جمانة حداد:«القتيلة رقم ٢٣٢» شاهدة إضافية على انفجار بيروت

جمانة حداد
جمانة حداد

صحفية، سياسية، مناضلة حقوقية، روائية، شاعرة، مترجمة، يتمّ اختيارها منذ عام 2014 سنوياً كواحدة من المئة امرأة عربية الأكثر نفوذاً في العالم. هي جمانة حداد القلم الثائر دوما يسجّل وجوده حيثُ القضايا الإشكالية والتابوهات. ألفت الرواية والشعر والمقال وحاورت كبار الكُتاب العالميين فى مؤّلف أسندت إليه عنوان «صحبة لصوص النّار». تتقن سبع لغات تساعدها على ربط عالم الأدب العربى بكل تلك العوالم الإبداعية المتقاطعة معه لشعوب مختلفة وبعيدة جغرافيا (كتابةً وترجمةً)،هنا نتحدث معها عن أحدث أعمالها وتجربتها بشكل عام.


نبدأ من أحدث رواياتك «القتيلة رقم 232»، التى صُنِّفت على أنها أول رواية تُكتَب عن انفجار بيروت: ما الذى يمكن أن تضيفه الرواية على حدث فى حجم بشاعة الانفجار؟ 
فى الواقع، ليست «القتيلة رقم ٢٣٢» رواية «عن» تفجير مرفأ بيروت، بل هى بالأحرى رواية أوقفها التفجير وكتم أنفاسها وعطّل مجرياتها وقتل بطلتها. لأوضح، أو لأكن أكثر دقّة: ليس ما أقوله مجازاً أو استعارة. لقد فعل التفجير ذلك فى الحقيقة، وليس فى متن النصّ الروائى، أى فى التخييل. لقد فعل التفجير ذلك بمعزل عن إرادتى، أنا خالقة الأحداث، فغدر بى مثلما غدر بمئات الألوف من اللبنانيين. تالياً، ليس الانفجار بذاته هو القضية فى هذا العمل، بل كل الحيوات الصغيرة التى انقطعت، والأحلام الكبيرة التى نُحِرَت، والأبنية والأرواح والمشاريع - وفى حالتى أنا، الكتب- التى دُمِّرت، بفعل هذه المأساة التى ضربتنا وغيّرت مدينتنا وأحوالنا وذواتنا بطريقة غير قابلة للعكس. 


كنتُ قد شرعتُ فى كتابة هذه الرواية قبل تفجير المرفأ بنحو سنة ونصف السنة، وكان موضوعها الرئيسى قصّة امرأة عابرة اسمها هند، ومعاناتها فى مجتمع حاقد وتمييزى ورافض للاختلاف كمجتمعنا. اضطررتُ إلى تركها طوال ستة أشهر بعد الجريمة، عندما توقّف الزمن عن العبور وتوقفت القلوب عن الخفقان وتوقفت الأرض عن الدوران بالنسبة إلينا نحن أهل بيروت. ثم عندما حاولتُ استكمالها بعد ذاك، لم أستطع. فعلتُ المستحيل لكى أعيد إحياءها، لكن بلا جدوى. فكان قرارى، كما قرار ناشرى (نوفل)، أن نُخرجها إلى النورُ كما هى: شاهدة إضافية على المجزرة.

أى أنها رواية ولدت مبتورة، وتحوّلت بطلتها هند إلى ضحية أخرى من ضحايا هذا الحدث المفجع الذى أودى بحياة ٢٣١ إنساناً. قُتِل يومذاك ٢٣١ إنساناً، وشخصية روائية واحدة، هى هند. فى أى حال، وفى العودة الى سؤالك الرئيسى، ليس هناك من رواية «تضيف»، بل دورُ الرواية، فى رأيى ومفهومى فى الأقل، أن «تضيء»، أن تكشف المستور وتقول المسكوت عنه وتظهّر ما نعجز أحياناً كبشر عن استشعاره ورؤيته واستيعابه. الكتابة فعل حدس مستقلّ عن وعينا، وهنا تكمن أعجوبتها. وهذا ما آمل أن تكون قد فعلتْه «القتيلة رقم ٢٣٢»، وإن بطريقة غير مباشرة وغير مقصودة. 


كنتِ قلتِ فى كتابك «هكذا قتلتُ شهرزاد» أنك ترفضين الكتابة عن الحرب: أليس هذا موقفاً أخلاقياً لا علاقة له بضرورة تفكيك هذا الحدث المهول وتشريحه ودراسة تداعياته على الفرد؟
لا، ليس موقفاً أخلاقياً، بل هو (أو بالأحرى كان) موقفاً شخصياً يتعلّق بى أنا؛ بتجربتى ومعيشى وإمكاناتى النفسية والمعنوية واللغوية والأدبية. أنا لم أحكم يوماً –ولن- على الذين كتبوا ويكتبون عن الحرب، لا بل هناك روايات بديعة عن هذه التيمة فى كل لغات العالم وثقافاتها. وقد عدتُ وكتبتُ بدورى عن الحرب، بل عن الحروب، بإسهاب، فى روايتى «بنت الخياطة» (٢٠١٩)، التى سردتُ فيها مئة عام من تاريخ منطقتنا، وما ابتلت به هذه المنطقة من أزمات ونزاعات واقتتالات، بما فيها قصة عائلتى ومآسيها الخاصة والعامة. كل ما فى الأمر أننى، فى تلك المرحلة، أى عندما أعلنتُ «رفضى» الكتابة عن الحرب، كنتُ غير جاهزة، وأيضاً غير مؤهلة، للكتابة عن هذا الموضوع؛ أى أننى كنت أخبّئ عجزى و«أجمله» بادعاء الرفض الكاذب هذا: محض غرور منّى أراد تحويل قصورى إلى خيار وقرار. ثم دعينا لا ننسى أن «هكذا قتلتُ شهرزاد» يعود إلى اثنى عشر عاماً خلت، وأن ما يقوله المرء فى عمل ما، فى مرحلة ما من حياته، ليس مطلقاً وأبدياً، ولا ينطبق بالضرورة على كل المراحل اللاحقة من حياته تلك، بل يجب النظر إليه حصراً فى إطاراته الزمنية والمعنوية والفكرية والظرفية الخاصة. ولكن بمعزل عن هذا كلّه، الحرب موجودة فى كل كتاباتى، منذ كلماتى الأولى، شئتُ أم أبيت، قبلتُ أم رفضت، اعترفتُ بذلك أم أنكرته، لأنها جزء منّى، من لحمى ودمى وخلاياى، من ماضيّ وحاضرى ومستقبلى، ومهما فعلتُ لتنقية ذاكرتى وخيالى ولغتى منها فلن أنجح، لأنها تسرّبت منذ الطفولة إلى جيناتى وباتت تشكّل مكوّناً أساسياً من مكوّنات هويتى وكيانى وأناى.


أنت صحفية، سياسية، مناضلة حقوقية، روائية، شاعرة، مترجمة، حاصلة على تكريمات جمة وجوائز عديدة، تتقنين الكتابة بأكثر من لغة... عرّفت عن نفسك فى أحد البرامج التلفزيونية قائلة: «أنا شخصية وعرة...أنا نار». بالنظر إلى كل هذا النشاط أريد أن أسألك: هل تشعرين بأنك فى امتحان دائم لإثبات جدارتك؟ هل هو حب الحياة والرغبة فى الإنجاز، أم هو سلوك لا واع استبطنته كامرأة تحارب نظرة المجتمع إليها على أنها كائن ناقص؟
حسبى أن وراء كل هذا الركض المحموم، السببين معاً وفى آن واحد، وأسباباً أخرى لها علاقة بشخصيتى ورؤيتى للحياة. أنا لستُ كائناً «قنوعاً»، لا بطبعى وبداهتى، ولا بحسب تربيتى. دائماً أعشق أن أتحدّى ذاتى، بل ذواتى السابقة؛ أن أنقلب عليها وأتنافس معها وأسابقها وأحقق أكثر وأعلى مما حققته فى الماضي: خصمى اللدود هى من كنتُ فى الأمس. مثالى الأعلى هى من سأكون غداً. أى إذا كان هناك من «امتحان»، فأنا الممتحِنة، والممتحَنة أنا، وهذا أمرٌ منهكٌ بالطبع، لكنه مُسكِرٌ أيضاً: شكلٌ من أشكال الإدمان الجميل. قد يكون طبعاً أحد الحوافز، بشكل غير مباشر أو «لا واع» كما قلتِ، التمرّد على النظرة النمطية التى تحجّم المرأة وتحصرها فى أدوار محدّدة وتشكّك فى قدراتها.

لا شك عندى أن هذه النظرة التمييزية والظالمة أثارت وتثير فيّ الكثير من الغضب، أى أنها حكماً أثّرت وتؤثّر على بعض سلوكياتى وردود أفعالى وقراراتى، وأيضاً وخصوصاً على كتاباتى. كأنى بى أقول، مع كل فوز جديد: «لستُ ضلعاً من رجل! لستُ ضلعاً من رجل!». لكن هذا التمرّد ليس الحافز الوحيد ولا الرئيسى. فأنا، من جهة، كبرتُ فى بيت لم ينفك فيه الأم والأب يحرّضاننا، شقيقى وأنا، على «المزيد»: المزيد من المعرفة، المزيد من الدراسة، المزيد من الجهد، المزيد من الطموح، المزيد من الأحلام. ومن جهة ثانية، لطالما كان جشعى الفطرى إلى الحياة والاختبار، وإلى تجاوز ذاتى، محرّكاً من محرّكاتى. لستُ ممّن «يصدّقون» أنفسهم وينامون على إنجازاتهم. لم أربّت يوماً على ظهرى وأقول: «برافو». لا بل غالباً أشعر أنى لم أحقق شيئاً، أنى مقصّرة وكسولة وغير مستحقة. وما إن أنهى مشروعاً ما حتى أبدأ بالهجس فى شكل تلقائى وأسأل نفسي: «وماذا الآن؟ ماذا بعد؟".


لماذا شعرتِ بالرغبة فى إصدار «جسد»؟ هل هو استهداف متعمد للتابوهات؟ هل رغبة فى محاربة طواحين الهواء عندما نكتب لمتلقّ ينتمى إلى ثقافة تعتبر الجسد ملكا للدود وتتعالى عليه وتسعى لترويضه بكل الآليات الممكنة؟
هو أوّلاً، وبالتأكيد، استهداف متعمّد للتابوهات، أى لكل الممنوعات العبثية والسخيفة التى باتت مفروضة علينا نحن العرب فيما يتعلّق بالجنس والجسد والإيروتيكا، بينما يحفل إرثنا الأدبى والثقافى بأعمال متنوّرة وعميقة ورائعة حول هذه التيمات. إنه تمرّد على كل ما يساهم فى إنتاج مجتمعات عربية مريضة، خائفة، مشلولة، مزدوجة، ترفع رايات «العيب» و«الحرام» و«العار»، لكنها تمارس فى السرّ ما تنهى عنه فى العلن. وهذا الاهتراء هو نتاج الاستبداد الاجتماعى والسياسى والدينى والاقتصادى، ومن واجب كل واحد منّا أن يحاربه على طريقته، لأنه يستحيل علينا أن نتقدم كأمم وأفراد إن لم نمتلك، فى الحد الأدنى، أجسادنا والقرارات المتعلقة بها. زيدى على ذلك أن هذا النهج العليل من التحكّم والتسلّط والإخضاع ينطبق فى منطقتنا على النساء أكثر بكثير مما ينطبق على الرجال، لأننا ما زلنا أسيرات وأسرى منظومة بطريركية خبيثة وهدّامة. منظومة لا ترى عيباً فى تزويج القاصرات وختان البنات وجرائم الشرف المزعومة، وسواها من الممارسات القاتلة والدنيئة فى حق الطفلات والنساء، لكنها لا تحتمل أن يمارس شخصان بالغان الجنس من دون أن تحشر أنفها بينهما.

تالياً، أنا لا أرى إلى مشروع كهذا باعتباره محض محاربة لطواحين الهواء، أو مجرّد استفزاز مجانى، بل باعتباره ضرورة وواجباً. أعرف جيدا أنْ هناك كثراً يفكّرون مثلى فى عالمنا، لكن غالبيتهم لا يجرؤون على الإجهار، كل لسبب متعلق ببيئته ونشأته وظروفه. لن أنفك أناضل وأحارب فى سبيل هذا الانعتاق، وهذا الوعى، وهذا الحقّ، ما حييت. فأنا، أولاً وأخيراً، إنسانة حرّة وامرأة حرّة ومثقفة حرّة، وسوف أظل أمارس حقى فى حريتى هذه حتى آخر نفس من حياتى وآخر كلمة من كلماتى.

 
هل يشغلك القارئ؟ بمعنى ألا يقلقكِ اشتمال كتاباتك الصريحة على عداء لكل ما هو ذكورى فى بيئة عربية يحكمها الذكورى؟

لا، البتة. جلّ ما يقلقنى ويشغلنى، عند الكتابة، هو مدى وفائى لنفسى وأفكارى ورغباتى، ولِما أريد أن أنبشه وأعبّر عنه بمعزل عن أى خطوط حمر، خارجية أو داخلية. جلّ ما يقلقنى ويشغلنى، عند الكتابة، بالإضافة إلى قيمتها الإبداعية طبعاً، هو مدى شفافيتى وصراحتى وحتى «وقاحتى» أحياناً، وقدرتى على تعرية ذاتى من خوفها وترددها وشكوكها وكبريائها، والتصدى لمحاولاتها المباشرة أو اللاواعية –أن تجتنب ما لا تريد البوح به. هذا، أى ما لا تريد هذه الذات قوله، لأسباب قد تكون خاصة أو عامة، هو معركتى وملعبى. هناك أتحرّك، وهناك أحارب، وهناك أكتب. كل ما عدا ذلك لا يعنينى. وإذا ما نجم عن ذلك أى استعداء، أو على العكس من ذلك أى مجاراة، للقراء والقارئات، فهذان أضرار ومكاسب «جانبية» لم تكن فى الحسبان أبداً عند الكتابة.


لماذا احتجت إلى تعلم أكثر من لغة والكتابة بها؟ هل هذا جزء من موقفك من «عناوين الهوية»؟ ما الذى تضيفه لك اللغات الأخرى ولا تمنحك إياه العربية على مستوى الإبداع؟
لم «أحتج» إلى تعلّم أكثر من لغة، بمعنى أنى لم أفعل ذلك عن سابق تصوّر وتصميم، مدفوعةً بخطّة ما أو مسوقة نحو هدف ما. أنا لا أعرف أن أقوم بأى شىء، ولا أنجح فى القيام بأى شىء، إذا لم يكن نابعاً من رغبة جامحة فىّ، بركانية جداً، جوانية جداً، غير خاضعة لسيطرة العقل والمنطق، وما يجوز ولا يجوز، وما يفيد ولا يفيد، لا أجيد فنون الحساب، ولا أخضع سوى لفطرتى وتلقائيتى، وقد أوقعنى هذا الاستسلام التام – والطوعى والسعيد - لعفويتى، فى الواقع، فى الكثير من المشاكل، وكبّدنى الكثير من الخسائر، على مرّ السنين. لكنى أعتبر هذه المشاكل والخسائر ثمناً زهيداً لقاء متعة أن أكون من أنا بلا مسايرات ومساومات، فيما يتعلق باللغات، حصل الأمر فى شكل تلقائى بداية، من حيث ظروف نشأتى وتعليمى ولقاءاتى (الجدّة الأرمنية، المدرسة التى تعلّمت فيها العربية والفرنسية والإنكليزية، الحبيب الأول الذى سافر إلى إيطاليا)، ثم صار تدريجاً شغفاً، كى لا أقول هوساً. عشقتُ، أنا القارئة النهمة، قدرتى على قراءة الكتّاب العالميين الذين أحبّهم بلغاتهم الأصلية؛ عشقتُ، أنا المترجمة الشغوفة، تمكنّى من إيصال شاعرات وشعراء لم يكونوا فى المتناول إلى اللغة العربية؛ عشقتُ، أنا المتيّمة بالسفر والاكتشاف، سهولة التواصل مع بشر من أنحاء مختلفة من العالم، واختبار تجارب إنسانية وأدبية وثقافية ما كانت لتكون متاحة لى لو لم أكن أجيد هذه اللغة أو تلك؛ لكنى عشقتُ، أخيراً وأولاً وخصوصاً، هبة «التكاثر» التى منحتنى إياها اللغات، أى كم صرتُ متعددة بفضلها، ككاتبة وامرأة وإنسانة على السواء. أحبّ اللغة العربية بجنون، لكنى بالجنون نفسه أحب اللغات الأخرى التى أتكلّمها، وأحبّ نفسى فيها وبها. ولو كنتُ أستطيع، وأقولها بلا ادعاء، لتعلّمتُ كل لغات العالم. لكل لغة عطاءاتها؛ لكل لغة جوّها ونبرتها وشخصيتها وقوتها وجمالها؛ ولكل لغة «جمانتها» أيضاً.


لا نكاد نراك إلّا مشتبكة مع واقع مّا، فاعلة فيه ترومين تغييره، مجسّدة بوفاء صورة المثقف العضوى كما رسمها غرامشى. فهل ترين أن هذا المثقف مايزال راهنا أم تجاوزته الأحداث فى ظل كل التعقيدات العالمية التى نشهدها، وتحوّل أهم القضايا «التقليدية» - إن جاز لنا القول- وبروز قضايا واستقطابات جديدة فى خريطة العالم الجيوسياسية؟
صدّقينى، لا علاقة لى بنموذج هذا المثقف، الذى أحترمه جداً بالمناسبة، لا من قريب ولا من بعيد. لا يحقّ لى أن أدّعى انتمائى إليه، لأنى لم أخض يوماً أى معركة من معاركى، ولم أقم بأى نضال من نضالاتى، مدفوعة بمفهوم «المثقف الملتزم»، إنه محض تقاطع عرضى لهذا المفهوم مع تصوّرى أنا لإنسانيتى، ولما أعتبر أنه واجبى كإنسانة: أكرّر، كإنسانة، لا كمثقفة. كل القضايا التى أثارت غضبى ودافعتُ عنها ورفعتُ لواءها، هى قضايا تشغلنى كإنسانة، لأن مكافحة الظلم، أى ظلم، أكان لاحقاً بى أنا مباشرة أو بمن حولى أو حتى بمن لا أعرفهم، ومناصرة الحريات، كل الحريات، يشكّلان عندى جوهر الإنسانية، وأسلوب عيشى لها.


سؤال أخير: لماذا لم تكتب جمانة حداد للسينما وللتلفزيون؟ هل هو موقف متعال عن وسيطين فنّيين أثبتا قدرتهما على الوصول إلى المتلقى؟ أم أن الكتابة الدرامية لا تستوعب ما تريدين تبليغه؟
لا صلة للتعالى بالموضوع البتة. لستُ أبداً من المثقفين الذين ينظرون إلى الانتشار والشعبية بتعال واحتقار؛ على العكس تماماً. بل كنت لأحبّ جداً أن أكتب سيناريو لفيلم أو لمسلسل، ولى محاولات أصلاً فى هذا المجال، لكنها بذور لم يؤت لها أن تكتمل. كل ما فى الأمر أنى لم أستطع أن أولى الأمر كل ما يحتاج من وقت وتركيز. ثم ليس كل روائى بالضرورة قادراً على كتابة سيناريو، لا بل إنى أجد فى زعم كهذا إهانة لموهبة كتابة السيناريو، القائمة بذاتها، والتى تتطلب عوامل وقدرات خاصة قد لا تتوافر بالضرورة عند روائى ما، مهما كان مبدعاً وناجحاً.

أما بالنسبة إلى ما تستطيع اللغة الدرامية استيعابه، فأنا لطالما قلتُ إن السينما هى أقرب الفنون الى «الكمال»، إذ تتوافر فى الفيلم الجيد كل عناصر الإبداع: اللغة، الموسيقى، التمثيل، المشهد، الحركة، الإحساس، الخ. لكنّ إعجابى بمجالٍ ما ليس سبباً كافياً لكى أخوضه، أليس كذلك؟ وإلا كنتُ لأكون اليوم مصممة أزياء أيضاً، ومهندسة ديكور، وراقصة تانغو، وربّانة طائرة، ووو! ليت الحياة تتسع يا هند!