وهذا النظام العالمي الجديد، الذي يتشكل الآن، مصر ليست بعيدة عنه ، بل هي قريبة جدا منه، من خلال امتلاكها لعلاقات طيبة وقوية  بعدد من هذه الأقطاب، فلديها علاقات وثيقة بروسيا الاتحادية والصين الشعبية والولايات المتحدة الأمريكية، فضلا عن العلاقات المتميزة مع الاتحاد الأوروبي، وبالذات مع فرنسا وألمانيا وإيطاليا، بجانب علاقات تقليدية مع بريطانيا، وعلاقة تاريخية قوية مع الهند.

وبالتالي مصر تتحرك على هذه المحاور الدولية بذكاء وعمق وفهم صحيح للواقع الحالي، ورغبة في الاستفادة منه، وتحقيق أكبر المكاسب الممكنة  في هذا العالم المتعدد الأقطاب.

لم تكتف مصر بذلك، بل قامت بتطوير علاقاتها مع الدول الأفريقية  في العشر سنوات الأخيرة، بفضل مجهودات خارقة، قام بها مسئولى  السياسة الخارجية، والذين اعتمدوا أسلوبا ومنهجا جديدا، يتفق مع معطيات الواقع الحالي، وهو أسلوب الأخذ بيد الدول الأفريقية النامية ومساعدتها في التنمية المستدامة، والنهوض بها في مشاريع استثمارية وأعمال عديدة، على غرار سد تنزانيا، و مشاريع البنية التحتية والطرق التي تُبني في العديد من البلدان الأفريقية. 

السياسة الخارجية المصرية تغيرت تماما إلى الأفضل ، وأصبحت أكثر تأثيرا، وأكثر حرصا على مصالحها، ليس على المستويات العالمية فقط، وإنما في الدوائر  العربية، والأفريقية، والإسلامية.

وقد مارست سياستنا الخارجية على مدار العشر سنوات الماضية هذا الأمر بكفاءة منقطعة النظير، واستطعنا أن نسترد كثيرا من  مصالحنا التي أُهدرت عن عمد خلال الحقب الماضية .
 لم تكتفِ مصر بذلك، بل تدخل الآن  في علاقات جديدة تتسم بالقوة و الإيجابية مع القوى الإقليمية الكبرى في منطقة الشرق الأوسط مثل تركيا وإيران ، لتعيد صياغة الوضع كله برمته في هذه المنطقة  بما يفيدها، ويحقق مصالحها الاستراتيجية، مع احتفاظها فى نفس الوقت بدورها القوي في حماية الأمن القومي العربي، سواء في دول الخليج أو في ليبيا أو في السودان أو فى سوريا أو غيرها من دول الجوار. 

من هنا فإن السياسة الخارجية المصرية تتوسع كما وكيفا وباقتدار وثقة وحسابات دقيقة للغاية في طريق استرداد المكانة المصرية، وفي طريق قيادة العالم الثالث، وقيادة عالم ما هو خارج الأقطاب الخمسة المتحكمة في السياسة الخارجية، لتكون مصر بمثابة قوة سادسة على المستوى العالمي، خاصة بعد الآداء  المبهر في ملفات جديدة وافدة على السياسة الخارجية، ولم تكن معروفة من قبل و خارج الأطر التقليدية للسياسات الخارجية ، مثل التنمية المستدامة، والمناخ وما يحدث فيه، والأمن الغذائي، ومثل كثير من الأمور التي أصبحت الدول المختلفة تضعها في أولوية أهدافها ومشروعاتها ونشاطاتها .

السياسة الخارجية المصرية ، تتحرك اليوم بوعي وعمق تاريخي، وتسعى إلى أن تكون على قدم المساواة مع كافة القوى العالمية، بل وتسعى لتغيير الخريطة العالمية الآن من حيث ضرورة تمثيل أفريقيا بمقعد دائم في مجلس الأمن، أسوة بالقوى الكبرى، بل وإعادة النظر في بعض مواد ميثاق الأمم المتحدة وغيرها، ووضع سياسات جديدة تكون نبراسا لمختلف الدول الصغيرة والمتوسطة في العالم.

إنها ملامح سياسة جديدة مصرية نستفيد فيها من الخبرة التاريخية ، ونستفيد أيضا من التناقضات العالمية والصراعات الدائرئ، ونستفيد من مناخ الحرب العالمية ، الذي يدور الآن على مختلف الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية والعلمية..إلخ ..

فتحية مني إلى القائمين على أمر السياسة الخارجية، وإلى صُناعها، وإلى الذين يتولون ملفاتها المتعددة، ويعملون في ظروف صعبة قاسية، وسط حصار تهديدات عديدة لا تنتهي، سواء نابعة من بعض دول الجوار لدينا مثل ليبيا والسودان وفلسطين المحتلة، أو نابعة من أماكن ودول أخرى .

مرة أخرى أستطيع وأنا أرصد ملامح متغيرات وخطوات السياسة الخارجية المصرية على مدار السنوات العشر الماضية، أن أنظر إليها بعين الرضا، وأن أرى أنها خطت خطوات هائلة تتفق مع مكانة مصر وعظمتها وتاريخها، وأعتقد إننا أمامنا المزيد من النجاحات الأخرى القادمة في الطريق بإذن الله، وهذا ليس من باب التفاؤل، وإنما من باب القراءة  لخطوط السياسة الخارجية المصرية الآن في مختلف المجالات.
fesalmostafa9 @gmail.com