نجاح سلام .. و أحلى اسم فى الوجود !

د. إلهام سيف الدولة حمدان
د. إلهام سيف الدولة حمدان

و‭ .. ‬رحلت‭ ‬عن‭ ‬عالمنا‭ ‬“عاشقة‭ ‬مصر”‭ ‬الفنانة‭ ‬الممثلة‭ ‬والمطربة‭ ‬“نجاح‭ ‬سلام”‭ ‬؛‭ ‬بعد‭ ‬مسيرة‭ ‬رحلة‭ ‬العمر‭ ‬التي‭ ‬جاوزت‭ ‬تسعين‭ ‬عامًا؛‭ ‬ولأنها‭ ‬اقتنصت‭ ‬شهرتها‭ ‬ـ‭ ‬بين‭ ‬عمالقة‭ ‬الفن‭ ‬والغناء‭ ‬المصري‭ ‬في‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬ـ‭ ‬وذيوع‭ ‬صيتها‭ ‬الغنائي‭ ‬والفني؛‭ ‬هذا‭ ‬الذيوع‭  ‬الذي‭ ‬تواكب‭ ‬مع‭ ‬أوج‭ ‬انتصارات‭ ‬ثورة‭ ‬يوليو‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬الراحل‭ ‬جمال‭ ‬عبد‭ ‬الناصر؛‭ ‬فقد‭ ‬آثرت‭ ‬الرحيل‭ ‬في‭ ‬28‭ ‬سبتمبر؛‭ ‬وهو‭ ‬التاريخ‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬رحل‭ ‬فيه‭ ‬الزعيم‭ ‬عبد‭ ‬الناصر؛‭ ‬وكأنها‭ ‬في‭ ‬حياتها‭ ‬ومماتها؛‭ ‬تلتصق‭ ‬بتاريخ‭ ‬الثورة‭ ‬والثوار‭ ‬في‭ ‬مصر؛‭  ‬فهي‭ ‬التي‭ ‬ساندت‭  ‬مصر‭ ‬وشعبها‭ ‬ضد‭ ‬العدوان‭ ‬الثلاثي‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1956بأغنياتها‭ ‬الوطنية‭ ‬الصادقة؛‭ ‬وصدحت‭ ‬بصوتها‭ ‬المائز‭ ‬المليء‭ ‬بالعاطفة‭ ‬الجياشة‭ ‬والمشاعرالوطنية‭  ‬المتاججة‭ ‬بأغنية‭ ‬“‭ ‬انا‭ ‬النيل‭ ‬مقبرة‭ ‬الغزاة”؛‭ ‬للشاعر‭ ‬المصري‭ ‬محمود‭ ‬حسن‭ ‬اسماعيل؛‭ ‬وألحان‭ ‬الموسيقار‭ ‬العملاق‭ ‬رياض‭ ‬السنباطي؛‭ ‬وبأغنية‭ ‬“‭ ‬ياأحلى‭ ‬اسم‭ ‬في‭ ‬الوجود‭ .. ‬يامصر”؛‭  ‬من‭ ‬كلمات‭ ‬الشاعر‭/‬اسماعيل‭ ‬الحبروك‭ ‬وألحان‭ ‬الموسيقار‭ ‬الفذ‭/‬محمد‭ ‬الموجي‭ ‬؛فمن‭ ‬بين‭ ‬الإبداعات‭ ‬الوطنية‭ ‬التى‭ ‬تغنى‭ ‬بها‭ ‬نجوم‭ ‬الغناء‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬والوطن‭ ‬العربى‭ ‬،‭ ‬طلت‭ ‬علينا‭ ‬وسط‭ ‬هذه‭ ‬الكوكبة‭ ‬الفنانة‭ ‬القديرة‭ ‬نجاح‭ ‬سلام‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬لبنان‭ ‬برائعتها‭ ‬هذه‭ ‬،التى‭ ‬روى‭ ‬لنا‭ ‬حكايتها‭ ‬الناقد‭ ‬الرياضى‭  ‬الإعلامى‭ ‬محمود‭ ‬معروف‭ ‬فى‭ ‬برنامج‭ ‬‮«‬المضيفة‭ ‬‮»‬‭ ‬الذى‭ ‬أذيع‭ ‬بمناسبة‭ ‬استقبال‭ ‬الرئيس‭ ‬عبدالفتاح‭ ‬السيسى‭ ‬لأعضاء‭ ‬المنتخب‭ ‬الوطنى‭ ‬لكرة‭ ‬القدم‭ ‬فى‭ ‬مطار‭ ‬القاهرة‭ ‬ليهنئهم‭ ‬على‭ ‬أدائهم‭ ‬الرائع‭ ‬والمشرف‭ ‬بالبطولة‭ ‬الأفريقية‭ ‬،‭ ‬وهى‭ ‬لفتة‭ ‬إنسانية‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬الرئيس‭ ‬كأب‭ ‬لكل‭ ‬المصريين‭ ‬أثلجت‭ ‬صدورهم‭ ‬جميعا‭ ‬ً‭ ‬كانت‭ ‬موضع‭ ‬تقدير‭ ‬الشعب‭ ‬بكل‭ ‬فئاته‭ ‬،‭ ‬ليروى‭ ‬لنا‭ ‬محمود‭ ‬معروف‭ ‬أثناء‭ ‬الحوار‭ ‬حب‭ ‬الشعب‭ ‬العربى‭ ‬لمصر‭ ‬الحضارة‭ ‬والإنسانية‭ ‬ويخص‭ ‬بالذكر‭ ‬شعب‭ ‬لبنان‭ ‬الذى‭ ‬جاءت‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أبنائه‭ ‬الفنانة‭ ‬الراحلة‭ ‬نجاح‭ ‬سلام،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬شاهد‭ ‬عيان‭ ‬على‭ ‬تسجيلها‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬تأليفها‭ ‬وتلحينها‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬تربطه‭ ‬بالموسيقار‭ ‬محمد‭ ‬الموجى‭ ‬والشاعر‭ ‬الكبير‭ ‬اسماعيل‭ ‬الحبروك‭ ‬علاقة‭ ‬طيبة‭ ‬موضحا‭ ‬ً‭ ‬أن‭ ‬الموجى‭ ‬انفعل‭ ‬بكلمات‭ ‬الأغنية‭ ‬التى‭ ‬أجازها‭ ‬الموسيقار‭ ‬محمد‭ ‬حسن‭ ‬الشجاعى‭ ‬مراقب‭ ‬الموسيقى‭ ‬والغناء‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬مشيدا‭ ‬ً‭ ‬بروعة‭ ‬ما‭ ‬كتبه‭ ‬اسماعيل‭ ‬الحبروك‭ ‬خاصة‭ ‬فى‭ ‬المقطع‭ ‬الذى‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬‭ ‬تفوت‭ ‬عليك‭ ‬المحن‭ .. ‬ويمر‭ ‬بيكى‭ ‬الزمان‭ .. ‬وأنت‭ ‬أغلى‭ ‬وطن‭ ..‬وأنت‭ ‬أعلى‭ ‬مكان‭ .. ‬ومهما‭ ‬كان‭ ‬انت‭ ‬مصر‭ .. ‬وكل‭ ‬خطوة‭ ‬بنصر‮»‬‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬فى‭ ‬سبتمبر‭ ‬عام‭ ‬‮١٩٥٦‬‭, ‬ليدخل‭ ‬الموجى‭ ‬أستوديو‭ ‬الإذاعة‭ ‬فى‭ ‬شارع‭ ‬الشريفين‭ ‬ليخرج‭ ‬منه‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬انتهى‭ ‬من‭ ‬تلحين‭ ‬الأغنية‭ ‬التى‭ ‬استغرقت‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬ساعة‭ ‬كاملة‭ ‬ورشح‭  ‬الشجاعى‭ ‬نجاح‭ ‬سلام‭ ‬لغنائها‭ ‬وبعد‭ ‬موافقة‭ ‬عبدالحميد‭ ‬الحديدى‭ ‬رئيس‭ ‬الإذاعة‭ ‬حينذاك،‭ ‬ويتم‭ ‬استدعاء‭ ‬الفرقة‭ ‬الموسيقية‭ ‬وبدء‭ ‬البروفات‭ ‬ويتم‭ ‬تسجيل‭ ‬الأغنية‭ ‬فى‭ ‬اليوم‭ ‬التالى‭ ‬لتلحينها‭ ‬فقد‭ ‬بلغت‭ ‬الوطنية‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬قمة‭ ‬زهوها‭ ‬عند‭ ‬الشعراء‭ ‬والملحنين‭ ‬والمطربين‭ ‬أيضا،ويبلغ‭ ‬أداء‭ ‬نجاح‭ ‬سلام‭ ‬قمته‭ ‬ويشعر‭ ‬الموسيقار‭ ‬الموجى‭ ‬والشاعر‭ ‬اسماعيل‭ ‬الحبروك‭ ‬بالبهجة‭ ‬والزهو‭ ‬والسعادة‭ ‬البالغة‭ ‬لتنطلق‭ ‬الأغنية‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬عبر‭ ‬أثير‭ ‬إذاعة‭ ‬الشريفين‭ ‬وتحقق‭ ‬نجاحا‭ ‬ً‭ ‬مدويا‭ ‬ً‭ ‬خاصة‭ ‬المقطع‭ ‬الذى‭ ‬بلغ‭ ‬فيه‭ ‬الموجى‭ ‬قمة‭ ‬إبداعه‭ ‬اللحنى‭ ‬الذى‭ ‬أشاد‭ ‬به‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬حضروا‭ ‬تسجيل‭ ‬الأغنية‭ ‬خاصة‭ ‬فى‭ ‬المقطع‭ ‬الذى‭ ‬غنته‭ ‬نجاح‭ ‬سلام‭ ‬باقتدار‭ ‬وأعادت‭ ‬غناءه‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬‮«‬‭ ‬انت‭ ‬بلادى‭ ‬الجميلة‭ .. ‬حضن‭ ‬السلام‭ ‬والأمان‭ .. ‬وإنت‭ ‬الحضارة‭ ‬الأصيلة‭ .. ‬قبل‭ ‬التاريخ‭ ‬والزمان‭ .. ‬نعيش‭ ‬لمصر‭ .. ‬ونموت‭ ‬لمصر‭ .. ‬مصر‭ ‬مصر‭ ‬تحيا‭ ‬مصر‮»‬‭ ‬وتتواصل‭ ‬أصداء‭ ‬نجاح‭ ‬أغنية‭ ‬‮«‬‭ ‬يا‭ ‬أغلى‭ ‬اسم‭ ‬فى‭ ‬الوجود‮»‬‭ ‬وفقا‭ ‬لرواية‭ (‬معروف‭)  ‬ليستمع‭ ‬إليها‭ ‬الرئيس‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬مبديا‭ ‬ًإعجابه‭ ‬بالأغنية‭ ‬ويسأل‭ ‬عن‭ ‬صاحبتها‭ ‬فيعرف‭ ‬أنها‭ ‬مطربة‭ ‬عاشقة‭ ‬لمصر‭ ‬قادمة‭ ‬من‭ ‬لبنان‭ ‬وأحبت‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬فيصدر‭ ‬تعليماته‭ ‬إلى‭ ‬صلاح‭ ‬الشاهد‭ ‬كبير‭ ‬الياوران‭ ‬بإعداد‭ ‬قرار‭ ‬منحها‭ ‬الجنسية‭ ‬المصرية‭ ‬ويتم‭ ‬ذلك‭ ‬بالفعل‭ ‬وتسعد‭ ‬نجاح‭ ‬سلام‭ ‬ويعد‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬أعظم‭ ‬وسام‭ ‬منحه‭ ‬الرئيس‭ ‬عبدالناصر‭ ‬لها‭ ‬لتبقى‭ ‬فى‭ ‬القاهرة‭ ‬من‭ ‬يومها‭ ‬بين‭ ‬أهلها‭ ‬وأصدقائها‭ ‬و‭ ‬قداكتسبت‭ ‬محبة‭ ‬القلوب‭ ‬في‭  ‬كل‭ ‬بقاع‭ ‬الوطن‭ ‬العربي؛‭ ‬ولأن‭ ‬“مصرنا‭ ‬المحروسة”‭ ‬هي‭ ‬كعبة‭ ‬الفن‭ ‬الصادق‭ ‬الأصيل‭ ‬؛‭ ‬فمنحتها‭  ‬ـ‭ ‬عن‭ ‬جدارة‭ ‬ـ‭ ‬صك‭ ‬الخلود‭ ‬في‭ ‬وجدان‭ ‬المصريين‭ ‬فسكنت‭ ‬قلوبهم‭ ‬غير‭ ‬مبارحة‭.‬

وإن‭ ‬كنت‭ _‬عن‭ ‬نفسي‭ _‬قد‭ ‬بادرت‭ ‬بالحديث‭ ‬عن‭ ‬المفارقة‭ ‬الجسدية‭ ‬والرحيل‭ ‬لهذه‭ ‬الفنانة‭ ‬الرائعة؛‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬الحدث‭ ‬جلل‭ .. ‬ولكنها‭ ‬تصاريف‭ ‬القدر‭ ‬الذي‭ ‬لانملك‭ ‬إزاءه‭ ‬إلا‭ ‬الامتثال‭ ‬لمشيئته؛‭ ‬فكلنا‭ ‬زائلون‭ ‬وتبقى‭ ‬الذكرى‭ ‬العطِرة‭ ‬والأعمال‭ ‬الخالدة‭ ‬التي‭ ‬يتركها‭ ‬الإنسان‭ ‬خلفه؛‭ ‬وسبحان‭ ‬المحيي‭ ‬المُميت‭ .. ‬فهو‭ ‬الحي‭ ‬القيوم‭ ‬الباقي‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ . ‬

إنها‭ ‬الإنسانة‭ ‬الفنانة‭ : ‬“نجاح‭ ‬محيي‭ ‬الدين‭ ‬سلام”؛‭  ‬الواعدة‭ ‬في‭ ‬مضمار‭ ‬الفن‭ ‬الراقي‭ ‬الأصيل،‭ ‬التي‭ ‬خرجت‭ ‬إلى‭ ‬الدنيا‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬اللبنانية‭ ‬“بيروت”‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬شهر‭ ‬الربيع‭ ‬1‭ ‬مارس‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬1931؛‭ ‬وذهبت‭ ‬إلى‭ ‬بارئها‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬الخريف‭ ‬في‭ ‬28‭ ‬سبتمبر‭  ‬2023؛‭ ‬وتقول‭ ‬سطور‭ ‬صفحات‭ ‬التاريخ‭ ‬ـ‭ ‬بتصرف‭ ‬ـ‭ ‬إن‭ ‬جدها‭ ‬لأبيها‭ ‬هو‭ ‬الشيخ‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬سلام‭ ‬مفتي‭ ‬بيروت؛‭ ‬وان‭ ‬والدها‭ ‬الفنان‭ ‬والأديب‭ ‬محيي‭ ‬الدين‭ ‬سلام؛‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬الملحنين‭ ‬وعازفي‭ ‬آلة‭ ‬العود‭ ‬في‭ ‬لبنان؛‭ ‬واخوها‭ ‬الصحافي‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬سلام؛‭ ‬وبين‭ ‬أحضان‭ ‬عائلتها‭ ‬ورعايتها‭ ‬تعلمت‭ ‬أصول‭ ‬الغناء‭ ‬من‭ ‬والدها؛‭ ‬ويقول‭ ‬من‭ ‬عاصروا‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الفنانة‭ ‬الراحلة‭ : ‬أن‭ ‬منزلهم‭ ‬كان‭ ‬أشبه‭ ‬مايكون‭ ‬بمعهد‭ ‬فني؛‭ ‬يقصده‭ ‬كل‭ ‬محبي‭ ‬الفن‭ ‬والفنون‭ ‬الغنائية‭ ‬الأصيلة‭ .‬

واليوم‭ .. ‬نودعها‭ ‬وهي‭ ‬تختتم‭ ‬مسيرتها‭ ‬الحياتية‭ ‬في‭ ‬عامها‭ ‬الثاني‭ ‬والتسعين؛‭ ‬نذكر‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭  ‬تعتز‭ ‬أيما‭ ‬اعتزاز‭ ‬بحصولها‭  ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬الأوسكار‭ ‬من‭ ‬“جمعية‭ ‬تكريم‭ ‬عمالقة‭ ‬الفن‭ ‬العربي”‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬عام‭ ‬1995‭.‬

إن‭  ‬“نجاح‭ ‬سلام”‭ ‬التي‭ ‬استمدت‭ ‬شهرتها‭ ‬من‭ ‬اسمها؛‭ ‬فكانت‭ ‬اسمًا‭ ‬على‭ ‬مسمّى؛‭ ‬فكان‭ ‬النجاح‭ ‬ليس‭ ‬وليد‭ ‬الصدفة؛‭ ‬ولكنه‭ ‬جاء‭ ‬بالمثابرة‭ ‬والمداومة‭ ‬والإصرار‭ ‬على‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬“نفسها”‭ ‬منذ‭ ‬نعومة‭ ‬أظفارها؛‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬بدايتها‭ ‬في‭ ‬الغناء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الحفلات‭ ‬المدرسية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تقام‭ ‬مع‭ ‬نهاية‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬مدرسي‭ ‬؛‭ ‬ففي‭ ‬العام‭ ‬1948‭ ‬صحبها‭ ‬والدها‭ ‬إلى‭ ‬“القاهرة”‭ ‬لإيمانه‭ ‬الفطري‭ ‬أنها‭ ‬كعبة‭ ‬الفنون‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي؛‭ ‬ولأن‭ ‬من‭ ‬لم‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬“القاهرة”؛‭ ‬فلا‭ ‬بداية‭ ‬له؛‭   ‬حيث‭ ‬عرّفها‭ ‬على‭ ‬كبار‭ ‬الفنانين‭ ‬مثل‭ ‬كوكب‭ ‬الشرق‭ ‬أم‭ ‬كلثوم؛‭ ‬والموسيقار‭ ‬فريد‭ ‬الأطرش‭ ‬وشقيقته‭ ‬المطربة‭ ‬أسمهان؛‭ ‬والشيخ‭ ‬زكريا‭ ‬أحمد‭ ‬وغيرهم‭. ‬وفي‭ ‬العام‭ ‬1949‭ ‬؛‭ ‬بدأت‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الشهرة‭ ‬بين‭ ‬الجماهير؛‭ ‬لتقوم‭ ‬شركة‭ ‬“بيضا‭ ‬فون‭ ‬“‭ ‬بتسجيل‭ ‬أول‭ ‬أغانيها‭ ‬وهي‭ ‬“حول‭ ‬يا‭ ‬غنام”‭ ‬وأغنية‭ ‬يا‭ ‬“جارحة‭ ‬قلبي”،‭ ‬وحين‭ ‬شعرت‭ ‬بالنجاحات‭ ‬التي‭ ‬تتوالي‭ ‬على‭ ‬اسطواناتها‭ .. ‬قررت‭ ‬احتراف‭ ‬الغناء؛‭ ‬وتجولت‭ ‬بأغنياتها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬حلب،‭ ‬ودمشق،‭ ‬وبغداد،‭ ‬ورام‭ ‬الله؛‭ ‬ومع‭ ‬النجاحات‭ ‬المتوالية‭ .. ‬تختطفها‭ ‬الإذاعة‭ ‬اللبنانية‭ ‬ــ‭ ‬عام‭ ‬1950‭ ‬ــ‭ ‬لتسجل‭ ‬بصوتها‭ ‬بعض‭ ‬الأغاني؛‭ ‬وكانت‭ ‬أولى‭ ‬تلك‭ ‬الأغنيات‭ ‬هي‭ ‬“على‭ ‬مسرحك‭ ‬يادنيا‭ ‬“‭. ‬

‭  ‬ولأن‭ ‬النجاح‭ ‬يستولد‭ ‬النجاحات‭ ‬المتتالية؛‭ ‬كانت‭ ‬انطلاقاتها‭ ‬السينمائية‭ ‬مع‭ ‬أول‭ ‬أفلامها؛‭ ‬وهو‭ ‬فيلم‭ ‬“على‭ ‬كيفك”‭ ‬أمام‭ ‬السيدة‭ ‬الفنانة‭ ‬“ليلى‭ ‬فوزي”؛‭ ‬وفيلمها‭ ‬الثاني‭ ‬هو‭ ‬“ابن‭ ‬ذوات”؛‭ ‬وهو‭ ‬الفيلم‭ ‬الذي‭ ‬صدحت‭ ‬فيه‭ ‬ببعض‭ ‬الأغنيات‭ ‬التي‭ ‬حققت‭ ‬شهرة‭ ‬واسعة‭ ‬في‭ ‬أوساط‭ ‬الجمهور‭ ‬المصري‭ ‬والجاليات‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬وأمريكا؛‭ ‬مثل‭ ‬الاغنية‭ ‬الشهيرة‭ ‬“‭ ‬برهوم‭ ‬حاكيني‭ .. ‬زعلانة‭ ‬سلِّيني”؛‭ ‬وأغنية‭ :‬”‭ ‬الشاب‭ ‬الأسمر‭ .. ‬جنِّنْني”؛‭ ‬وتخرج‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المعمعة‭ ‬التي‭ ‬حققت‭ ‬الشهرة‭ ‬الواسعة؛‭ ‬لتختطفها‭ ‬السينما‭ ‬لوجهها‭ ‬البشوش‭ ‬المبتسم‭ ‬الضاحك‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬“‭ ‬الدنيا‭ ‬لمَّا‭ ‬تضحك”‭ ‬والبطولة‭  ‬أمام‭ ‬الشاب‭ ‬الوسيم‭ ‬القادم‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬السينما‭ ‬المصرية‭ ‬الفنان‭ ‬شكري‭ ‬سرحان؛‭ ‬وبمشاركة‭ ‬الكوميديان‭ ‬اسماعيل‭ ‬يس؛‭ ‬ثم‭ ‬تختتم‭ ‬جولاتها‭ ‬المتسارعة‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬السينما‭ ‬ـ‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الاعوام‭ ‬ـ‭  ‬بفيلم‭ ‬“‭ ‬الكمساريات‭ ‬الفاتنات”‭ ‬مع‭ ‬الصوت‭ ‬الدافيء‭ ‬ـ‭ ‬ومعبود‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬زمانه‭ ‬ـ‭ ‬المطرب‭ ‬“كارم‭ ‬محمود‭ ‬“‭ !‬

وتلعب‭ ‬الأقدار‭ ‬لعبتها‭ ‬الأزلية‭ ‬في‭ ‬لعبة‭ ‬الحُب‭ ‬والزواج‭ ‬وتكوين‭ ‬الأسرة‭ ‬والأولاد؛‭ ‬ليكون‭ ‬الخلاف‭ ‬بين‭ ‬مخرج‭ ‬فيلم‭ ‬“‭ ‬السعد‭ .. ‬وعد”‭ ‬مع‭ ‬البطل‭ ‬الوسيم‭ ‬شكري‭ ‬سرحان؛‭ ‬سببًا‭ ‬في‭ ‬إسناد‭ ‬دور‭ ‬البطولة‭ ‬للمطرب‭ ‬اللبناني”محمد‭ ‬سلمان”؛‭ ‬ليكون‭ ‬ـ‭ ‬بالفعل‭ ‬ـ‭  ‬السعد‭ ‬وعد‭ ‬لتلاقي‭ ‬القلوب‭ .. ‬وليكون‭ ‬المطرب‭ ‬القادم‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬الخلاف‭ ‬هو‭ ‬شريك‭ ‬رحلة‭ ‬العمر؛‭ ‬وهو‭ ‬الزوج‭ ‬والحبيب‭ ‬وأبو‭ ‬البنات‭ : ‬سمر‭/ ‬و‭ .. ‬ريم‭ !!‬

إن‭ ‬المتتبع‭ ‬لمسيرة‭ ‬حياة‭ ‬الفنانة‭ ‬الراحلة؛‭ ‬يجد‭ ‬أن‭ ‬المثابرة‭ ‬والصبرعلى‭ ‬تصاريف‭ ‬الأقدار؛‭ ‬يجد‭ ‬أن‭ ‬الحصاد‭ ‬لهذا‭ ‬الصبر‭ ‬هو‭ ‬النجاح‭ ‬المستمر؛‭ ‬ففي‭ ‬العام‭ ‬1971‭ ‬تدعوها‭ ‬وزارة‭ ‬الإعلام‭ ‬الأردنية‭ ‬لتقديم‭ ‬أغنياتها‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬الإذاعة‭ ‬الأردنية؛‭ ‬وتدعوها‭ ‬وزارة‭ ‬الإعلام‭ ‬العراقية‭ ‬لتصدح‭ ‬باغنياتها‭ ‬في‭ ‬الحفلات‭ ‬العامة‭ ‬والخاصة؛‭ ‬وتكون‭ ‬راحتها‭ ‬بعد‭ ‬طول‭ ‬عناء‭ ‬بالقاهرة‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1972؛‭ ‬حيث‭ ‬تشارك‭ ‬ببطولة‭ ‬احد‭ ‬الأفلام‭ ‬مع‭ ‬“كوكا”و”فريد‭ ‬شوقي”؛‭ ‬لتعود‭ ‬مرة‭ ‬اخرى‭ ‬إلى‭ ‬سوريا‭ ‬بعد‭ ‬انتصارات‭ ‬اكتوبر‭ ‬1973‭ ‬لتقدم‭ ‬اغنية‭ ‬“سوريا‭ ‬ياحبيبتي”‭ ‬بالمشاركة‭ ‬مع‭ ‬الحبيب‭ ‬محمد‭ ‬سلمان‭ ‬والمطرب‭ ‬الصاعد‭ ‬محمد‭ ‬جمال‭ .‬

ولم‭ ‬تنعم‭ ‬بالإقامة‭ ‬في‭ ‬سوريا؛‭ ‬حيث‭ ‬اندلعت‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬اللبنانية‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1974؛‭ ‬لتعود‭ ‬إلى‭ ‬احضان‭ ‬القاهرة؛‭ ‬حيث‭ ‬تقرر‭ ‬الإقامة‭ ‬الدائمة‭ ‬على‭ ‬إثر‭ ‬منحها‭ ‬الجنسية‭ ‬المصرية؛‭ ‬لأنها‭ ‬بالفعل‭ ‬“عاشقة‭ ‬مصر”‭ ‬الأصيلة‭ ‬الراعية‭ ‬للفن‭ ‬والفنانين‭ .‬

وتلعب‭ ‬الأقدار‭ ‬لعبتها‭ ‬المستمرة‭ ‬مرة‭ ‬اخرى‭ ‬؛‭ ‬فتلتقي‭ ‬بالرئيس‭ ‬اللبناني‭ ‬أثناء‭ ‬زيارته‭ ‬للقاهرة؛‭ ‬ليبادرها‭ ‬بالقول‭ : ‬“أنها‭ ‬ثروة‭ ‬وطنية‭ ‬وفنانة‭ ‬عظيمة‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬أن‭ ‬تظل‭ ‬خارج‭ ‬بلادها‭. ‬فعادت‭ ‬إلى‭ ‬لبنان‭ ‬وقدمت‭ ‬أعمالا‭ ‬وطنية‭ ‬كبيرة؛‭ ‬وليتم‭ ‬منحها‭ ‬وسام‭ ‬الاستحقاق‭ ‬برتبة‭ ‬فارس‭ !‬

وداعا‭ ..‬لمن‭ ‬تغنت‭ ‬بمصر‭ ‬فخلدت‭ ‬في‭ ‬ذاكرة‭ ‬الوطن‭ ‬ومواطنيه‭..‬سلام‭ ‬لروحك‭ ‬في‭ ‬عليين‭!‬


 

 

 

;