«فرق الإنقاذ»..لا تعترف بغدر البحر

فريق الإنقاذ من الغرق
فريق الإنقاذ من الغرق

تشهد معظم المدن الساحلية إقبالا كبيرا من المصطافين من كافة أنحاء الجمهورية خصوصًا فى أيام الحر الشديد بفصل الصيف، حيث يهرب الكثيرون إلى الشواطئ للاستمتاع بالجو النقي والهواء المنعش والارتماء فى أحضان البحر، لكن فى ظل هذه المتعة يكمن الخطر إذا تعالت الأمواج وغدر البحر بمحبيه وقد تنتهي الإجازة بمأساة الغرق.

◄ المنقذون: سعادتنا تكتمل بتحقيق الأمان للمصطافين

◄ الأمواج والعناد أكثر الصعوبات التي تواجهنا 

وبحسب منظمة الصحة العالمية، تعد حالات الغرق هى ثالث أعلى سبب للوفيات الناجمة عن الإصابات، ما جعلها تشكل أزمة كبيرة حول العالم، الأمر الذى يتطلب يقظة رجال الإنقاذ البحري باستمرار للحفاظ على سلامة المترددين على الشواطئ والعودة إلى منازلهم مرة أخرى بسلام.

 

التقينا بعض أفراد فرق الإنقاذ على شاطئ النخيل الشهير بحوادثه بالإسكندرية للوقوف على ما يقومون به من تضحيات من أجل الحفاظ على سلامة المصطافين وكيف يشكل ذلك خطورة على حياتهم وكذلك استعراض أبرز الحالات صعوبة التى تعرضوا لها وغيرها من النقاط الأخرى.

◄ مهنة إنسانية
كابتن عمرو عامر، مشرف عام الإنقاذ بمنطقة 6 أكتوبر – شاطئ النخيل، والذى يعمل لمدة 22 عاما فى مجال الإنقاذ، يقول إن مهنة الإنقاذ من أهم المهن الإنسانية التى يترك المُنقذ أسرته وعائلته بمفردهم لعدة أشهر من أجلها، فضلا عما يتعرض له من الخطورة والتضحية بحياته يوميا من أجل إنقاذ الآخرين، لذا من الإجراءات الضرورية التى يجب أن يحصل عليها المتقدم لهذه المهنة الحصول على العديد من الدورات التدريبية فى الاتحاد المصرى للغوص والإنقاذ والحصول على شهادات معتمدة بذلك، بالإضافة لدورات أخرى فى مجال الإسعافات الأولية وإجراء اختبارات حية تتمثل فى قطع مسافة 200 متر جريا و200 متر سباحة فى مياه البحار للتأكد من كفاءة المنقذ فى التعامل مع العديد من الحالات فى وقت واحد قبل أن يستلم عمله فى الشركات المسئولة عن تكوين فرق الإنقاذ.

ويشير إلى أن هناك وسائل تساعد المُنقذ فى القيام بعمله على أكمل وجه ولعل أهمها الاعتماد على المجهود الذاتى للتصرف السريع فى مختلف الظروف بالإضافة لتوفير أطواق الإنقاذ ووسائل الإنقاذ السريع، منوها إلى أن المُنقذ يعمل يوميا طوال موسم الصيف من الساعة السابعة صباحا وحتى الثامنة مساء أى حوالى 14 ساعة متواصلة، وخلال بقية العام يبحث كل فرد من الفريق عن عمل آخر فى مجالات مختلفة للبحث عن لقمة العيش أو التوجه لبعض شواطئ البحر الأحمر التى يمكن الاستمتاع بشواطئها فى فصلى الخريف والشتاء.

◄ طرق الإنقاذ
وعن طرق الإنقاذ، أوضح أنه يتم تقسيم الشاطئ الذى تبلغ مساحته 200 كيلومتر إلى عدة نقاط بين كل منها 100 متر، ويتم تغطيته بعدد 50 منقذًا على الأقل، ليتواجد على كل نقطة منقذ إلى اثنين حسب كثافة أعداد المصطافين، مع وجود ثلاثة آخرين فى مناطق الحواجز بالإضافة لوجود فرق الإنقاذ السريع وأبراج مراقبة على طول الشاطئ، وحين تقع حادثة غرق يتم التواصل فورا مع أعضاء الفريق لإيجاد الدعم من جميع النقاط حتى يتم إنقاذ الحالة بسلام.

ويؤكد أن عين المنقذ لها رؤيتها الخاصة التى تجعله دائما متقدما بخطوة قبل وقوع الحادث، فعند تخطى أحد الأشخاص نقطة محددة فى البحر يتم توجيه له إنذار من خلال صفارة برج الإنقاذ فإن لم يستجب يتم الوصول له فى الحال من قبل وحدة الإنقاذ السريع حتى لا يتعرض لخطر الغرق الذى لا يستغرق جزءا من الثانية.

◄ «البحر مش غدار»
واستنكر عامر المقولة الدائمة التي يرددها الكثير بأن «البحر غدار» مشيرا إلى أن المواطن هو من يلقى بنفسه إلى التهلكة، فالبحر يشهد العديد من الظواهر الطبيعية مثله كمثل بقية المخلوقات، فقد تحدث ظاهرة المد والجذر والتي يطلق عليها عملية «السحب» ويتم توعية المواطنين بذلك ومنعهم من النزول فى البحر لكن تقاعس البعض وتغافلهم عن اتباع قواعد الأمن والسلامة وأخذ الحيطة والحذر هو من يوقعهم فى خطر حوادث الغرق.

وتابع: من أهم الأعمال التى يحرص فريق الإنقاذ على متابعتها يوميا هى حالة الطقس وكيف تؤثر على حالة البحار والأمواج وكذلك معرفة مواقيت النوات، ويتم رفع رايات ملونة أعلى الأبراج بذلك، فالراية ذات اللون الأخضر تعنى أن حالة البحر هادئة وتسمح بالنزول، أما اللون الأصفر فيعنى أخذ الحذر عند السباحة، والأحمر يشير للمنع النهائى للنزول للبحر بسبب التقلبات الجوية وارتفاع الأمواج، ولكن مازال «عِند» وإصرار المواطنين هو الذى يسبب مشاكل الغرق، وفى هذه الحالة يتم تحديد جزء واحد فى البحر يستطيع فريق الإنقاذ السيطرة عليه ويُسمح به بالنزول لكن بحذر، علما بأن أكثر حالات الغرق تحدث عند نزول المصيفين فجرا بدون أن يتواجد فريق الإنقاذ.

◄ أصعب الحالات
ويؤكد أنه من أصعب الحالات التى واجهها فى هذا الموسم الصيفى كانت فى إجازة عيد الأضحى والتى شهدت إقبالا كبيرا من المواطنين، وتعرض خلالها 9 أطفال لحادثة غرق وكان أكبر طفل بها عمره 8 سنوات، حيث كان الأطفال بصحبة ذويهم يلعبون على الشاطئ ومع الازدحام بالمصيفين بدأت الماء تسحبهم رويدا رويدا وتعرضوا جميعا للغرق فجأة وبحمد الله استطاع الفريق إنقاذهم جميعا بالتعاون مع وحدات الإنقاذ السريع، حيث يتم وضع الأطفال على أطواق الإنقاذ وإخراجهم سريعا من الماء كما تواجد فرد إسعافات أولية على الشاطئ ليسعف من كان فى حاجة لذلك.

◄ إنقاذ باليد اليسرى
أما الكابتن حمادة هلال، فيعمل منقذا على وحدة الإنقاذ السريع «جيت سكى» لمدة 19 عاما والتى لا يستطيع العمل فى أى مهنة غيرها حتى أنه بعد انتهاء موسم الصيف يبحث عن أماكن السياحة الشتوية ليمارس عمله بها، ويقول حمادة إن التعامل مع «جيت سكى» يحتاج مهارة وتدريبا جيدا، فإذا كان المنقذ بمفرده فلابد أن تظل يده اليمنى على زر البنزين وينقذ الغرقى باليد اليسرى ويحملهم خلفه على الـ«جيت سكى» حتى يقترب من الشاطئ ويخبره بالقفز ليذهب ثانية لإنقاذ غيره.

ويشير إلى أنه من أصعب الأوقات التى تمر عليه تكون فى «البحر العالى» والأمواج المتلاحقة التى تغطى الحالات تحتها وتحتاج لقوة لسحبهم، ومن أكثر الحالات التى ظلت عالقة فى ذهنه كانت عندما تعرض رحلة شبابية بها أكثر من 13 فردا إلى حادثة غرق وكان يجب عليه التصرف سريعا، حينها تم الدعم من أعضاء الفريق حيث يتم حمل الحالات على الأطواق ويقوم هو بسحبهم للخارج والعودة مرة أخرى.

كما أنه تعرض فى إحدى المرات للخطر الحقيقى عندما تمسكت به إحدى الحالات التى تعرضت للغرق وسحبته لأسفل وظلت تقاوم حتى لم تستطع تحمل ضغط الماء، حينها استطاع إنقاذه والخروج به للشاطئ.

◄ شاطىء الموت
من جانبه، يؤكد الرائد مصطفى عياد، المدير التنفيذى لفريق الإنقاد بشاطى النخيل والمدير العام لشركة إيجى بيكس – المختصة بتعليم الغوص والإنقاذ - أن شاطئ النخيل يعد من أكبر الشواطئ على مستوى محافظة الإسكندرية والساحل الشمالى، والذى كان يعرف بتكرار حوادث الغرق به حتى أنه أطلق عليه شاطئ الموت، لذا كان يجب تغيير هذه النظرة والعمل بجدية على توفير كل الأمان للمترددين عليه وعلى غيره من الشواطئ، وهذا ما تسعى إليه شركات تعليم الإنقاذ حاليا لتخريج دفعات ذات كفاءة ومهارة عالية.

واستكمل حديثه قائلا: حياة المنقذ هى أصعب حياة يمكن أن يعيشها فى موسم الصيف، فهى تستلزم اليقظة التامة طوال اليوم ورؤية جميع المصيفين المتواجدين داخل البحر مهما كان عددهم، كما أنه يجب عليهم التعامل مع مختلف الفئات التى يستجيب منها للتعليمات وآخرون يرفضون وقد يصل الأمر للتشابك معهم، حتى أنهم قد يتعرضون للإصابات أثناء الإنقاذ خاصة فى منطقة الصخور، وبفضل الله عز وجل لم يشهد حالة غرق لأحد من فريق الإنقاذ ويتم التعاون سريعا للوصول لبر الأمان للجميع.

وما تسعى كتيبة الإنقاذ لتنفيذه جاهدة هو تحويل شاطئ الموت إلى شاطئ الحياة، منوها إلى أن فريق الإنقاذ يضم 40 فردا موزعين على طول الشاطئ و10 أفراد على أبراج المراقبة، بالإضافة لـ4 وحدات إنقاذ سريع التى تمر على الشاطئ من حين لآخر وفى حالة وقوع حوادث يتم الاتصال ببقية الفريق للتحرك فورا لانتشال الحالات، كما أنه يمكن زيادة عدد المنقذين فى حالة التقلبات الجوية لاتخاذ الاحتياطات اللازمة. علما بأن المُنقذين الجدد يتواجدون يوميا مع بقية الفريق لتعليمهم وتدريبهم على يد الأعضاء الأكثر خبرة خلال الساعات الأولى من الصباح قبل ازدحام الشاطئ بالمصطافين. 

وأكد أنه على الرغم من المخاطر التى يتعرض لها رجل الإنقاذ فإن المرتبات مازالت غير مجزية، فراتب الفرد لا يتعدى الـ200 جنيه يوميا لكنهم يعملون بسعادة مقابل تحقيق غايتهم الأسمى من ذلك فى تحقيق الأمان للمواطنين.