«الخطاب الأخير» قصة قصيرة للكاتب رانيا جمال

قصة قصيرة للكاتب رانيا جمال
قصة قصيرة للكاتب رانيا جمال

حين امتد الخطاب نحَو نادية قرَّبَتهُ إلى أنفها في انتشاء طفولي، خَاض غزوة غابرة مع الانتظار فقتله، مُشتاقة تتلهف إلى فك سياج الحبر القديم كأنها المرة الأولى التي تقرأه، دلفت أصابعها الرفيعة نحو الظرف.

 انتقصت أناملها مقدارًا من انتصابها مُحتضنة رسالة ممدوح إليها، لمحت تاريخًا قديمًا في أعلى الورقة لكنها لم تكترث فقد قررت أن تتمايل بين كلماته في رشاقة تتخطى فكرة موته منذ أكثر من ست سنوات،

جلست لتريح قلبها من وعثاء السفر عبر الزمن ثم وضعت صورته قبال عينيها لتمعن النظر بين ما خطَّه بيديه وبين بسمته الخلَّابة ووسامته المُعلَّقة على جِدار الصبر على الفِراق، مات ممدوح بعد أن تَرك لنادية زهرتين وبينهما وتد أصيل يفوح برائحة عبق الجَّنة متشبثتين بأستار الأمل الذي استكمل مسيرته حتى بعد قبض الروح،  والحنين الذي امتلك زمام ذكرياتهما سويًا وصنع أسطولًا من الصور التي لا تندثر.

 قُرابة الساعتين تُحاوره نَادية عن أخبار زَهرتيها أمل وحنين وثالثهما أخيهم "عَبد الكَريم" الذي نأى بمآسي الفَقد الحَبيسة بداخله منذ فجيعة الموت، فأصبح انطوائيًا قليل الكَلام، مَرَّت أمل من أمام غُرفة أمها بنفس الموعد من كل يوم، نقرت البَاب وبصوتٍ يشعُّ بهجة قالت لها: "هيِّا، لقد أحضرت لكما اليوم إفطارًا شهيًا عن الأمس، لا تنسِ إخباره بذلك".

ثمَّ نظرت لأختها "حنين" التي بدت مندهشة "حاولي إقناعها بأنه غير موجود!".