فى ذكرى مولد «الصادق الأمين»

النائب علاء عابد
النائب علاء عابد

تمر فى هذه الأيام المباركة ذكرى، ليس كمثلها فى تاريخ الأنام ذكرى، إنها ذكرى مولد سيد الخلق، صلى الله عليه وسلم، النبى الأميّ، الذى أرسله الله رحمة للعالمين، واصطفاه برسالته ليكون خاتم المرسلين.

كان ميلاد النبي، صلى الله عليه وسلم، استجابة إلهية لدعوة إبراهيم عليه السلام، كما جاء فى القرآن الكريم: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

وكان يوم مولده، صلى الله عليه وسلم، حدثًا عظيمًا فقد تساقطت الأصنام فى جوف الكعبة واهتز إيوان كسرى ملك الفرس، وسقطت منه أربعة عشر شرفة، كما أخمدت نيران المجوس، التى لم تخمد طوال ألف عام.

ومما يُروى عن الصحابية الجليلة فاطمة بنت عبدالله، أنها قالت: «لمّا ضَرَب آمنة بنت وهب المخاض، وكان ذلك ليلًا، نظرتُ إلى النجوم تتَدَلَّى حتى إنى لأقول: لَتقَعْنَ عَلَيَّ. فلمّا ولدت، خرج لها نورٌ أضاء له البيت الذى نحن فيه والجدار، فما من شىء أنظر إليه إلاّ نوّر».

وعندما ولدت السيدة آمنة بنت وهب، النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، أرسلت على الفور إلى جده عبدالمطلب، الذى فرح بالبشارة فرحًا عظيمًا، ورأى أن الله عوضه بحفيده هذا عن ابنه «عبدالله» الذى توفى فى ريعان شبابه، فأخذ الجد، الحفيد بين يديه ثم دخل البيت الحرام، وصار يدعو الله ويحمده كثيرًا، ثم سمّاه «محمد»، وهو اسم لم يكن مألوفًا فى جزيرة العرب وقتها. 

وكان مولد النبى - صلى الله عليه وسلم- فى مكة المكرمة عام الفيل، وهو العام الذى وقعت فيه محاولة هدم الكعبة على يد أصحاب الفيل، برئاسة أبرهة الحبشيّ.

وعندما طلعت على الناس، شمس يوم الثانى عشر من ربيع الأول من عام الفيل، وهو العام الذى يوافق 570م أو 571م، أشرقت شمس النبوة.

وجاء مولده، عليه الصلاة والسلام، ميلادًا لأمة الأخلاق الفاضلة، فقد كانت إرهاصات ميلاده بداية حقيقية لتغيير خريطة العالم الذى كان قبل مجيئه يرفل فى ظلمات الجاهلية والضلال، ثم جاء مولده هاديًا إلى الإسلام، دين الحق، وآخر إرسال السماء لهديّ الأرض.

وكان ميلاد النبى، عليه الصلاة والسلام، إتمامًا لمكارم الأخلاق، وبعثته رحمة للعالمين، فكان قدوة حسنة فى قوله وفعله وحديثه وصمته وفكره، وحربه وسلمه، مع القريب والغريب والعدو والحبيب، والقوى والضعيف.

ولقد نشأ، صلى الله عليه وسلم، على الأخلاق الكريمة، يُضرب به المثل فى الأمانة والصدق، حتى سمّاه معاصروه قبل البعثة «الصادق الأمين».

وينبغي، ونحن نحتفل بمولده، أن نتأسى فى كل سلوكياتنا وأفعالنا وأقوالنا بسيرته العطرة، وأخلاقه الرفيعة، وأدبه الرباني. 

ومع أنه خاتم المرسلين، وسيد العالمين، فقد وصف النبى صلى الله عليه وسلم، نفسه بمنتهى التواضع، قائلًا: «إن مثلى ومثل الأنبياء من قبلى، كمثل رجل بنى بيتًا فأحسنه وأجمله، إلاّ موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون ويعجبون له ويقولون: هلاَّ وُضِعت هذه اللبنة؟، قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين».