«شقوق» قصة قصيرة للكاتبة فاطمة الرفاعي

الكاتبة فاطمة الرفاعي
الكاتبة فاطمة الرفاعي

 

كان يخطو أول خطواته على سلم أكبر جامعة في أمريكا كأستاذ زائر.. رفع قدمه وقبل أن تمس الدرج وقعت عيناه عليها دون قصد.. فقد كانت صاحبته تسبقه في ارتقاء السلم بعدة درجات.. كعب وردي ناعم ولامع.. يشبه تماما شفاه الأطفال وينم عن عناية بالغة.. برز الكعب من صندلها الأسود الأنيق تعلوه سيقان بيضاء بديعة..  نظرة خاطفة ولكنها كالريح قلبت أمواج روحه وذكرياته.. ففاض الحزن من عمق عمق الروح.. في لحظة اجتمعت دموعه وكادت أن تسقط فجمدها بين جفونه.

انشق قلبه واعتصر..  وفي ثانية غاب عن الزمان والمكان.. غامت رؤيته ورآها تخطو بكعوبها المتشققة يسيل منها الدم وهي تعمل بالأجرة في غيطان البصل في شدة زمهرير يناير.. وفي وحقول الفاكهة صيفا تحت سياط الشمس.. حافية بجلباب بال.. يعلو أقدامها التراب والطين.. وفي كفيها أثر أشواك العمر.. 

وبعد أن تخجل الشمس من كدها وتتوارى تعود لصغار كالعصافير تطعمهم وترعاهم.. كان صغيرا ينكفئ على كتبه.. يؤدي واجباته فوق الحصير.. ما أن تعود ملكة شمسه وسيدة فؤاده الصغير حتى تتعلق عيونه بها ويظل محدقا في وجهها.. ثم ينهض مسرعا ويحضر بعضا من زيت الطعام في طبق ويجلس تحت قدميها ويدهن كعوبها بيديه الصغيرتين ويبكي.. كما يكاد أن يبكي الآن.. بقيت الشقوق في روحه والأوجاع في قلبه ولكن صاحبه القدمين تخطو الآن في عالم أخر.. ليتها تراه وهو يصعد.. ليتها تبتسم .