وجع قلب

العودة للوراء

هبة عمر
هبة عمر

كنت أتابع أحد المسلسلات الأجنبية التى ترصد فترة تحول اجتماعى فى نهاية القرن الثامن عشر بإحدى القرى التابعة لكندا، والتى تنجح فيها طفله نشأت يتيمة تتعرض للضرب والعنف المستمر فى دار للأيتام فى تغيير واقعها، كما تنجح بمساعدة معلمتها المثقفة فى تغيير مجتمعها بأكمله لترسيخ قيم العدل والمساواة وحرية إبداء الرأى فيما يحقق صالح المجتمع وأفراده من خلال أساليب التعليم بالمدرسة، وبقدر الدهشة من إمكانية حدوث هذا منذ عشرات السنين فى مجتمع مغلق تماما يرفض تغيير عاداته وأساليبه كانت الدهشة أكبر حين أقرأ فى القرن ٢١ عن تقدم نائبة فى البرلمان باقتراح  لإعادة هيبة المعلم  عبر منح المعلمين والمعلمات صلاحيات أوسع فى التأديب والعقاب ومنها الضرب بالعصا ، وهو ما أعتبره بحق عودة للوراء عدة قرون.

ضمن ما قرأته قول النائبة إننا جرّبنا الأساليب التربوية الوافدة إلينا من الغرب، فكانت النتيجة أجيالا لديها انفلات أخلاقي، وبررت مقترحها بعودة الضرب كنوع من فرض الانضباط لكى تعود إلى المدرسة قدرتها على إعادة التربية للطلاب وتقويم سلوكياتهم، واحترام المعلمين والتعامل معهم بالتبجيل الواجب .
ما أعرفه جيدا أن وزير التعليم أصدر عام ٢٠١٦ قرارا وزاريا يحظر استخدام العقاب البدنى والنفسى للطلاب، ومنع كافة أشكاله، وكذلك التنمر داخل المدارس، لكن المجلس القومى للطفولة والأمومة حين أجرى دراسة عن تعرض الطفل المصرى للعنف فى البيئات التى يفترض أن تكون آمنة بالنسبة له، وأبرزها البيت والمدرسة والنادى الرياضى، وجد أن نسبة الأطفال من سن سنة إلى١٤ سنة يتعرضون للعنف بدرجات مختلفة من الأب أو الأم أو المعلم تصل إلى نحو٩٣ فى المائة، ونحو ٦٥ فى المائة من المراهقين  يتعرضون للضرب بواسطة عصا أو حزام. وخلصت الدراسة إلى وجود قبول مجتمعى للعنف كوسيلة للتربية من قبل الوالدين والمعلم، وأن العنف يساعد فى تكوين شخص قوى وسوى!

وتبقى الثقافة المتصالحة مع الضرب كوسيلة تربية وتنشئة وتقويم فى حاجة إلى تغيير شامل ليس تقليدا لأى ثقافة أخرى كما يدعى البعض، ولكن استجابة للإنسانية والفطرة السليمة وإدراك مقومات التربية والتعليم  الصحيحة.