عاجل

فى الصميم

ليبيا بعد الكارثة هل تعود الدولة؟!

جلال عارف
جلال عارف

لم يكن أشقاؤنا فى ليبيا يواجهون فقط إعصاراً لم يسبق لهم التعامل مع مثله من قبل. ولا كانوا يواجهون سيلاً من الأمطار مع بحر هائج ترتفع أمواجه لستة أمتار. ولا كانوا يواجهون أيضا إكتمال الكارثة بانهيار السدود لتغرق المنطقة وتأخذ فى طريقها أحياء وقرى بأكملها.. كانوا يواجهون - مع كل ذلك - الأسوأ والأخطر وهو ميراث سنوات من الفوضى والحرب الأهلية وحكم الميلشيات المسلحة، وكل ما يمكن أن نضعه تحت عنوان واحد هو غياب الدولة!!


نعم.. غابت الدولة وحضرت الميلشيات وسادت الفوضى لسنوات وانقسمت البلاد، وفشلت كل الجهود لاستعادة الوحدة وإعادة بناء مؤسسات الدولة وتطهير أرضها من الميلشيات المسلحة والمرتزقة الأجانب.. والنتيجة أن تقول لنا المؤسسات الدولية الآن إن معظم نتائج الكارثة التى ضربت ليبيا مع الإعصار كان يمكن تفاديها لو امتلكت الدولة فقط هيئة متطورة للأرصاد الجوية(!!) ولو كانت السدود وغيرها من المرافق الحيوية قد لقيت الصيانة الضرورية فى السنوات الماضية، ولو كانت الدولة قد استعادت وحدتها وقامت بتفعيل مؤسساتها وبدأت فى معالجة آثار سنوات الفوضى التى عصفت بالبلاد!


ولا نذكر ذلك الآن لكى ننكأ جراحاً نريدها أن تندمل، ولكننا نقول ذلك لكى تكون كارثة الإعصار وماهو مطلوب لمواجهتها هى موعد ليبيا مع طى هذه الصحفة الحزينة بأكملها، ورأب الصدع وعودة كل المخلصين للعمل تحت راية الوطن الواحد والدولة الموحدة.


إن حجم الكارثة أكبر من كل تصور، وعبورها يقتضى توحيد كل الجهود واستعادة كل مؤسسات الدولة، والتخلص دون إبطاء من كل الميلشيات والمرتزقة، وضرب عصابات الفساد والتى ازدهرت فى سنوات الفوضى.


نشاهد الآن مظاهر تعاون بين كل الفرقاء فى ليبيا الشقيقة لمواجهة آثار كارثة «درنة» المفزعة.. لكن ماذا بعد؟! لا بديل عن إدراك أن شعب ليبيا لن يتسامح إذا أضاع الفرقاء هذه الفرصة كما ضاعت غيرها من قبل، وإذا عادت أحاديث الفرقة بدلاً من اصطفاف الجميع حول استعادة الدولة ووحدة أراضيها ومؤسساتها.
قلوبنا مع الأشقاء فى ليبيا وهم يواجهون الكارثة، ويدركون أنها لم تكن فقط بسبب غضب الطبيعة، ولكن - أولا وأخيرا - بسبب افتقاد الدولة التى لابد أن تعود.