لم يشبه أحداً من أقرانه من زملاء المدرسة؛ فدائماً لا يعير انتباهه دقة جرس الفسحة المدرسية مثلهم، ومع هرولة جميع زملائه على الدرج، وكأنهم يودون اللحاق بماراثون الجري أو الفوز بمسابقة دولية.
إلا أنه يهبط الدرج بعقلانيّة رجلٍ حكيم؛ يفضل الجلوس للتأمل وملاحظة أدق التفاصيل حوله من كل زاوية، يجلس منفرداً بذاته بذلك الحوش المدرسي العريض، يجذب انتباهه تلك العصفورة الصغيرة التي تحاول التقاط أية فتات طعامٍ بمنقارها الصغير ثم تعاود التحليق مرة أخرى، فتقف على شباك فصله الدراسيّ.
يتأمل حركاتها وتفاصيلها بتمعن وعين متقدة؛ يفتح كراس الرسم ليحاول رسم ملامحها الصغيرة ببساطة وعفوية، يرسم عين؛ فمنقار ثم جناح ويحاول توصيل هذه النقاط الثلاث ببعضها البعض ليكتمل جسم العصفورة.
وعندما عجز عن رسمها ببراعة فنانٍ محترف مخضرم؛ أطبق الورقة بإحكام، وصنع منها قارباً صغيراً.
أمسك بالقارب، وأخذ يدور به في أرجاء الحوش المدرسي.
أخذ يدور ويدور حول نفسه كثيراً، وكأنه يكتشف لأول مرة في حياته دوار البحر، اكتشفه برتوشٍ صغيرة.
