محمد قناوي يكتب: "ع مفرق طريق" .. كوميديا مبهجة على الطريقة اللبنانية

محمد قناوي
محمد قناوي

هذه هي المرة الثانية التي أشاهد فيها الفيلم اللبناني "ع مفرق طريق"، ثاني فيلم روائي طويل للمخرجة اللبنانية لارا سابا، والذي يشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان الأسكندرية السينمائي لدول حوض البحر المتوسط، فقد شاهدته في المرة الأولي في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي ديسمبر الماضي، حيث شارك في قسم "روائع عربية" وحصد أعجاب الجمهوروالنقاد وقتها، وهو فيلم مُفرح، يبعث لدى مشاهده شعوراً لطيفاً، ونوعاً من التفاؤل، ويقدم رؤية بسيطة لكيفية إعادة النظر في نمط الحياة، وفي نفس الوقت يقدم كوميديا نظيفة وراقية وعفوية، بقصة رومانسية.

وجاء الفيلم خلال الفكرة التي اقترحها "شادي حداد وأنطوان خليفة"انطلقت الاعلامية اللبنانية والناقدة السينمائية جوزفين حبشي لتصنع فيلما لبنانيا رومنسيا بلمسة كوميدية، وشارك في بطولته "شادي حداد، وربى زعرور، وجوليا قصار، وبيتي توتل، وميرنا مكرزل، وسينتيا كرم، ورفعت طربيه، وشربل زيادة" وتدورأحداث الفيلم من خلال قصة تتحدث عن ممثل مشهور"هادي" والذي يلعب دوره الفنان اللبناني "شادي حداد" يتلقى فرصة لبطولة فيلم عالمي عن البابا، وتنافس مع ممثل إيطالي على تجسيد شخصية بابا الفاتيكان عندما كان شاباً، وبهدف تحضير مقابلته مع البابا، يلجأ هادي إلى الوادي المقدس في ضيعة قنوبين في شمال لبنان، بعيداً من ضوضاء المدينة، ويلتقي عن طريق الصدفة بأربع راهبات، تجسد أدوارهن الممثلات جوليا قصار بيتي، توتل وميرنا مكرزل، والفنانة سينتيا كرم، يدعونه إلى المكوث معهن في الدير، ويتعرف على شابة جميلة تجسد دورها الممثلة "ربى زعرور" وتبدأ سلسلة من المغامرات مع الراهبات داخل الدير، اللواتي يحاولن إخفاء الضيف عن الكاهن الذي يزور الدير، ويعود هادي إلى اكتشاف الطبيعة في ضيعة والدته، ويلتقي بجيران جدته وجده، كمايرى المشاهد كيف تعيش الراهبات من قطف التفاح وبيعه، وتحضير المونة والطعام اللذيذ في جو من المرح، وتبدأ سلسلة مغامرات طريفة تعيد هادي إلى بساطة الحياة وجوهرها وتضعه أمام خيارات ستغيّر مجرى حياته.

 فكرةٌ طريفة تجمع بين الكوميديا والعمق الإنساني عبر مجموعة من الشخصيات تتقاطع طرقاتهم فيلتقون في مكان ما ليعيشوا معاً على مدى أربعة أيام مغامرةً، تشهد عودة الى الجذور، وتتغير معها أولوياتهم ومسار حياتهم، استطاعت عدسة المخرجة لارا سابا ومدير التصوير جوني أبي فارس التقاطَ تفاصيلها الجمالية المُدهشة وأحاسيس شخصياتها الإنسانية الصادقة لتجعل من الفيلم تجربةً مميزة تتخطى مفهوم الكوميديا الشعبية لتدخل الى خفايا الرسالة الإنسانية التي يطرحها الفيلم والذي يقدم  دعوة صريحة وواضحة للحب والتسامح ،من خلال سيناريو جذاب يتميز بخلطة سينمائية ذات إيقاع سريع يسير برشاقة، مرتكزاً على قصة جميلة ومحبوكة جيداً، فيها عمق إنساني وكوميديا مواقف، ولغة سينمائية جميلة وإخراج سلس.

وقد أضاف الممثلين المشاركين في بطولة العمل لعمق السيناريو من خلال خبرتهم وما يتمتعون به من كاريزما على الشاشة، الكثير الى الشخصيات المرسومة لتشعر انك امام شخصيات حقيقية من لحم ودم مثل شخصيتي "شادي حداد وربى زعرور" هما الشخصيتان الرئيسيتان في الفيلم اللذين تتمحور حولهما القصة الرومنسية ومعهما مجموعة من الممثلين المخضرمين مثل جوليا قصار، بتي توتل، ميرنا مكرزل، سينتيا كرم، مع إطلالات خاصة لهيام ابو شديد، نقولا دانيال، رفعت طربيه، عماد فغالي وجوزيان بولس.

واستطاعت هذه النخبة من الممثلين بإدارة لارا سابا أن تغوص في أعماق كل شخصية لتجسد ما تتخبط به من مشاعر حين تتقاطع "ع مفرق طريق" عبر مواقف كوميدية تُرضي الجمهور العريض، لنجد انفسنا امام فيلم بعيدا عن السياسة التي تعج بها لبنان حاليا، وتقدم المؤلفة والمخرجة فيلما شديد المحلية اللبنانية ولكنه في نفسه الوقت يعبرعن هذا المجتمع اللبناني الثري اجتماعيا وانسانيا، ليكون الفيلم بمثابة شباك لهذا المجتمع ينظربه نحو العالم، ويؤكد الفيلم من جديد على ضرورة تشبث اللبناني بأرضه وبيئته، وضرورة العودة  إلى الجذور وانطلاقه وراء الأحلام والطموح والبحث عن السلام الداخلي.