بين ضرورة التعريب ومطالبات رفض التغريب| «الترند» يفسد لغتنا الجميلة!

المجمع العلمي المصري
المجمع العلمي المصري

■ كتب: عبدالهادي عباس

إضافة للعوار الإداري الذي يُحيط بأسلوب العمل به، وتأخر إجراء الانتخابات أكثر من مرة، وسيطرة وزارة التعليم العالى على الإجراءات الإدارية بما يُخالف لائحة العمل به؛ أثارت قرارات مجمع اللغة العربية الأخيرة باعتماد بعض الألفاظ، مثل: «استعباط» و«فيسبوك» و«تريند»، الكثير من الجدل بين الدارسين، ما بين مؤيد ومُعارض؛ حتى وصل الأمر إلى صدور بيان رسمى عن الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، رفض فيه المصطلحات الدخيلة على اللغة العربية، أو تسجيل وإضافة كلمات أجنبية على لغتنا العربية بداعى أنها دارجة، كاشفًا أنه سيشارك فى اجتماع مجمع اللغة العربية بالقاهرة، 2 أكتوبر المقبل، لمناقشة جميع الكلمات الأجنبية التى سُجلت منذ 4 سنوات بجانب كلمة «ترند»، وذلك للمطالبة بإعادة حتى الكلمات التى تم الاعتراف بها.
 

◄ الأزمات تلاحق «استعباط» المجمع.. والدارسون يرفضون التساهل

◄ د. عبدالحميد شيحة: الاستخدام اليومي يغلب التحفظ

◄ د. يوسف نوفل: لا يجب أن يتسع التعريب لما يجرى على ألسنة الناس

◄ د. محمد حسن: نلجأ للتعريب إذا لم نجد بديلًا لدينا

وقال الشيخ القاسمي فى البيان الذى نشرته وكالات الأنباء الإماراتية: «استخدام الكلمات الأجنبية أصبح أمرًا مبالغًا فيه، فمنذ 4 سنوات تجمعت كلمات وأصبح البعض يستخدمها واعتبر أنها دخلت على الكلمات المستخدمة، والآن أضافوا كلمة «ترند» ولم يعترفوا بها وإنما أضيفت فقط، وهذا خطأ فى التعبير والناس أخذت بها». وطالب باعتباره عضوا «شرفيا» بقرار جمهورى مصرى فى مجمع اللغة العربية بالقاهرة، بإعادة حتى الكلمات الأجنبية التى تم الاعتراف بها، فالتجاوزات التى حدثت «نريد أن نعيدها ولا نريد أن نعترف بأشياء إضافية، وإنما المسألة هى تصحيح ما فات». 

ويفتح بيان الشيخ القاسمى الباب واسعًا لمناقشات جادة حول الأسباب التى تدعو أقدم مجمع فى العالم العربى لتعريب مثل هذه الكلمات التى قد نجد لها بدائل كثيرة بقليل من الجهد.. فى هذا التحقيق تكشف «آخرساعة» الكثير من الموافقات والاعتراضات على قرارات المجمع الأخيرة والأسباب التى أدّت إلى ذلك: 

◄ قوائم المصطلحات
كان د. يوسف نوفل، عضو المجمع العلمي المصري، والرئيس الفخرى لاتحاد كتاب مصر، وأستاذ النقد الأدبي بجامعة عين شمس، أشهر الرافضين لتعريبات المجمع الأخيرة، إذ يقول: عرفت لغتنا العربية اللغويين القدماء ومن بعدهم رأينا المحدثين والمعاصرين يهتمون باللفظ والمعنى والتطور الدلالى للمفردة وملاحظة ما يطرأ على الكلمة من تصحيف وتحريف رجوعًا إلى أصولها واتجاهها إلى ما يثريها من اشتقاقات ومترادفات وضبط، فوضعوا المعاجم فى مجال المفردات والمعاني.

بل صنفوا المصنفات حول النوادر وأضافوا إلى ذلك المستدركات، بالاهتمام بالتعريب أو الترجمة؛ وفى سبيل ذلك حددوا المصطلحات ليقف المصطلح واضحًا فى إثراء المعنى. ولم يقتصر هذا الأمر على اللغويين والرواة، بل شمل فئات أخرى من أهل العلم، كالأصوليين والصوفية وعلى رأس الآخرين ابن عربى، ثم انضم إليهم فى العصر الحديث علماء المستشرقين. ومن هنا ضمت المكتبة العربية التراثية معاجم المصطلحات أو المعاجم الخاصة.

ويضيف د. نوفل أنه فى هذا المجال أسهم مجمع اللغة العربية فى وضع قوائم المصطلحات الأدبية والعلمية والحضارية كمصطلحات القانون التجارى والصحة والكيمياء والجيولوجيا والفيزياء والفيزياء النووية والجغرافيا والفنون منذ سنة ١٩٥١ حتى بلغ عدد المصطلحات فى الجزء الأول الصادر سنة ١٩٥٧ أكثر من خمسين ألف مصطلح فى سبعة عشر مجلدًا فى علوم شتى. ونخلص من ذلك إلى أن الاهتمام اللغوى بالتعريب والاشتقاق وإثراء دلالات الألفاظ وتوسعة نطاق المعانى بمراعاة الترادف والاشتقاقات والأضداد، وما إلى ذلك فى سبيل اتساع حركة المعنى وإثراء الدلالة، استجابة وتجاوبًا مع متابعة التطور العلمى والحضارى وابتكار المصطلح وفق قواعد لغوية وأدبية وليس الاعتماد على الاستعمالات الشائعة أو الصيغ المتداولة .ومن هنا أرى ألا يتسع التعريب إلى ما يجرى على ألسنة الناس فى استعمالاتهم؛ لا سيما واللغة العربية تملك أكبر قدر من المفردات على مستوى لغات العالم، ولا تدانيها أية لغة فى هذا الكم اللغوى من المفردات؛ ويساعدنا على ذلك سمتان لغويتان مهمتان فى لغتنا وهما الترادف والاشتقاق.

◄ اقرأ أيضًا | نتائجه كارثية..استشاري تغذية تحذر من «دايت الطيبات»

◄ ليست غريبة
من الناحية الأخرى يأتى حديث د. محمد حسن عبدالعزيز، عضو مجمع اللغة العربية، ورئيس لجنة الألفاظ والأساليب المنوطة بإجازة الكلمات المعرّبة، ليقول إن كلمة «ترند» لم نجد لها بديلًا فى الفصحى؛ ومن هنا نطرح السؤال: ما الذى تجدونه بديلا لها فى العربية؟ كما أن التعريب ليس أمرًا حديثاً، فالعرب قاموا بتعريب عدد كبير من الكلمات دون أن يجدوا حرجًا فى ذلك، ومعلوم أن القرآن الكريم يضم العديد من الألفاظ والكلمات غير العربية، مثل الفارسية والحبشية وغيرهما؛ ولهذا نحن نعرّب إذا لم نجد المُقابل فى العربية، وإذا كانت الكلمة الأجنبية ليست غريبة على الأذن العربية وعلى الاستعمال العربى؛ وكلمة «ترند» ليست غريبة من الناحية الصوتية على الأذن العربية.

وأضاف أن هناك نظامًا متعارفًا عليه داخل المجمع، وهو أن أى كلمة تُعرض على اللجنة يتقدّم بها عضو من أعضائها ويكتب مذكرة عنها يشرح فيها أصول الكلمة فى لغتها ومدلولاتها، وهل لها نظائر فى العربية أم لا، وغيرها من النقاط العلمية، ثم تتفق اللجنة عليها أو تختلف؛ وإذا تم التوافق حولها يأتى دور مجلس المجمع الذى يناقشها ثم يُقرر قبولها أو رفضها.

◄ ترند.. ترند!
ومن اللجنة نفسها يقول د. محمد رجب الوزير، عضو المجمع، والأستاذ بألسن عين شمس، وصاحب اقتراح كلمة «ترند»: إن الكلمة أخذت موافقة لجنة الألفاظ والأساليب، وموافقة مجلس المجمع، وتم اعتمادها رسميا فى مؤتمر المجمع السنوى الذى عُقد العام الماضى؛ حتى أصبحت الكلمة بالفعل «ترند» الآن!

وأضاف أن الكلمات المناظرة فى العربية لكلمة «ترند» لا تُعطى الدلالة نفسها؛ كما أن «ترند» على وسائل التواصل تأتى بمعنى موضوع ساخن جديد يُثار على منصات مواقع التواصل الاجتماعى فينتشر بسرعة فى فترة زمنية قصيرة ويهتم به الجمهور ويتداولونه بالحديث فيه والتعليق عليه ويتبادلون الأخبار عنه بكثرة، والجمع «ترندات».

وتابع د. الوزير أنه مقتنع جدا بالكلمة، ويرى أنها إضافة بسبب كثرة استعمالها فى الصحف ووسائل الإعلام؛ إضافة إلى أنها سهلة فى النطق.

◄ صيحات لغوية!
ويؤكد د. عبدالحميد إبراهيم شيحة، عضو مجمع اللغة العربية، وأستاذ الأدب العربى بدار علوم القاهرة، أن هجرة المصطلحات الجديدة ومواكبة تطورها واستخدامها أصبح أمرًا شائعًا بين لغات العالم أجمع، وجزءًا من الثقافة العالمية، حتى فى لغات المناطق الجغرافية المعزولة؛ كما أنه فى مثل هذه الأيام التى تنطلق فيها وسائل التقدم التقنى والإلكترونى إلى آفاق جديدة يوميا، تتبنى اللغات العالمية الصيحات اللغوية الجديدة، حتى اللغات المحافظة منها التى تتمسّك بهويتها مثل اللغة الصينية أو اليابانية أو الألمانية، لا تجد مفرًّا من استخدام مثل هذه الكلمات وتتبناها فى معاجمها واستخداماتها اليومية؛ لأنه شئنا أم أبينا سيغلب الاستخدام أى تحفظ فى تبنى مثل هذه الصيحات الجديدة، وليس ذلك بدعا فى اللغة العربية التى تبنت كلمات منذ العصر الجاهلى وحتى الآن من لغات كثيرة، حيث جعلوا من الكلمات المعرّبة أقرب إلى النطق العربى فى العلوم المختلفة.

ويضيف أنه ينبغى علينا عدم التسرع فى بحث مسائل التعريب من جميع جوانبها حتى نصل إلى رأى واضح، وحتى لا يُقال إننا نفعل ذلك دون تأصيل حقيقى؛ وأعتقد أن أى لفظة تتم مناقشتها من لجنة الألفاظ والأساليب تضع لها المبررات التى اعتمدتها من أجلها، سواء فى رحلة تأصيل الكلمة فى الاستخدام العربى أو فى اللجوء إلى استخدامها كما هى؛ وفى كل الأحوال فإن الاستخدام الشائع لدى الناس يغلب ويكتسح الرؤية المحافظة.

ويتابع: أن بيان الشيخ سلطان القاسمى يوضح أنه رجل غيور على اللغة، وغيرته محمودة، وفى بيانه تأكيد أنه سيراجع هذه الألفاظ مع المجمع يوم 2 أكتوبر المقبل، وعلينا أن نستمع إلى وجهة نظره، ولا شك سيستعين بالخبراء العاملين معه بالمعجم التاريخى؛ أما عن كلمة «ترند» فتعنى اتجاهًا غالبًا فى علم من العلوم، فالكلمة مستخدمة وموجودة فى البحث اللسانى؛ وفى لغة التواصل تُطلق على «الصيحة» أو «الموضة»؛ والشيخ القاسمى اقترح كلمة «متداول»، ولا بأس فيها؛ ولكننا سنضطر إلى استخدام كلمة أخرى معها لوصفها بالمتداول؛ والحقيقة أن الموضوع سيكون مثار نقاش فى جلسة عامة بالمجمع، وهو أمر محمود.

ويضيف د. شيحة أن جميع اللغات تُدخل الكثير من الكلمات المُستعملة، ويجب ألا تتلكأ المجامع اللغوية عندنا فى تعريب هذه الألفاظ التى انتشرت فى الصحافة ووسائل التواصل، حتى لا تشيع بصورة مغلوطة على ألسنة الناس.

◄ بدون وصاية!
من جهته، يوضح د. خالد فهمى، الخبير بمجمع اللغة العربية، أن المجمع اللغوى بالقاهرة قد تأسس، لتحقيق هدفين جليلين: أولا- حماية اللغة العربية وصيانتها من كل ما يهددها، أو يهدد مستقبلها. ثانيا- ترقيتها وتحديثها، لتكون لغة علم قادرة على استيعاب العلوم الحديثة، والتعبير عنها.

ويضيف أنه لأجل تحقيق هذا الهدف الأخير فقد استقر النظر إلى المجمع على أنه بيت خبرة وطنى وقومى فى ميدان تعريب مصطلحات العلوم، وللمجمع منهجية عامة تعالج هذا الشأن، وهى منهجية «شرعية» أقرها المجمع فى دورتين متتاليتين 1994م/ و1995م؛ وملخص هذه المنهجية هو: الإفادة بما فى التراث العربي، ومسايرة النهج العالمى فى هذا المجال، وإلحاق المصطلحات التى يقرها بتعريف موجز يكشف عن دلالتها العلمية. وتأمل منهج المجمع العملى يكشف عن إيثاره وضع مصطلح من أصل عربى أولًا ما أمكن ذلك، فإن تعسر لجأ إلى وضع المصطلح الأجنبى فى صيغة صرفية عربية مستعملًا أصواته المحورية، فإذا تعسر ذلك أخذ بالتعريب عند الحاجة، أى يسمح بإدخال اللفظة الأجنبية بنطقها الصوتى، والتعامل معه بوصفه لفظا عربيا. 

ويقول د. خالد إنه إذا كان الأمر المثير للجدل هو ما نُشر بشأن إقراره تعريب المصطلح الإعلامي trend «تريند» فهو من حيث المبدأ لم يخرق منهجه فى التعريب، وتعريب اللفظ على هيئته الأجنبية له سوابق مقررة من عصر الجاهلية والإسلام والعصر الحديث، من مثل: الفيزيقا والميكانيكا والأتوبيس وغيرها؛ وإن كان بالإمكان إقرار هذا المصطلح بمكافئ ترجمى عربى خالص: اقترحت فى تصريح سابق لى لفظ «الصدارة» واقترح غيري: الرائج/ أو الأكثر انتشارًا.