بسبب الحرب الروسية الأوكرانية| خريطة جديدة للطاقة العالمية

صورة موضوعية
صورة موضوعية

■ كتبت: دينا توفيق

تحولت خريطة الطاقة العالمية إلى ساحة للصراع مثلها مثل ساحات الحرب أو المعارك السياسية، اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية كان بمثابة الشرارة التى أشعلت التحولات فى هذه الخريطة وتغيرت تمامًا على ما عهده العالم لعقود طويلة. ولم تؤدِ الحرب إلى انخفاض كبير فى تدفقات النفط والغاز الطبيعى بين روسيا وأوروبا فحسب، بل إنها أعادت تشكيل روابط الطاقة فى جميع أنحاء العالم. ومن الممكن أن يلعب هذا التحول المتطور فى ربط الطاقة دورًا مهمًا فى تشكيل آفاق المواجهة بين روسيا والغرب، فضلاً عن مستقبل أوكرانيا.

قبل اندلاع الحرب فى فبراير 2022، كان الاتحاد الأوروبى يستورد 45% من احتياجاته النفطية من روسيا، بينما كانت الهند تسد أغلب احتياجاتها النفطية من الولايات المتحدة وعدة بلدان عربية. وفى أسواق الغاز، كانت روسيا تغذى الأسواق الأوروبية بما يقرب من 83% من احتياجاتها.

ومع بدء الحرب، تغيرت الأوضاع وبدأت تظهر خريطة جديدة لأسواق النفط والغاز، خاصة بعد ما فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى عقوبات قوية ضد قطاع الطاقة الروسي، بينما وضعوا خططًا طموحة لتنويع مصادر الطاقة بعيدًا عن إمدادات النفط والغاز الطبيعى الروسية.

فقد خفضت الولايات المتحدة وارداتها من روسيا، فى حين أوقف الاتحاد الأوروبي الذى يعد أكبر سوق لصادرات الطاقة لموسكو - جميع وارداته من النفط الروسى المنقولة بحرًا بحلول نهاية عام 2022، كما خفضت حصة روسيا من إجمالى وارداتها من الغاز الطبيعي من حوالى 40% قبل الحرب إلى أقل من 10% فى بداية عام 2023، بحسب ما ذكرته مجلة «فورين بوليسى» الأمريكية. وخلال عام 2022، زاد الاتحاد الأوروبى واردات الغاز الطبيعى بمقدار 28 مليار متر مكعب من النرويج وأذربيجان وقطر، فى حين زودت الولايات المتحدة وحدها الكتلة الأوروبية بما يقرب من 37 مليار متر مكعب إضافية من صادرات الغاز الطبيعى المسال. 

◄ اقرأ أيضًا | عضو خارجية الشيوخ: بيان الاتحاد الأوروبي مضلل ولا نسمح بالتدخل في شئونا 

وهناك فائزون جدد غير متوقعين فى حرب الطاقة العالمية، وفقًا لصحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، إن زوايا عالم الطاقة التى كانت غامضة ذات يوم، من الكونغو إلى أذربيجان، تزدهر الآن مع عثور أوروبا على مصادر جديدة للغاز الطبيعى لتحل محل الإمدادات الروسية التى كانت تغذى القارة ذات يوم، ما يعيد هذا التحول رسم خريطة الطاقة العالمية بسرعة. وفى بئر الرباع، فى عمق الصحراء، تقوم شركة الطاقة الإيطالية «إينى» وشركة الطاقة الجزائرية بحفر عشرات الآبار، وإنتاج الغاز من الحقول غير المستغلة من قبل فى غضون أشهر. وتربط الجزائر بأوروبا ثلاثة خطوط أنابيب غاز تحت البحر المتوسط. وخلال العقد الماضى، أبقت شركة الغاز الروسية العملاقة غازبروم أسعارها منخفضة، مما دفع الموردين مثل الجزائر إلى الخروج من السوق الأوروبية. 

ورداً على ذلك، أعادت روسيا أيضاً تشكيل علاقاتها فى مجال الطاقة بشكل كبير منذ بدء الصراع، مما يشير إلى عمليات إعادة تنظيم جيوسياسية أوسع نطاقاً. وقد عززت روسيا صادراتها من الطاقة إلى العديد من البلدان فى العالم غير الغربى، بما فى ذلك الصين والهند وبعض دول الخليج، وحتى تركيا العضو فى حلف شمال الأطلسى. حيث سجلت واردات الصين النفطية من روسيا رقما قياسيا بلغ 9.7 مليون طن فى مايو الماضى، أى أكثر من ضعف المستويات قبل فبراير 2022. ووقعت موسكو وبكين اتفاقيات طويلة الأجل لتوسيع البنية التحتية لخطوط أنابيب الغاز بين البلدين. كما وجدت روسيا أسواقاً جديدة أخرى للطاقة فى أماكن مثل باكستان وأفريقيا، التى تعزف أيضاً عن دعم استراتيجية الغرب للضغط على الكرملين.

ووفقًا لوكالة «بلومبرج» الأمريكية، يؤدى التأثير طويل المدى للعقوبات الغربية إلى توجيه المزيد من براميل النفط والغاز الروسى إلى أكبر الاقتصادات فى آسيا، مع حصول الصين أيضًا على النفط الخام من إيران وفنزويلا؛ حيث استحوذت الصين والهند على أكثر من 30% من وارداتهما مجتمعة من البلدان الثلاثة فى أبريل الماضى، وفقًا للبيانات التى تتبعتها ﺷﺮﻛﺔ كيبلر Kpler المختصة فى اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟﻤﺎﻟﻴﺔ واﻟﻤﺨﺎﻃﺮ، بارتفاع 12% فقط منذ فبراير 2022.

ومن ناحية أخرى، كانت الحرب سبباً فى تغذية الاستثمار العالمي فى الطاقة النظيفة على مستوى غير مسبوق هذا العام. فإن التقنيات الخضراء الناشئة وخطط إزالة الكربون فى جميع أنحاء العالم سوف تعرض اقتصاد روسيا المعتمد على الوقود الأحفورى للخطر.

وبالنسبة للغرب، تبدو آفاق الطاقة أكثر إشراقا؛ لقد قام الاتحاد الأوروبى بتنويع مصادر الطاقة لديه، وله خطط لتوسيع تجارة الغاز الطبيعى مع الولايات المتحدة بما يصل إلى 50 مليار متر مكعب بحلول عام 2030. ومن المفترض أن يساعد ذلك فى تحقيق التوازن بين إمدادات الطاقة المستقرة والآمنة والتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة.

ومع ذلك، أثبت قطاع الطاقة خلال العام الماضى، أن الأمور يمكن أن تتغير بسرعة، ويمكن أن تكون التحولات المستقبلية فى تدفقات الطاقة محورية ليس فقط فى الوضع الاقتصادى، بل أيضًا فى الموقف الجيوسياسى الأوسع لكلٍ من روسيا والغرب فى مواجهتهما بشأن أوكرانيا.