صاحبة هجرة وأليفان الشعر نبع من بُردة أبي!

الشاعرة أسماء جلال
الشاعرة أسماء جلال

صاحبة "هجرة" و"أليفان":
الشعر نبع من "بُردة" أبي!
ديواني الرابع في الطريق.. ولا أستطيع مقاومة "نداهة" القصة!
تجاربنا تفرض نفسها.. ولسنا نُسخًا مُشوهة من الشعراء السابقين  

البدايات المبكرة تخدم طريق الشاعر وتمهد له سُبل الاستمرار في مصارعة القصيدة؛ والشاعرة أسماء جلال بدأت قوية ومشت بخطى واثقة لحفر اسمها بين شعراء مصر، حتى احتلت مكانة لائقة في منافستها الأخيرة بمسابقة أمير الشعراء: 

كيف كانت البدايات الأولى لانبثاق آلة الشعر عندك؟
كانت البدايات في سن العاشرة على هيئة خواطر أولية. والذي أصّل للموهبة كان أبي الشيخ الصوفي، رحمه الله، الذي حفظت القرآن على يديه، واستمعت منه إلى البردة حيث كان يؤم بها رجال الحضرة منشدًا. بقيت كلماتها بقلبي واستطاعت أن تشق نفقًا داخل وجداني نحو الإبداع.

وكانت الانطلاقة بكلية دار العلوم من خلال جماعة الشعر حيث شاركت بالمهرجانات الأدبية واستمع إليّ كبار الشعراء أمثال: فاروق شوشة، وأبو سنة، وأبو دومة، والشهاوي، وحجازي، والذين أثنوا على تجربتي. وكانت الإذاعية القديرة حكمت الشربيني عبر برنامج (شعر وموسيقا) تذيع لي قصائدي وأيضا (أسبوعيات طاهر أبو زيد) كنت وقتها عضوًا بجمعية حُماة اللغة العربية. وحصدت العديد من الجوائز منها: جائزة حسن النجار، وجائزة المنتدى الأدبي، وجائزة فتحية العسال لأدب المرأة، وجائزة الهيئة العامة للكتاب، ووسام التميز، وجائزة باشراحيل للإبداع.

صُنع يديه
ماذا عن أبرز أعمالك الإبداعية؟
صدر لي أول ديوان شعري (صُنع يديه) برعاية مؤسسة الكرمة، وقد شاركت به في معرض الكتاب ٢٠٢٠ ثم من بعدها أصدرت لي هيئة قصور الثقافة ديوان (هجرة) والذي شاركت به في معرض الكتاب هذا العام. ثم الديوان الثالث (أليفان)، وديوان آخر تحت الطبع. وليس الشعر وحده هو الشكل الإبداعي الوحيد الذي أكتبه؛ فقد كتبت عدة قصص ما بين قصيرة وأبيجراما أعمل على جمعها لنشرها قريبا. كما أن أطمح للقصيدة العربية أن تتخذ المنحى الدرامي وألا يكون جلّ همّ الشاعر اللهاث وراء القافية والألفاظ الرنانة؛ بقدر ما أن تشغله القضية المكتوبة والاتجاه إلى مسرحة النص ليصبح مشهدًا متكاملًا تصدح به الألوان والحركات، وألا يكون النص بمعزل عن المتلقي؛ بل يشاركه همومه الاجتماعية والاقتصادية ويتطرق إلى الهمّ الإنساني المشترك.

رؤية جيل
أنت وشعراء جيلك من تُمثلون شعريا؟
أنا وجيلي من الشعراء نمثّل أنفسنا، وأومن أن لكل جيل رؤيته الخاصة وتدفقات أحواله الكتابية؛ لذا كان من البديهي أن تفرض تجاربنا وجودها على الساحة الأدبية دون أن نكون نسخًا مشوهةً لشعر القدامى، فلكل عصر متطلباته ولكن يقف حائلًا دون ذلك البعض ممن يحتكرون بعض المنصات فارضين نصوصهم وما يتفق وذائقتهم رافضين الجديد دون التحقق من جدارته فقط لأن التطور يبدو مخيفًا لهم يرونه مهددًا لبقائهم؛ وهذا هراء لأن الأدب الحقيقي عليه أن يستوعب في داخله القديم والجديد ولا معوّل إلا على الجودة.

ما رأيك في أشكال الكتابة الشعرية لدى شعراء الفصحى الشباب والذين يعول عليهم في الحفاظ على هوية الأدب العربي من خلال ما يقدمونه؟
لايمكن أن نجد شاعرًا متمكنًا من أدواته يملك ناصية لغته الشاعرة ويحتكره جنسٌ أو نمطٌ شكليّ للكتابة الشعرية، ومع ذلك نجد من حولنا بالفعل ينقسمون فرقًا ومذاهب في ذلك.. فنجد منهم من يميلون إلى شكلٍ دون الآخر بل ويلزمون أنفسهم به طيلة الوقت ويرفضون الآخر، دون النظر إلى معايير الجودة اللغوية والأدائية والتصويرية، وهنا تكمن الأزمة، وكذلك الأمر عند أصحاب المذهب المخالف حيث يجدون في اختيارهم ضالتهم المنشودة للتعبير عن فكرهم وما يجول بأخيلتهم. 

ولكل فريق منهم حجته؛ فالمحافظون- كما يطلقون على أنفسهم- أو الديوانيون نسبةً إلى جماعة الديوان قد حصروا كتاباتهم في الشكل الخليلي العمودي ظنًّا منهم أنه الأنموذج والممثل الوحيد لهوية الشعر العربي، وأن القدماء هم من أرسوا دعائم هذا الشكل الكتابي وعلينا ألا نعدو إرثهم، هكذا يرون ولا غضاضة عندي أبدًا فيما ألزموا أنفسهم به ما داموا قائمين على تزكية ما يكتبون وما أنصفوا إبداع الآخر- وإن خالفهم الشكل- وأيضًا أصحاب المذهب الحر وعدم التقيد بالوزن الشعري أو القافية وغيره مما نتج عنه من تطور سواء القصيدة البيتية أو غيرها، لهم كذلك حجتهم في أن متطلبات الحياة الحديثة ومجالات العصر ومختلف الموضوعات التي استُحدثت وفرضت نفسها على ذائقة المبدع والمتلقي على حدٍّ سواء قد وجدت في الشكل الحر متنفسًا وفضاءً رحبًا للتعبير عن أنفسهم وعن قضايا عصرهم المُلحّة.

غير منحازة!
هل تنحازين إلى أي من هذه الأشكال الإبداعية؟
أنا ممن ينتمون إلى هذا الجيل وأجدني غير منحازة إلى شكل دون الآخر؛ بل أرى في الحقيقة أن الجو العام للقصيدة وموضوعها والنفس الشعري بها هو الذي يفرض على الشاعر الشكل الذي يضعها فيه، هكذا شريطة أن يتجرد الشاعر حال الكتابة من إعجابه بنصٍّ معين سبق وقرأه وانفعل به حتى لا يقع ضحية التناصّ معه أو يصل به الأمر إلى الانتحال! وأنا أكتب كل هذه الأشكال، وأجد نفسي فيها جميعًا.

وأربأ بنفسي وبأي شاعر حقيقي أن يكون قد أعدّ نفسه مسبقًا للشكل الذي سيكتب عليه قصيدته- وكثير ممن يدّعون الشاعرية يفعلون للأسف، ويبدو هذا جليًّا في كتاباتهم لعين المتحقق فتراه أخذ بيتًا لشاعرٍ قديمٍ وراح ينسج على منواله ثم يدّعي أنه صاحب تجربة وينكر أنه حين راح يكتب كان ينظر إلى قصيدة هذا السابق عليه ولو من طرفٍ خفيّ! كنتُ لأغفر لمثل هؤلاء لو أنهم صدّروا ما كتبوا بقول: معارضة لقصيدة فلان، غير أنهم لا يفعلون!

الشعر الحقيقي
اختلفت التعريفات للشعر.. ما تعريفك للشعر الحقيقي؟ 
الشعر الحقيقي عندي كالقماش الجيد المتين؛ أيًّا ما فصّلتَ منه يجد الترحيب والإعجاب، أخذتَ منه بنطالًا أو رداءً أو غيره فهو مرحبٌ به على أية صورة. 
وليت هذه الفِرق تحتفظ بأسلوبها وما ارتضته من شكلٍ في كتاباتها دون أن تُشاحن الأخرى أو تنبذ أصحاب المذهب الآخر أو تبخس الشعراء المبدعين حقهم من الإنصاف مراعاةً لجودة المنتج الشعري بغض النظر عن صورته.. 

فيجب أن يُنظر إلى مادة الشعر ومائه لا إلى شكله أو هيئة صاحبه، وإلا لكنا وقفنا بالشعر عند السابقين الذين ما طرقوا بابًا إلا ودخلوه وأوغلوا فيما وراءه ولكُنّا اكتفينا بما قدموه، ولذا صار لزامًا علينا أن نطور وألا نقف على القديم نردده عبر أبياتٍ مكررةٍ لا روح فيها، وصار لزامًا على الشاعر المجِدّ أن يقرأ كثيرًا وأن يتجاوز ما وراء هذه المعاني المطروحة المطروقة ليُفرِد تجربته ويعطي شعره مساحاتٍ أعمق وأوغل في فضاءات الجمال والبهاء ثم لا حرج بعدها أن يأتينا بقصائده عموديةً أو حُرةً أو بيتية؛ حسبه أن يراعي في كل ذلك معايير الجودة الشعرية وأن يضع المتلقي في حساباته فلا ينفصل بكتابته عن واقع حال قارئيه.