«إعلان قديم» قصة قصيرة للكاتب محمود حمدون

الكاتب محمود حمدون
الكاتب محمود حمدون

أدري أن الودّ مفقود بيني وبين لافتات الإعلان, لا أحبها وأزعم أنها تبادلني نفس الشعور. التقيهم على رغم منّي في كل زاوية وركن, بالنواصي والميادين, على أسطح البنايات الحكومية والعمارات, وأجساد السيارات والحافلات والقطارات, يزاحمونني بصورة مقيتة, حتى آمنت أن الحياة تضيق بي في وجودهم.

 لكن .. تستقر لوحة الإعلانات هذه من سنوات في أرض خالية أمام البيت, يفصل بيني وبينها طريق أسفلتي. مطبوع عليها إعلان عن مُنتج قديم لم أشغل بالي بقراءته من قبل.

 اللوحة مساحتها مستطيلة كبيرة وأظنها ثقيلة الوزن, لذلك تعجّبت ثم انقلب عجبي إلى قلق حين رأيتها تتأرجح هكذا بتأثير الرياح بل وتطير كبساط الريح الذي سمعت عنه في حكايات ألف ليلة وليلة؟ لكن حملها الهواء كريشة.

 كنت أنظر إلى اللافتة غير مصدّق وفنجان قهوتي في يدي يكاد يندلق من فرط انفعالي.  أجزم أن روحًا تلبّستها, فقد سكنت تمامًا أمامي لدقيقتين, كأنما تشاور نفسها, ثم مالت قليلًا للأسفل كأنما تتأهب لأمر ما, إذ كانت تعلو حد الشرفة بمسافة صغيرة.

حين استشعرت غدرها وأنها تسعى خلفي أنا بالتحديد, سوف تنقض عليّ في التو, اتخذت قراري في لمح البصر, دافعت عن نفسي بأن طوّحت بالقهوة  ناحيتها بقوة,  فهوى الفنجان وسمعت تحطّمه, تناثر شظاياه بمنتصف الشارع, ثم رجعت القهقرى وأنا أضغط بكتفي ثم بكل جسدي حتى لا ينفتح باب الشرفة.  لمّا تمكّنت من غلقه  ظللت في مكاني فترة أسترق السمع, أحاول أن أستشف ما يحدث بالخارج حتى أعياني قلق الانتظار الطويل.