قتلت ابن جارتها ووضعت جثته في «شنطة السوق» انتقاماً من أمه

الطفل المجنى عليه
الطفل المجنى عليه

الشرقية‭: ‬إسلام‭ ‬عبدالخالق

"اختار الجار قبل الدار".. حكمة يعرفها أهل الريف جيدًا وعلى أتم الاستعداد أن يتركون كل شيء لأجل جار طيب، والعكس كذلك، وتلك العبارة ما قد يتبادر إلى ذهن أيٍ منا حين يُطالع تفاصيل الجريمة البشعة التي أقدمت عليها سيدة تُدعى «سكر» بالكاد أتمت عامها الثامن بعد الثلاثين، لكن تلك السنوات رغم صغرها بالنسبة للبعض إلا أنها في الجيرة تعني الكثير؛ فالسيدة التي دومًا ما تظهر مبتسمة ودودة لا يخال لمن يراها أنها قد تكن ترتدي قناع البراءة والاصطناع، بعدما أظهرت التحريات وكشفت التحقيقات بشاعة ما اقترفته يداها من جُرمٍ بحق طفل بالكاد أتم فطامه وعامه الثاني في الحياة.

المكان إحدى العزب المعروفة بـ «خلوة الشعراوي» التي تتبع قرية العقدة في دائرة ونطاق مركز شرطة منيا القمح أقصى جنوب محافظة الشرقية، الزمان نحو الساعة الثالثة عصر الأحد الماضي، الوصف جلبة كبيرة وهمهمات بين أهل البلدة والكل يبحث عن طفل صغير يُدعى «مصطفى محمد السيد حنفي» بالكاد أنهى الرضاعة والفُطام وأتم عامه الثاني قبل بضعة أيام، والذي اختفى في ظروف غامضة من أمام منزل أسرته، في الوقت الذي كان والدا الطفل في بندر المدينة لأجل تجهيزات احتفالية الأسرة بقدومه إلى الحياة بعد ثلاث بنات وكأنه "ديك البرابر".

ضرب نبأ اختفاء الصغير كرسي في «كلوب» احتفالات الجميع بقدومه إلى الحياة؛ فقد كان بمثابة الفاكهة التي أنبتت في غير موسمها، يحبه الجميع ويلتف حوله ولا يتخيل المنطقة دونه رغم سنواته التي لم تصل إلى أقل صفات الجمع وكلماته الحثيثة التي بالكاد ينطق محاولات وصفها بطريقته الطفولية، بيد أن وراء كل تلك العبارات والأوصاف التي لا تصفها الكلمات والحب كانت هناك إحدى النوايا الخبيثة والمكر السيء الذي حاق بالطفل وتربص به حتى قبضه قبضةً غاشمةً بدمٍ بارد وروح باعت نفسها لشيطانها ولم تعد تعرف للندم سبيلا.

أعاد الجميع الخيوط والمشاهد كأنهم يعيدون تجميع لعبة «بازل» وقبلهم رجال المباحث الذين راجعوا كاميرات المنطقة واستمعوا إلى حديث الأسرة والأهالي لتظهر بداية الخيط الذي قد يقود إلى السر حين نطقت والدة الطفل جملتها التي لم تنطق قبلها شيئًا منذ غيابه: "كان متعود يقعد مع سكر جارتنا". حديث الأم سبقه أفعال كانت غريبة على الجارة «سكر» حسبما أكد والد الطفل خلال حديثه: «كانت مش طبيعية من وقت ما بدأنا ندور على مصطفى وهي كل شوية تقول تعالوا دوروا عندي في البيت»، قبل أن تضيف الأم: «كانت يومها كل شوية تمسح بعد ما رجعت من السوق.. بس الغريبة إنها خرجت يومها شايلة شنطة السوق على راسها من قبل ما تتسوق".

الحديث والتحريات والمعلومات كلها صبت في خانة واحدة وحصرت قائمة الاشتباه حين مرت الساعات الأربع والعشرين الأولى على اختفاء الطفل بالعثور على جثته، لكن مكان وملابسات العثور على الجثة كانت قاسية لا يحتملها قلب إنسان؛ فالطفل «مصطفى» كان محشورًا في جوال «شيكارة» كما لو كان مهملات أراد واضعها الخلاص منها بأسرع ما يمكن، وحول رقبته كانت الآثار بادية أن ذاك الجثمان قد كُتمت أنفاسه قبيل مغادرة روحه صاحبها، وبين هذا وذاك كان مكان العثور على الجثمان لا يبعد كثيرًا عن بلدته، ما يُدلل عن أن القاتل لم يكلف نفسه عناء السير كثيرًا وهو يحمل جثة الفتى. 

شكوك

حامت الشكوك حول الجارة ذات الوجه المبتسم «سكر»، لكن جاءت مشاهدات الكاميرات الموجودة بمحيط القرية؛ لتؤكد أن الشكوك جميعها كانت على صواب، وفور ضبط المتهمة بدت صامتة تارة ومتحدثة بطلاقة وانهيار تارةً أخرى، قبل أن تنهار حين واجهتها جهات التحقيق بما أسفرت عنه تحريات رجال المباحث الجنائي، لتستكين أخيرًا وتتصنع الوداعة وتُدلي باعترافاتها حول جريمة إنهاء حياة الطفل على يدها وحمله داخل الشيكارة داخل شنطة السوق وإلقائه بمكان التخلص منه، وعللت سبب جريمتها تلك بـ خلافات سابقة زعمت حدوثها بينها وبين أهلية الطفل.

"ماكانشِ بيننا خلافات ولا حاجة تخليها تعمل اللي عملته"، قالتها والدة الطفل مصطفى وهي تفند الأسباب التي زعمتها المتهمة لارتكاب جريمتها، قبل أن تضيف: "ابني كان روحه فيها وكان بيحبها أوي وقلبه متعلق بيها، جابت له كيس شيبسي وقعدته جنبها زي كل يوم، لكن في هذا اليوم كانت الشيطانة خططت لإنهاء حياة ضنايا".                                                  القاتلة

وتابعت الأم المكلومة والدموع لا تُغادر عينيها: "لما جينا ندور قالت ماشوفتهوش وقعدت تشرب شاي قصاد بيتها في المكان اللي كان ابني بيقعد فيه جنب منها.. أنا بس نفسي أسألها هي ليه عملت كده"؟!

يلتقط والد مصطفى أطراف الحديث، ليؤكد على أنه كان في رحلات عمل متواصلة خارج حدود الوطن وعاد إلى البلدة قبل الواقعة بنحو ثلاثة أيام فقط، وكانت الأسرة تستعد للاحتفال بالطفل: "ابني كان كرم كبير من ربنا بعد 3 بنات، كنا بنجهز علشان عقيقته وروحنا البندر أنا وأمه علشان نشتري الهدايا لكن رجعنا مالقيناهوش وجالنا خبره".

وأوضح الأب أن كلمات المتهمة جارتهم كان مريبة فور عودتهم والبدء في البحث عن الطفل بعد اختفائه: "كانت بتقول لنا ماشفتهوش ولا أعرف عنه حاجة أنا عندي عيال وأنا مالي"، قبل أن يؤكد على أن حديث الجارة المضطرب كان من أسباب اكتشاف أنها القاتلة.                                                                                                                         الأم

عادت والدة الطفل للحديث مرةً أخرى بين دموعها وانهيارها وهي تشير في الحديث إلى جارتها المتهمة: "خنقته.. غمضت عيني وشوفته في الشوال.. ماكنتش أعرف إن قلبها قاسي كده وإنها تقتل ابني وتشيله في شنطة السوق وتعدي بيه قصاد بيتي بقلب حجر.. عمرها ما هددتني ولا بينت كرهها ليا.. نفسي تعدموها وحسبي الله ونعم الوكيل".

بلاغ الواقعة

البداية كانت بتلقي الأجهزة الأمنية بمديرية أمن الشرقية، إخطارًا يفيد بورود بلاغ بالعثور على الطفل «مصطفى م ال»، يبلغ من العمر سنتان، مُقيم بناحية «خلوة الشعراوي» التابعة لقرية العقدة في نطاق ودائرة مركز شرطة منيا القمح، جثة هامدة في جوال «شكارة» ملقاة في مياه ترعة بدائرة مركز شرطة منيا القمح.                                                                                                                                                                                                                                                                   الأب                                                                                                                                                                                                                                     

بالانتقال والفحص وفور انتشال انتشال الجثة تبين وجود شبهة جنائية، فيما جرى نقل الجثة إلى مشرحة مستشفى الأحرار التعليمي في مدينة الزقازيق وانتداب أحد الأطباء الشرعيين لتشريح الجثة وبيان سبب الوفاة، تنفيذًا لقرار النيابة العامة بشأن بلاغ الواقعة الذي حمل رقم 8080 إداري منيا القمح لسنة 2023، فيما طلبت النيابة العامة تحريات المباحث حول الواقعة وملابساتها وكيفية حدوثها، وصرحت بدفن الجثمان وتسليمه إلى ذويه لدفنه عقب الانتهاء من الإجراءات القانونية اللازمة.

وتوصلت التحريات إلى أن وراء ارتكاب الواقعة «سكر غ م»، 38 سنة، ربة منزل، جارة أسرة الطفل المجني عليه، فيما تبين أن المتهمة قد خطفت الطفل المجني عليه ووضعته في جوال «شيكارة» وتخلصت من الجثة بمكان العثور عليها، وتم ضبط المتهمة، وبالعرض على النيابة العامة وجهت للمتهمة تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، وأمرت بحبسها على ذمة التحقيقات لمدة أربعة أيام مع مراعاة التجديد لها في الموعد القانوني.  

اقرأ أيضًا : بعد ورود رأي المفتي.. الإعدام لمتهم يحمل جنسية أجنبية لقتل شخص ببولاق


 

 

 

;