فى الصميم

المدرسة.. والمواطنة

جلال عارف
جلال عارف

لا شيء أكثر أهمية لمستقبل البلاد أفضل من تعليم جيد متاح لكل أبنائنا على قدم المساواة، بالتأكيد هناك جهود كبيرة تبذل لكن المشكلة كبيرة والخلل بدأ منذ أربعين سنة على الأقل. وإمكانيات الدولة قاصرة عن متابعة معدلات الزيادة السكانية التى تضيف ما يقرب من مليونى تلميذ جديد فى كل عام. والظروف الاقتصادية الاستثنائية تفرض البحث عن طرق جديدة للتعامل مع المشكلة التى تؤرق كل أسرة.

وزارة التعليم أعلنت مع بدء العام الدراسى عن خطوات إصلاحية تستهدف عودة المدرسة لدورها، واستعادة المدرس لمكانته قبل أن تحول «السناتر» إلى وحش الكيمياء أو ديناصور الرياضة!! لكن.. تبقى المشكلة أكبر، والحاجة أشد إلى مضاعفة الإمكانيات التى تكفل تعليماً حقيقياً للجميع. ولعل كل التجارب التى مررنا به تفرض عقد مؤتمر عام لإصلاح التعليم يضم الخبراء الحقيقيين المستوعبين لواقع البلاد ولاحتياجات التعليم، ليضعوا استراتيجية جديدة يلتزم بها الجميع ولا تتغير مع كل وزير يتولى وزارة التعليم.

استراتيجية التعليم المطلوبة تبدأ من الإقرار بأن إصلاح التعليم الأساسى المجانى هو حجر الزاوية فى الإصلاح الشامل والتنمية المستدامة، ثم الفهم الكامل أن التعليم الأساسى الموحد هو أحد أهم عاملين فى دعم المواطنة والمساواة فى المجتمع (والعامل الثانى هو الخدمة العسكرية الإلزامية). ومن هنا فلا يمكن الاعتماد على تعليم أساسى يضم ما يقرب من عشرين نوعاً، ويفرق بين المواطنين على أساس الإمكانيات المادية للأسرة.

وحتى نمتلك هذه الاستراتيجية ونوفر إمكانيات نجاحها بإذن الله، فإن علينا جميعاً أن نوفر أكبر قدر من التكافل من أجل تعليم أبنائنا. فى ظروف أخرى أو مجتمعات مختلفة كان يمكن أن تكون الضرائب على الأغنياء هى الحل.

فى ظروفنا المطلوب هو التكافل والعمل المشترك من الجميع لتعود المدرسة لدورها وليعود المدرس لمدرسته بدلاً من «السناتر» وليكون فى كل محافظة صندوق لدعم التعليم يساهم فيه الجميع بما يستطيعون من أجل إصلاح المدرسة ومساعدة التلاميذ غير القادرين بدل أن يتسربوا ويصبحوا عبئاً على الاقتصاد بدلاً من أن يكونوا جزءاً من المستقبل.

سيكون ذلك متاحاً إذا عدنا للتعليم الاساسى الموحد والمجاني، والمدرسة التى تضم القادر وغير القادر معاً، ويكون فيها التفوق للأفضل.. كما كان الوضع فى مدارس مجانية تخرجت منها أجيال كتبت أسماءها فى تاريخ العالم كما كان الحال مع زويل ومجدى يعقوب وعشرات الألوف من نوابغ المصريين فى كل المجالات.

نتمنى عاماً دراسياً أفضل رغم كل التحديات. ونأمل أن تختفى الوحوش والديناصورات التى تملأ السناتر، ليعود المعلم المربى الأب لتعود معه المدرسة التى تعلم، وتربي، وتوحد الجميع فى ظل المواطنة.