س وج.. خبير يوضح الإجراءات اللازمة لاختيار موقع بناء محطة طاقة نووية

الدكتور كريم الأدهم
الدكتور كريم الأدهم

اختيار موقع لبناء محطة طاقة نووية هو من أهم المراحل المتعلقة بتنفيذ وتجسيد فكرة المشروع على الأرض، حيث تتراوح خصوصية هذا الاختيار من القرب من المحيطات أو البحار إلى الظروف الجيولوجية والهيدرولوجية للمنطقة. مع التأكيد على حقيقة أن الموقع والنشاط الزلزالي والبركاني ومعايير السلامة الأخرى، جميعها تلعب دورًا حاسمًا في ضمان الحماية والدعم لعملية بناء مستقبل مستدام.

في هذا السياق تحدث الدكتور كريم الأدهم، الرئيس الأسبق لهيئة الأمان النووي، عن هذا الموضوع الهام خلال إجاباته عن بعض الأسئلة المتعلقة بالإجراءات اللازمة لاختيار موقع محطة طاقة نووية وجاءت إجابات تلك الاسئلة كالتالي:

- لماذا غالباً تتمركز محطات الطاقة النووية بالقرب من المحيطات والبحار؟

يكمن المبدأ الأساسي لتشغيل محطة طاقة نووية في أنه نتيجة التفاعل الذري، ويتم إطلاق كمية كبيرة من الحرارة، مما يؤدي إلى تسخين الماء وتحويله إلى بخار. بدوره يقوم البخار تحت الضغط بتدوير التوربينة التي تحول الطاقة الميكانيكية إلى طاقة كهربائية.

وفي هذا الاطار تستخدم محطات الطاقة النووية الحديثة نظام الدائرة المزدوجة: الدائرة الأولى، التي يدور فيها الماء من المفاعل. والدائرة المغلقة حيث يدور الماء فيها بشكل دائري باستخدام المضخات. يتم نقل الحرارة من الدائرة الأولى إلى مياه الدائرة الثانية، حيث تتحول إلى بخار وتقوم بتحريك التوربين تحت تأثير درجات الحرارة المرتفعة للطاقة المنبعثة. 
هذه الحركة الدورانية تقوم بتوليد الكهرباء في مولد مثبت على عمود مشترك مع التوربين. ثم يدخل البخار الخارج من التوربين إلى المبرد حيث يتحول مرة أخرى إلى الحالة السائلة، ويتم تبريد الدائرة الثانية (البخار من مولد البخار) بالمياه الخارجية. تأتي هذه المياه من بركة تبريد أو مصدر مفتوح، على سبيل المثال، من البحر القريب. ومن هنا تأتي ضرورة أن تتمركز محطات الطاقة النووية بالقرب من المحيطات أو البحار أو الأنهار أو البحيرات الكبيرة، وهو أمر مريح للغاية لأن التبريد يتطلب مصدرًا ثابتًا للمياه، حيث يتم إرجاع الماء المبرد من الدائرة الثانية.
من المهم أن نشير هنا إلى حقيقة أن الماء من الدائرة الأولى لا يتقاطع مع الماء من الدائرة الثانية، أي أنه وفق هذه المنظومة، من الاستحالة بمكان أن يحدث التلوث الإشعاعي للمياه التي يتم تفريغها في الحوض النهائي (الخزان أو البحر). وبالتالي فإن المياه المفرغة من الدائرة الثانية غير ضارة على الإطلاق. علماً أنه أثناء الاستخدام، لا تتعرض مياه البحر لأي تأثير يذكر لا فيزيائي ولا كيميائي ولا إشعاعي. 

اقرا ايضا :روساتوم: الانتهاء من صب البلاطة الخرسانية التأسيسية للمفاعل الرابع بمحطة أكويو النووية

وتستخدم طريقة التبريد هذه في العديد من محطات الطاقة النووية في فرنسا وإنجلترا وفنلندا والسويد وغيرها من الدول، ولا تشكل أي خطر على السكان أو البيئة.


- هل تؤخذ بعين الاعتبار عوامل مثل الجيولوجيا والهيدرولوجيا وعلم الزلازل؟

في الواقع، عند اختيار موقع محطة طاقة نووية، يتم إجراء دراسة موسعة حول مجموعة متنوعة من العوامل، بما في ذلك الجيولوجيا والهيدرولوجيا وعلم الزلازل في منطقة معينة. وتهدف هذه الدراسات إلى ضمان أقصى قدر من السلامة والاستقرار للمحطة في مواجهة التأثيرات الخارجية والحوادث المحتملة. بالإضافة إلى ذلك، يتم إجراء تحليل للظروف المناخية والسياق الاجتماعي والاقتصادي والديموغرافيا للمنطقة.

وبالتالي عند تحديد موقع البناء، يتم أخذ جميع المخاطر والعوامل المؤثرة المحتملة بين المنشأة والبيئة بعين الاعتبار، بما في ذلك الكوارث الطبيعية والكوارث من صنع الإنسان، وإمكانية انتشار النشاط الإشعاعي وجدوى الخطط في حالة الطوارئ. مع التنويه إلى إنه يمكن تصنيف هذه المؤشرات أيضًا على أنها خصائص سلامة موقع البناء. 
وبهدف القيام باختيار مدروس ومناسب لمواقع المنشآت النووية، من المهم أيضًا مراعاة عوامل أخرى لا تتعلق مباشرة بالسلامة، مثل حماية موقع المحطة، والميزات التكنولوجية، والجوانب الاقتصادية، وتوفير مياه التبريد، ووسائل النقل وإمكانية التوصيل بالشبكة الكهربائية، والتأثيرات غير الإشعاعية للمحطة على البيئة والآثار الاجتماعية والاقتصادية.

- ما هي البنية التحتية اللازم توفرها بهدف بناء محطة نووية؟ وكيف يتم تحليل الامكانات التكنولوجية؟

تتطلب محطات الطاقة النووية بنية تحتية متطورة، وهذا يعني أن التركيز لا ينصب فقط على مدى توفر شبكات الطرق ووسائل النقل بالجودة المطلوبة، بل أيضاً يتم التركيز على مدى توفر الموانئ وشبكات المياه والكهرباء والاتصالات. وبالتالي فإن تطوير وتنفيذ هذه المكونات تحتاج إلى التخطيط والتنسيق الدقيق والشامل مع مختلف المؤسسات الحكومية والخاصة.

ويقوم المختصون والمهندسون - قبل البدء في عملية البناء - بإجراء دراسة شاملة لتحديد مدى توفر الإمكانيات التكنولوجية اللازمة وضمان شروط تنفيذ المشروع. ويشمل ذلك تقييم الموارد المحلية، وتحديد مدى الحاجة إلى التكنولوجيا والمعدات المستوردة، وتحليل جدوى دمج الإنتاج المحلي والخدمات المتاحة.
أما فيما يتعلق بالسلامة، فإن هدف التصميم هو ضمان التشغيل الآمن والفعال لمحطة الطاقة النووية وتقليل مخاطر الحوادث والتأكد من إمكانية التخفيف من عواقبها بشكل موثوق. وعليه فإنه لتحقيق هذا الهدف تم اتباع نهج "الحماية في العمق"، والذي ينص على إنشاء طبقات متسقة ومستقلة من الحماية. والحديث يدور، خلال مرحلة التصميم، عن مراعاة خصائص الموقع التي تم الحصول عليها خلال المسوحات الأولية، وإنشاء حواجز متعددة الطبقات لمنع انبعاث النشاط الإشعاعي، وتطبيق معايير السلامة الصارمة والحلول الهندسية التي خضعت للاختبارات.
أياً كان الأمر فإن تحقيق الأمان والسلامة يصبح ممكناً قبل كل شيء من خلال استخدام تقنيات ومواد عالية الجودة، وإدخال أنظمة التحكم والمراقبة، والجمع بين أنظمة السلامة الداخلية والهندسية. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تلبي هذه العناصر أعلى المتطلبات لمقاومة التهديدات الداخلية والخارجية، إذ يعتمد نهج "الحماية في العمق" أيضًا على أنظمة الإدارة الفعالة.
وبالتالي فإن تخطيط وبناء محطات طاقة نووية يأخذ بعين الاعتبار العديد من العوامل، كل منها هام وحاسم لإنجاز المشروع بنجاح وضمان التشغيل المستدام على المدى الطويل للمحطة.


- هل تلبي محطات الطاقة النووية معايير السلامة والأمان للسكان والبيئة؟

بهدف ضمان مستوى مناسب من الأمان في محطات الطاقة النووية يقوم الخبراء بوضع منظومة من الحواجز المادية التي يتم تثبيتها في طريق المواد المشعة، بالإضافة إلى التدابير التي تهدف إلى الحفاظ على سلامة الحواجز. أثناء تصميم وبناء محطة نووية ثم تشغيلها، تمتثل جميع البلدان للقواعد والمعايير الوطنية والدولية التي تضمن سلامة المنشآت النووية. وبالتالي من أجل ضمان الامتثال الصحيح للمتطلبات الدولية والوطنية لضمان سلامة المحطات النووية، يتم تنفيذ مجموعة من التدابير وعمليات التفتيش الخارجية والداخلية. 

وعلى وجه الخصوص، تقوم الهيئة التنظيمية، التي تتحقق من الوثائق الفنية وتصدر ترخيصًا لبناء المنشآت النووية في مرحلة البناء، بإجراء مثل هذه الفحوصات بانتظام في مرحلة التشغيل. 
كما يتم الاهتمام لاجراءات الرقابة المستقلة التي تقوم بها المنظمات الدولية المستقلة، بما في ذلك الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أثناء أنشطة التفتيش المنتظمة. على وجه الخصوص وضعت الوكالة الدولية للطاقة الذرية معايير، يتعين على أي دولة توجد على أراضيها منشأة للطاقة النووية، الالتزام بها. حيث تغطي هذه المعايير جميع جوانب الأمان أثناء تشغيل محطات الطاقة النووية، بما في ذلك الجوانب التنظيمية والفنية في جميع مراحل دورة حياة محطات الطاقة النووية، وتقدم توصيات عملية.
بالاضافة إلى ذلك تساعد الوكالة الدولية للطاقة الذرية أيضًا الدول على دمج هذه المعايير، وتساهم في تدريب الكوادر وتقدم للدول المساعدة التقنية وبعثات الخبراء لإجراء عمليات تفتيش منتظمة لمحطات الطاقة النووية.
مرة أخرى يعتمد المستوى العالي من أمان وسلامة محطات الطاقة النووية على مبدأ الحماية الذاتية لوعاء المفاعل، ووجود العديد من حواجز الأمان والازدواجية المتعددة لقنوات الأمان. وبالتالي يعتمد نشاط العاملين في المحطة على تجسيد ثقافة الأمان والسلامة والعمل الدائم على تقديم الدعم الفني وتطويرها، وهذا هو الأساس المتين لضمان سلامة محطات الطاقة النووية، والذي يسمح لنا الالتزام به بالتحدث بثقة عن سلامة محطات الطاقة النووية للسكان والبيئة.