صفاء سالم إسكندر تكتب.. الفنان مرتضى الجصانى: يدان ترتجلان

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

تكمن أهمية الفنان مرتضى الجصانى ك خطاط أنه ينجز ما يربط إحساسنا بالنص من خلال خطوطه، والمتابع لأعماله يعرف ذلك، أقصد المتلقى المثقف العين، يعرف الاختلاف الذى أوجده وتميزت به أعماله عن بقية الخطاطين، صحيح أن هنالك استخدامات قائمة وفق قواعد معينة لرسم الحروف لكنه يحاول الإخفاء وتأويل اللامرئى لإنشاء تصور آخر يعكس قراءته وكيف ينطلق من الحرف لتكوين رؤية يريد من خلالها قراءة جديدة. فالتشظى وهذا هو الأثر الذى يمثل العودة، بل الضامن لها، من خلال فعل القراءة، الخلاصة، أنه يشع وهذا يؤثر فينا.

ففنان متمكن مثله، صاحب تقنية وفرادة، استطاع منح كلمة «حب» جغرافية ومناخ خاص، عدا البريق الذى يصاحب هذه الكلمة سواء فى عالمه أو عوالم من يتلقى هذه الخطوط، تذهيب للذات، فهو يضع إيقاعه لغرض المقابلة والموازنة مع الموسيقى أو الإيقاع الروحى لكلمة (حب) التى رسمها محاولا وضع تعريف آخر للعشق، بنفس عرفانى.

اقرأ ايضاً| بعد التشغيل التجريبى ..جولة تفصيلية فى المتحف الكبير

أعماله تزرع فى النفس ذلك الإحساس الرهيب بجدوه الجمال وما يمكن فعله من أجل هذا العالم، أتردد فى الإفصاح عن ذلك، إذ ربما هذه مبالغة فى التذوق وكيف أعبر عن تعلق قلبى بهذا الجمال، لكن لى انطباعى لكثرة ما تأملت هذه الخطوط وسعيت الى معرفة أى مسافة يقصد ويتقصدها هذا الفنان؟
إنه يمنح المساحة البيضاء قيمة فنية، فهذا الملتقط من الحقيقى يسهم فى فهم المنبع التى ولدت منه، رغم أنها صامتة، لكنها قادمة من العنف والقسوة التى تسيطر على الحواس المرهفة، فكانت النتيجة أن يضع إسهامه الحقيقى فى وسط يفتقر إلى الحقيقي، لا أنفى ذلك بشكل تام، لكننا لا نستطيع القول إن هذا العالم بدأ يبتعد عن المذهل والخلاق. فمثله فنان يستطيع أن يترجم الكلمات ويصنع لها إيقاعاتها الراقصة بما يملك من تقنيات، وما يستخدمه من أدوات تبرز عمله وحضوره، أنها سحر يصف الحقيقة ويتبقى علينا أن نشاهد بكل امانة، فهذا السعى إلى العرفان والروحانيات وموضعة ذلك من خلال الاشتغال على تيمة النقطة والتواقيع التى ابتكرها والتى يريد لها أن تظل بلا ملامح، عتمة وصمت، اختلاف حر يضمن من خلاله قناعة المتلقى بالعمل وبقاء العمل فى ذاكرته على أنه سيستمر فى قراءته، وكل ذلك عائد إلى التشظى والأثر الذى تركه.

يمتلك الجصانى قوانينه المعمارية التى يتمكن من خلالها صناعة المختلف، فالأحبار السائلة التى تقابل خطوطه والتى تبتعد عن خطوطه فى الآن نفسه، هى تجريد مضاف يترك للمتلقى فهم القصد والإشارة عندما يقابل هذا السائل الحر، سائل آخر يتحرك وفق ما تريد الفرشاة عند نقطة التقاء معينة بطريقة ابتكارية يأخذ موضوعها من الشعر والتراث على أنها علامة إنسانية، هذه اللحظة تصنع علاقة صداقة بين الماضى والحاضر.

وكما يشيع الحب، يدير وجهه للخراب، أنه يريد محاكمة الواقع والدوافع لذلك كثيرة، ففى سلسلة رفض التى عمد من خلالها الى وضع كلمة (لا) فى أشكال هندسية غير مكتملة تماما، لكنها فى الآن نفسه موضوعة فى حيز مكشوف لنا، ليبدو الأمر وكأنه تمرد ناقص، فهذه كلمة تحتاج الصدق والشجاعة. أنه ينجز الأشياء الحية التى لها ارتباط كبير بواقعنا، دون تشويه أو إزالة، والناظرون لأعماله يتقبلون هذا التصور الذى له دوافعه، فهو يعرف الحاجة لذلك.

 يبقى كل اشتغال لمرتضى الجصانى هو اشتغال مهم، فنحن لا ننظر إلى الأشياء التى يراها، لا الأشكال ولا المواضيع، إنها فرشاته بينما يرى هذا العالم يسعى حيث ينتظر هو ما يجعله مكتملا من خلال أحباره. لا أستطيع أن أقول كل شىء مرة واحدة عن عالمه، وفرادته وهذا التبادل الذى يصنعه بين الألوان والأحبار بأن يرتب المستويات التى يعالج من خلالها مكان كل شىء حسب أولويته بتجريد هندسى فى عالمه.